د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

أنت من يصنع الفارق

محمد السعدني

الخميس، 03 أكتوبر 2019 - 10:19 م

 قانون الطبيعة حتم، قانون الحياة اختيار، وما بين الحتم والاختيار يعيش الإنسان. قانون الطبيعة حتم لا يعرف الاستثناء ولا المجاملة، وهو رغم تجدد الحياة إلا أنه ثابت قاطع لا يتغير. فتعاقب الفصول حتم، ولا يمكن للشمس أن تشرق يوما من الغرب، وكذا تعاقب الليل والنهار حتم، هذا هو قانون الطبيعة الذى لا يسمح للتفاحة إلا أن تسقط على الأرض حيث الجاذبية وقوانين نيوتن التى لا تعرف التساهل أو الاستثناء. القانون فى الطبيعة هو الأساس وليس للمصادفة دور أو احتمال إلا فى أذهان المكابرين الملحدين الذين يدعون حكمة قانون المصادفة ويسمونه التصميم الذكى.
قانون الطبيعة لا يعرف الواسطة والمجاملة، والإنسان أياً ما يكون خاضع لقوانين الفيزياء والكون وحركة الأجرام السماوية، والجاذبية، والمد والجذر وعلوم طبقات الأرض والكيمياء والذرة ومكوناتها ونظريات الكم والديناميكا الحرارية وعلوم البيولوجيا والاستنساخ والنسبية وغيرها.
فى قانون الطبيعة باب كبير عنوانه «علوم الوراثة» وقد اشتقت منه العلوم الحديثة مستجدات علمية مثل التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، تلك التى أحدثت الاستنساخ ومفاهيمه الجديدة إلا أنها لم تخرج أبدا عن قانون الطبيعة وحتمه. وحتى فى استنساخ النعجة دوللى فى معهد روزالين بالمملكة البريطانية لم تعط تجربة «إيان ويلموت» من النعجة إلا نعجة، هى لم تنتج فيلاً أو زرافة أو غزالة أو قردا أو بقرة. إنه قانون الوراثة الذى يحدد لون الإنسان وطوله أو قصره ولون شعره وطبيعته، ناعم أو مجعد، وكذا لون العينين، ونوع الجنين ذكرا أو أنثى..إذن من حيث الطبيعة والجسم والتكوين والشكل فالإنسان رهن للقانون، أما شأنه فى الحياة ومسيرته، ومهما كانت صعوبتها وتشعب دروبها فهى رهن لاختياره ومراده وعزمه وإرادته. فى الحياة أنت الذى يختار، أن تكون متفوقا فهذا رهن قدرتك وإبداعك وجهدك. أن تكون سياسياً موالياً أو معارضاً فهذا اختيارك، وأن تجيد لعبة السياسة فتتسلح بالعلم والتجربة والخبرة والمعرفة أو تظل شخصا باهتا بلا روح أو هوية أو مبادرة حتى لو صرت وزيراً، فهذا أيضا اختيارك، ولا تلومن إلا نفسك إذا خرجت من ملعب الحياة الكبير مهزوماً، فهذا نتاج عملك وسوء تقديرك وعدم قدرتك على تجاوز اختبارات الحياة والوجود. إذا أعجبك أن تكون دائماً فى مقاعد المتفرجين فلا ينبغى لك أن تحلم يوما بدور البطولة فى فيلم الحياة ومسرحية الوجود، وحسبك الفرجة ومصمصة الشفاة. إنه الاختيار، باختيارك أنت الذى تحدد قيمتك، فلا تحسبن حياتك هى منذ ولدت إلى يوم وفاتك، يمكنك أن تجعلها أطول وأثمن وأقيم، إقرأ حاول تعلم، تفاعل إشتغل ونظم وقتك واسأل نفسك ماذا أضفت إلى نفسك اليوم وماذا أضفت إلى عملك ومستقبلك ومجتمعك وأسرتك ووطنك؟. ماذا قرأت مؤخراً وأى فيلم شاهدت وأى مسرحية أثرت فيك وأى «كونسير» فى الأوبرا أعاد صياغة مشاعرك من جديد، وأى ندوة سياسية أو علمية شاركت فيها، أى جريدة تحرص على قراءتها وأى قضية عامة شاركت فيها برأى أو فكر أو عمل؟ إذا كانت لكل هذه الأسئلة إجابات عندك فأنت بالفعل إنسان تستحق أن تعيش وأن تكون، أما إذا لم تكن لديك إجابات واضحة فأنت الذى اخترت أن تكون واحداً من كثيرين لا يميزهم فى سلم النشوء والإرتقاء والتطور كما عند «دارون» إلا مظاهر العيش بلا قيمة مضافة للحياة والكون والفكر والمجتمع والناس. ولن يتوقف عندك أحد أو يعيرك اهتمامه، وعندها لا يحق لك أن تفتى فى شئون الدنيا أو تعارض أو تطلب من المجتمع والحكومة احترامك. إن احترامك بما تقدمه وما تتركه من أثر. وليس فى ذلك محاولة للاستعلاء على البسطاء والعامة من الناس، أولئك الذين لم يحصلوا قسطاً من التعليم لظروف قهرتهم، لكنهم أيضا مصنفون حسبما هم يؤدون. فمنهم الصانع الماهر والحرفى الدقيق والمهنى المقتدر وهم فى كل الأحوال يتركون أثراً إيجابياً بأعمالهم يقدره المجتمع ويحترمهم من أجله. أما من كانوا من ذوى التفاهة والسطحية فلا يلومن إلا أنفسهم إذا غربت عنهم الشمس وزاورت عنهم الأيام. فكم مات قوم وما ماتت مكارمهم، وعاش قومٌ وهم فى الناس أموات. فأنت من يصنع الفارق.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة