إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

رسائل هيروغليفية لكائنات فضائية!!

إيهاب الحضري

الأربعاء، 02 أكتوبر 2019 - 07:04 م

 

كنت أخطو أولى خطواتى على الأرض، بينما يلمس أول بشرى سطح القمر بقدميه. وقتها اعتبر أبواى بدايات سيرى خطوة مهمة فى نموى كإنسان، بينما أطلق نيل أرمسترونج مقولته: إنها وثبة هائلة للجنس البشرى. وعبر نصف قرن يفصلنا عن الخطوات الأولى، اختلف الأمر كثيرا، فوصل الجانب المستنير من البشرية إلى أعماق بعيدة من الكون، بينما لا يزال غالبيتنا فى الجانب المُعتم من الكوكب، يبيتون فى ظلمات الماضى السحيق، ويتجادلون حول موضوعات ما أنزل الله بها من سلطان.
فى سنوات تالية سمع كثيرون من أبناء جيلى اسم العالِم الكبير، ربما عبر أساتذة فى مرحلتنا الابتدائية، يتفاخرون بمصرى يشارك فى أبحاث الفضاء، شخصيا ظللت أحلم أن أكون مثل الدكتور فاروق الباز، غير أننى اكتفيتُ بأحلام اليقظة، التى استمدت حيويتها من روايات بدائية كنا نقرأها، ثم زادتها أفلام الخيال العلمى ثراء. عاش الكثيرون من أبناء جيلى يُحلقون فى فضاء الحُلم أو حُلم الفضاء. وأذكر أننى مع عدد من أصدقائى اشتركنا فى جمعية أمريكية لرصد الكائنات الفضائية! كان ذلك فى بدايات المرحلة الثانوية. وقتها واصل العالم الكبير إنجازاته فى السماء، التى بدأها مع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» فى الستينيات، منذ أن شارك فى الإعداد لرحلات مركبات الفضاء «أبولو»، وحدد موضع هبوط أبولو 17 على القمر فى ديسمبر1972، لتكون الأخيرة التى تحمل بشرا إلى هذا المكان.
كلنا شعرنا بالفخر، عندما قرر الاتحاد الدولى للفلك مؤخرا، إطلاق اسمه على كويكب تم اكتشافه حديثا، ليكون أول عربى يرتبط اسمه بإنجاز كهذا، لكن الكثيرين لا يعرفون أن اسم الباز ليس الشاهد المصرى الوحيد الموجود فى الفضاء، فعلى قمر «انسيلادوس» التابع لكوكب زحل، تقبع أخاديد مصر، وأخدود القاهرة، وأخدود الإسكندرية! وهى أسماء تم إطلاقها قبل سنوات، لسبب لا يتعلق بمُنجز مصرى واقعى فى هذا المجال، ولا حتى ينطلق من ادعاءات تُشبه تلك التى روّجها مغامر غربى قبل شهور، وزعم فيها أنه اكتشف تابوتا فرعونيا فى المريخ! وادّعى أن الفراعنة جاءوا من المريخ، ليحاول سلب المصريين إنجازات ماضيهم الذى يتباهون به. الأمر أبسط من ذلك بكثير، فعندما أراد العلماء إطلاق أسماء على تضاريس «انسيلادوس» لجأوا إلى حكايات ألف ليلة وليلة، لهذا سنجد عليه أسماء: شهريار، شهرزاد، دنيا زاد، مسرور، سندباد، علاء الدين، جنبا إلى جنب مع أماكن دارت فيها الحكايات الشهيرة، وتم إطلاقها على تضاريس أخرى، ضمت مناطق عربية، منها الكوفة وبغداد ودمشق واليمن!
لم يكن هذا هو الحضور المصرى الوحيد فى الفضاء، ففى عام 1977 أطلقت «ناسا» مركبتين تحملان اسمى «فوياجر 1» و« فوياجر 2»، وعلى متن كل منهما اسطوانات، تضم كلمة التحية بتسع وخمسين لغة أرضية من بينها العربية، و116 صورة من الحضارات الأرضية، من بينها صورة التُقطت لمصر من الفضاء، وتظهر فيها سيناء والبحر الأحمر والنيل، بالإضافة إلى محتويات أخرى عديدة، ورسائل مكتوبة بحروف هيروغليفية مبسطة، كى تتلقاها أية كائنات فضائية عاقلة تصادف «فوياجر»، خلال مسارها فى مجرتنا درب اللبانة، التى تضم نحو مائة مليار نجم مثل شمسنا.
حضارتنا القديمة إذن هى التى منحتنا فرصة التواجد فى ساحة مازلنا بعيدين كل البعد عنها، ورغم ذلك نجد بيننا من يهاجمها بدعوى أنها وثنية! ويظل إنجاز فاروق الباز نموذجا متفردا، لأنه يثبت قدرتنا على المشاركة فى صناعة المستقبل.. بشرط أن نتجاوز مرحلة أحلام اليقظة.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة