داود الفرحان
داود الفرحان


يومــيات الأخـــبار

أهو أنا.. أهو أنا.. ولا حد ينفع إلا أنا

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 02 أكتوبر 2019 - 07:09 م

 

وسألنى عن اقتراحى لشعار جديد لأمانة العاصمة يلخص مهماتها، فقلت على الفور: مكنسة!
وصدر قرار تعيينى فى اليوم نفسه.

إذا كنتَ قد دخلت تجربة «المقابلة الشخصية» قبل تعيينك فى وظيفتك الحالية أو السابقة، فلابد أنك تحتفظ فى ذاكرتك بصورة تقترب من امتحان البكالوريا. والفرق بين هذه البكالوريا وتلك المقابلة أن الأولى تَعرف مقدماً نوع أسئلتها وحلولها، وأغلبها من المناهج الدراسية، أما الثانية فأنت وحظك، بعض أسئلتها له علاقة بالعمل الذى تسعى لتعيينك فيه، وبعضها الآخر ليس له علاقة بالعمل، وإنما بأسلوب تفكيرك فى الحياة.
فمعظم الشركات يعمد إلى إجراء مقابلات شخصية مع كل متقدم للعمل فيها. وفى بعض الشركات يتم إجراء مقابلتين أو ثلاث مع كل متقدم خاصة فى الوظائف المهمة، فضلاً عن الطلب منه ملء استمارات طويلة وتقديم سيرة شخصية عن مؤهلاته وخبراته. وأحياناً تلجأ الشركات إلى وضع أسئلة تحريرية أو شفهية لا علاقة لها بعمل الشركة أو الوظيفة الشاغرة مثل: «هل الخيار فاكهة أو خضراوات؟» لاختبار مدى قدرة المتقدم على التفكير السليم وسرعة بديهيته على الرغم من أنه يرجو تعيينه سائقاً فى الشركة وليس طاهياً.
ربما كانت ليلى مراد أول فتاة «تخترع» المقابلة الشخصية قبل اختيار الزوج المناسب فى فيلم «عنبر» من إنتاج عام 1948. ويتذكر المشاهدون أن المتقدمين لطلب يدها كانوا إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعزيز عثمان وإلياس مؤدب، وفشلوا جميعاً فى المقابلة الغنائية وفاز أنور وجدى.
 عبقرية الرئيس ترامب
عادة يكون المظهر الشخصى للمتقدم هو بوابة الدخول إلى المقابلة الشخصية، وهذا يفترض أن يرتدى بدلة أنيقة داكنة اللون وربطة عنق مناسبة وقميصاً فاتح اللون وجورباً وحذاءً أسودين. وبالنسبة للمرأة يُنصح بعدم المبالغة فى ارتداء المجوهرات المزيفة، وعليها أيضاً أن ترتدى بدلة داكنة وقميصاً فاتح اللون وحذاءً أنيقاً مع الابتعاد عن الماكياج الصارخ. ولأن القلق فى هذه المقابلات أمر طبيعى، يجب على المتقدم عدم إخفائه أو التظاهر بعدم المبالاة والاستخفاف بالمقابلة الشخصية والأسئلة المطروحة. على المتقدم أن يتذكر فى كل لحظة أن الباب الذى دخل منه سيخرجه إلى الشارع إذا استهزأ بأى سؤال حتى وإن كان عن رأيه بعبقرية الرئيس ترامب وذكائه الحاد. وبالمناسبة، يرد حالياً فى كثير من المقابلات الشخصية فى الولايات المتحدة سؤال أو أكثر عن ترامب.
نأتى إلى الجانب الأهم وهو الأسئلة. فى العادة تكون الأسئلة التحريرية ذات صلة بالوظيفة الشاغرة لمعرفة ثقافة المتقدم وخبرته وتقديره للأمور وحلوله للأزمات المتوقعة مثل إفلاس الشركة أو زواج صاحبها من سكرتيرته سراً. على المتقدم أن يحرص على حمل قلم معه إذ ستكون أولى علامات الرفض أن يستعير من لجنة المقابلة قلماً للإجابة على الأسئلة، بينما تكون ثانى علامات الرفض النهائى أن يضع القلم فى جيبه بعد أن ينتهى منه.. وكأن شيئاً لم يكن!
املأ طبقك بما لذّ وطاب
ويلجأ بعض الشركات فى حالة وجود وظائف شاغرة عديدة إلى إقامة مأدبة غداء للمرشحين بعد المقابلة الأولى لأخذ فكرة أكثر وضوحاً عنهم. فإذا كنت أحد
هؤلاء فاحرص على أن تكون نهماً واملأ طبقك بما لذّ وطاب، وضع الملعقة والشوكة على جنب واعتمد على أصابع يديك، ولا تتردد فى استعارة سيخ كباب من أحد الجالسين بقربك، ولا تتوقف عن الكلام خلال الأكل ولا تخجل من بقايا الطعام على شفتيك أو على بدلتك، واطلب من عامل المطعم أن يملأ طبقك من جديد بتشكيلة من اختياره لأن الطعام لذيذ وأنت جائع وهذه فرصة تاريخية. ولا تستغرب فى اليوم التالى إذا لم تجد اسمك بين أسماء المعينين فى الشركة.
ومن الأسئلة الشائعة فى المقابلات: ما الذى يجعلك مؤهلاً لشغل هذه الوظيفة؟ قل لهم إنهم لن يجدوا أفضل منك. وإذا سألوك: لماذا ترغب فى العمل معنا؟ قل لهم لأن أجورهم أفضل وأنك تريد شراء سيارة. وإذا سألوك: لماذا تركت الشركة التى كنت تعمل فيها؟ فقل لهم إن أصحابها أولاد حرام ولا يريدون زيادة راتبك. أما إذا سألوك عن الموقع الذى تتمنى أن ترى نفسك فيه خلال خمس سنوات لو تم قبول تعيينك فى الشركة فقل لهم بصراحة أنك تتمنى أن تكون رئيساً لمجلس الإدارة. وقد تسألك لجنة المقابلة عن نقاط القوة والضعف فيك، فلا تتردد فى القول إنك من أصحاب السوابق، وتشعر بالندم لأنك شتمت مديرك الحالى فى حالة غضب، وفقدت ملفاً مهماً للشركة فى «أوتوبيس» النقل العام، وحاولت مغازلة السكرتيرة، واستلفت مبلغاً من المال من الشركة ولا تنوى تسديده، وتحفظ كثيراً من نكات التحشيش، ومعجب بالرقص الشرقى، وصاحب المنزل الذى تستأجره أقام دعوى لإرغامك على إخلائه لعدم دفع الإيجار، وأنك لا تـسلم على أحد من جيرانك لأنهم لا يستحقون سلامك، وإنك تلعب القمار وتحتسى المنكر فى المناسبات وليالى الخميس فقط، وتهتم بالسياسة والمعارضة الفنزويلية. هذه هى نقاط الضعف. أما نقاط القوة فهى إنك قادر على البطش بكل من يخالفك، وترفع الأثقال فى المنزل، وتتابع مباريات كرة القدم، وتلعب دومينو، وتستطيع السهر حتى الصباح، وتجيد الرقص فى الأعراس، وتعرف الضرب على الطبلة، وتشمّ رائحة طعام الولائم من على بعد خمسة كيلومترات. وبعد هذه الإجابات «المقنعة» لا تتعجب إذا مشى معك سكرتير المدير إلى باب الخروج.
أسئلة مفخخة غير إرهابية
لا شك فى أنك سمعت عن وكالة «بلومبيرج» الأمريكية. إنها وكالة أنباء دولية تأسست فى عام 1990، مقرها الرئيس فى نيويورك ولها مقران فعّالان فى لندن وهونج كونج، وهى فى الأساس تسعى لتوفير المعلومات والتحليلات والإحصاءات لقطاعات رجال الأعمال والشركات. وتقدم خدماتها أيضاً للسياسيين والإعلاميين. وفى مقابلات التعيين تنصحك هذه الوكالة ألا تتفاجأ إذا وجدت أمامك أسئلة «مفخخة». وليس المقصود بها أسئلة إرهابية بالمعنى المتداول، وإنما أسئلة غير متوقعة وتُخفى أكثر مما تُظهر وتحتاج إجابات دقيقة.
لماذا أغطية البالوعات دائرية؟
من هذه الأسئلة: هل أنت إنسان ذكى؟ ربما يكتفى البعض بالرد: «نعم». لكن هذا لا يكفى. المطلوب أن تبرهن على ذكائك. وهذه أسئلة أخرى: كم تخطط للبقاء معنا فى الشركة؟ إذا ربحت ورقة يانصيب هل تظل فى عملك؟ حدثنا عن نفسك وعائلتك وأصدقائك ونزهاتك واحتفالاتك وأخبرنا عن هواياتك ونشاطاتك الثقافية. وفى هذا السؤال - مثلاً - لا يهتم واضعو الأسئلة إلا بنشاطاتك الثقافية فقط؛ لذلك لا تسرف فى الحديث عن النكات التى تبادلتموها والأغانى التى رددتموها وحجم التورتة التى إلتهمتوها. سؤال أخير لمعرفة رد الفعل: ما رأيك إذا قلنا إنك لم تنجح فى هذه المقابلة؟
حتى الآن طالب الوظيفة فى أمان. لكن ماذا سيرد إذا توجهت إليه لجنة المقابلة بهذه الأسئلة التى لا تخطر على بال أحد سوى شركة «جوجل» التى توفر لموظفيها العباقرة رواتب خيالية: كم تتوقع أن تأخذ من الدولارات مقابل مسح كافة النوافذ فى مدينة شيكاجو؟ لماذا تكون أغطية بالوعات الصرف الصحى دائرية؟ كم عدد المكانس الكهربائية التى يتم إنتاجها سنوياً فى الولايات المتحدة؟ كم مرة يتطابق عقربا الساعة فى اليوم الواحد؟ وحتى لا تفكر كثيراً فى الإجابة على هذا السؤال إليك الحل: 22 مرة. وقد اضطرت «جوجل» مؤخراً إلى حذف مثل هذه الأسئلة المعقدة والغريبة وغير المنطقية ومنعت توجيهها إلى المتقدمين لوظائف جديدة.
المقابلة فى كوريا سفرة سياحية
ندع «جوجل» الأمريكية ونذهب إلى شركة «سامسونج» الكورية الجنوبية، تجرى المقابلة على مرحلتين؛ الأولى مع رئيس القسم الذى يحتاج إلى موظفين وأسئلتها متخصصة فى إنتاجها من الصناعات المختلفة. والمقابلة الثانية مع رئيس الموارد البشرية الذى يحاول أن يعرف ردود فعلك وتصرفاتك وطبيعة تفكيرك: وحتى لو فشلت فى المقابلتين هناك ملحق تكميلى فى نفس الأسبوع. ويروى أحد العاملين المصريين فى الشركة أنه تم إيفاده إلى كوريا بعد المقابلتين للتدريب والسياحة لمدة سنة كاملة على تجميع أجهزتها فى فرعها المصرى وتكفلت الشركة بكل المصاريف، وبعد التدريب خضع لمقابلة جديدة وأسئلة جديدة: لماذا نختارك أنت؟ ابحث فى جيبك وحاول أن تبيع لنا أى شيء. كيف ترى نفسك بعد ثلاث سنوات؟
 وكما تقرأ فإن الانضمام إلى شركات عالمية كبرى سهل ومتاح للجميع من خلال مقابلات شخصية تعرض فيها إمكانياتك وعلمك وفهمك. حتى وكالة «ناسا» الفضائية الأمريكية تفتح أبوابها أمامك إذا حلمت بأن تجد فرصة عمل. ففيها الكثير من المقاعد الجذابة والمهمة، ومن يدرى قد تجد نفسك من رواد الفضاء. من هذه الوظائف أطباء وممرضون ومتخصصون فى الصحة العقلية، وباحثون ومهندسون وجيولوجيون وعلماء الأحياء المجهرية وفيزيائيون، وكتاب متخصصون فى الموارد البشرية والإتصالات، ومبرمجو الحاسب الآلى وتكنولوجيا المعلومات وتقشير البطاطا.
قبل أن أبدأ عملى فى الحكومة دخلت اختبار مقابلة للتعيين فى أمانة العاصمة (بلدية بغداد) وسألنى أحد أعضاء اللجنة واسمه فخرى الزبيدى (رحمه الله) وكان نجماً فى تمثيليات التليفزيون العراقى عن اقتراحى لشعار جديد لأمانة العاصمة يلخص مهماتها، فقلت على الفور: مكنسة!
وصدر قرار تعيينى فى اليوم نفسه.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة