السادس من أكتوبر
السادس من أكتوبر


نصر أكتوبر| اســتعادة النهـار من ظــــلام الشــك

إسلام عيسى

الجمعة، 04 أكتوبر 2019 - 10:40 م

حرب السادس من أكتوبر المجيدة لم تكن فقط اشتباكات ومواجهات عسكرية.. نصر أكتوبر كانت قصصًا وحكايات أشبه بالخيال.. بطولات ستظل مضيئة للأبد تنير لنا طريق الانتماء بالتضحية.. البطولات المصرية كانت انتصارا كبيرا فى شتى المجالات والعلوم العسكرية والمخابراتية والمعلوماتية ايضا، فصول مثيرة شهدتها الحرب الذكية بين القاهرة وتل أبيب للحصول على معلومات حيوية، فى الجانب العسكرى أو الصناعى أو المدنى، بعد مرور 46 عاما على ذكراها المجيدة لابد أن نتذكر الجنود المجهولين وراء هذه النصر الخالد رجال المخابرات المصرية، الذين قاموا بجمع المعلومات الشاملة عن العدو والذى بات كأنه كتاب مفتوح أمام قيادة القوات المسلحة المصرية.

الحرب خدعة.. ودائما كانت الحروب القديمة أو الحديثة تقوم على خداع العدو بغرض هزيمته وإفشاله، بفضل خطط قائمة على الدهاء وتكتيك استراتيجى لم يخطر ببال الطرف الآخر، كانت حرب أكتوبر نموذجا لأكبر خدع الحرب، حيث نجحت القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس السادات ورجال المخابرات فى خداع استراتيجى، قبل فترة الحرب بعدةأشهر، وشملت خطة الخداع الاستراتيجى الجانب الإعلامى والاقتصادى والسياسى، فنجد على سبيل المثال أنه تم تسريب معلومات للجانب الإسرائيلى، تفيد أن مصر ستبدأ إجراء مناورات شاملة وليس حربا فى الفترة من 1 وحتى 7 أكتوبر.. وفى يوم 9 أكتوبر سيتم تسجيل الضباط الراغبين فى تأدية مناسك الحج.

التوقيت

اعتمد نجاح خطة الخداع الاستراتيجى على التوقيت للخطة وقبل نشوب الحرب بخمسة أو ستة أشهر، تم التنسيق بين وزارات الإعلام والخارجية والدفاع لتطبيق خطة الخداع حيث تم نشر أخبار سلبية عن الوضع الاقتصادى وتصدير فكرة أن مصر لا يمكنها خوض أى معارك، وليس أمامها خيار آخر سوى القبول بحالة السلم، وعلى الصعيد السياسى تم إعداد خطة حرب بسيطة وشاملة بالتنسيق مع الجانب السورى، مع الأخذ فى الاعتبار إمكانية إحداث أى تغيير مع بداية الحرب مباشرة.

وبتتبع المسار الزمنى لخطط الخداع تلك سنجد أنها بدأت فى يوليو 1972 عندما صدر قرار بتسريح 30 ألفا من المجندين منذ عام 1967 وكان كثير منهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية وفى مواقع خلفية، وفى الفترة من 22 وحتى 25 سبتمبر تم الإعلان عن حالة التأهب فى المطارات والقواعد الجوية بشكل دفع إسرائيل لرفع درجة استعدادها تحسبا لأى هجوم، ولكن أعلنت القوات المصرية بعد ذلك أنه كان مجرد تدريب روتينى، واستمرت القوات المصرية تطلق تلك التدريبات والمناورات من وقت لآخر حتى جاءت حرب أكتوبر وظنت إسرائيل فى بدايتها أنها مجرد تدريب أيضا ولم تكن مستعدة لها.

وفى صباح يوم الحرب نفسه 6 أكتوبر، شوهد الجنود وهم فى حالة استرخاء وخمول، وفى اليوم نفسه أيضا تم الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية إلى ليبيا، ثم تقرر تأجيلها لعصر يوم 6 أكتوبر، كما وجه المشير أحمد إسماعيل دعوة لوزير الدفاع الرومانى لزيارة مصر فى 8 أكتوبر وأعلن أنه سيكون فى استقباله بنفسه.

الخدعة الكبرى

ولم تقتصر خطط الخداع على ذلك فحسب بل شملت أيضا الخدعة الكبرى فى اختيار ساعة الصفر نفسها تحديدا الثانية ظهرا فى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر، وهذا لعدة أسباب أولها أن العدو لن يخطر بباله أن الجيش سيخوض الحرب فى شهر رمضان بسبب الصيام، وثانيها اختيار الساعة وقت الظهيرة وهذا شىء لم يتوقعه العدو حيث إن العمليات العسكرية تكون دائما فى أول ضوء أو آخر ضوء.

ومن تاريخ رجال المخابرات الحافل بالبطولات القبض على هبة سليم أخطر جاسوسة تم تجنيدها من قبل الموساد أثناء دراستها فى فرنسا.. رسمت المخابرات المصرية خطة للقبض على هبة واحضارها لمصر بعد اعتقال خطيبها مصدر معلوماتها، وكانت الخطة تتضمن إقناعها أن والدها مريض.

أرسل والدها برقية عاجلة لابنته فجاء ردها سريعا ببرقية تطلب منه أن يغادر البلد العربى الذى يعمل فيه إلى باريس، حيث إنها حجزت له فى أكبر المستشفيات هناك، أرسل والدها مجددا لابنته يخبرها بعدم قدرته على السفر إلى باريس لصعوبة حالته.. ونجحت الخطة وحضرت هبة إلى والدها عندما نزلت من سلم الطائرة فى المطار وجدت رجال المخابرات فى انتظارها، واصطحبوها إلى طائرة مصرية تقف على بعد عدة أمتار، مثلت هبة أمام القضاء المصرى ليصدُر بحقها حكم بالإعدام شنقا بعد اعترافها بالخيانة، وحضر وقتها هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى إلى أسوان لمقابلة الرئيس السادات، فى أول زيارة له إلى مصر بعد حرب أكتوبر 1973 وفوجئ السادات به يطلب منه بناء على رغبة شخصية من جولدا مائير أن يخفف الحكم عليها.. فنظر إلى كيسنجر قائلاً: «تخفيف حكم؟.. لقد أعدمت النهارده»، وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً فى هبة سليم فى اليوم نفسه فى سجن الاستئناف بحى باب الخلق وسط القاهرة.

الحفار

نهاية عام 1969.. وفى ذروة الصراع العربى الإسرائيلى وبعد عامين من نكسة 67، أعلنت إسرائيل عزمها التنقيب عن البترول فى سيناء، وقامت بالفعل باستئجار حفار ليقوم بالتنقيب عن البترول فى خليج السويس لدعم خططها فى محاولات الضغط على مصر وإظهارها أمام العالم بمظهر العاجز عن حماية أرضها ومواردها الطبيعية، والضغط عليها من ناحية أخرى للتخلى عن دورها الريادى فى مناصرة القضية الفلسطينية ووصلت المعلومات إلى رجال المخابرات بوجود حفار بالفعل واسمه «كينتنج» وأنه يعبر المحيط الأطلنطى فى طريقه لأفريقيا ليتوقف فى أحد موانيها للتزود بالوقود ثم اتخاذ طريقه إلى الجنوب ليدور حول القارة الأفريقية ويتجه إلى البحر الأحمر ثم إلى خليج السويس.

وتحددت المهمة بزرع ألغام فى جسم الحفار تحت سطح الماء أثناء توقفه فى أحد الموانئ الإفريقية ورغم تكتم إسرائيل لتفاصيل خط السير، فقد تأكد رجال المخابرات أن الحفار فى طريقه للتوقف فى «أبيدجان» عاصمة ساحل العاج.. وفى فجر 6مارس 1970 استغل الأبطال وجود مهرجان ضخم لاستقبال عدد من رواد الفضاء الأمريكيين الذين يزورون أفريقيا لأول مرة وانشغال السلطات الوطنية بتأمين الزيارة، ونزلت الضفادع المصرية من منطقة الغابات وقاموا بتلغيم الحفار وسمع دوى الانفجار بينما كان الأبطال فى طريق عودتهم إلى القاهرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة