جمال الغيطاني وعبده مباشر
جمال الغيطاني وعبده مباشر


«صحفيون على خط النار».. 6 مراسلين عسكريين عايشوا بطولات حرب أكتوبر

أسامة حمدي

السبت، 05 أكتوبر 2019 - 06:01 م

تحل علينا ذكرى نصر أكتوبر المجيد، ذلك النصر الذي سَطَر ملحمة بطولية لقواتنا المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي، لكن على جبهة القتال المشتعلة آنذاك في سيناء خلال حرب السادس من أكتوبر 1973، كان هناك من شارك في النصر العظيم، ليس بالرصاص ‏والبنادق، ولكن بأقلامهم التي سجلت على مر السنوات ملامح بطولية لا تنسى لجنودنا البواسل، فهؤلاء هم «المراسلون الحربيون».‏

 

المراسل الصحفي الحربي على خط النار، هو الجندي المجهول الذي يسطر بحروف من نور البطولات والأمجاد في المعارك والحروب، وقد لمعت العديد من أسماء المراسلين الحربيين خلال حرب أكتوبر، حيث لعبوا دورًا بارزًا في تقوية الروح المعنوية للجنود، فضلا عن حالة الزعزعة التي تخللت صفوف العدو الإسرائيلي بفضل نجاحهم الباهر في رسم صورة حية لكل ما يجرى على أرض المعركة وعن الخسائر الفادحة التي تكبدها العدو.


وتستعرض «بوابة أخبار اليوم» في سياق هذه السطور أبرز المراسلون الحربيون الذين كانوا على جبهة القتال في سيناء، ورواياتهم عن الحرب.

 


جمال الغيطاني

أحد المراسلين الحربيين الذين وثقوا بأقلامهم وصورهم تفاصيل الملحمة الكبرى، حين كان ‏يعمل وقتها مراسلا صحفيا حربيا لجريدة «أخبار اليوم»، وظل يحكي عن تلك الحرب طوال الـ45 عامًا ‏الماضية.‏


وتأثر «الغيطاني» في بداية حياته الأدبية والصحفية بالروائي الكبير نجيب محفوظ، واستطاع في عام 1963 أن يعمل كرسام ‏في المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي حيث استمر بالعمل داخلها لمدة عامين.‏


وحكى في كتابه ‏‏«الرفاعي» عن ليالي حرب أكتوبر، وكيف وقعت وسط أجواء رمضان، وتحمل وقتها الجنود والمراسلين الجوع والعطش رافضين الإفطار.‏


وعقب النصر عام 1974 انتقل «الغيطاني» للعمل في قسم التحقيقات الصحفية، وبعد إحدى عشر عامًا قام بتأسيس جريدة «أخبار الأدب» في عام 1993، وظل رئيسًا لتحريرها إلى أن توفى عام 2015 عن ‏عمر ناهز السبعين عامًا.‏


ودائما ما يروي «الغيطاني» عن الحرب والدور البارز الذي لعبه الطيارون المصريون في 1973، وكيف كان للطيار المصري دور مهم في رفع الروح المعنوية لدى المصريين، وبطولات قوات الدفاع الجوي في إسقاط طائرة استطلاع متقدمة بمقاييس الوقت، كان اسمها «ستراتو كورز» وكان إسقاطها صعباً لما تحمله من إمكانيات متقدمة، وكان في ذات الوقت موجوداً بقاعدة أبو صوير عندما تم إسقاطها واعتبر هذه اللحظة محطة فارقة في تاريخ الحرب.


ولفت إلى موقف آخر عندما تم تضليل صاروخ مضاد لقواعد الصواريخ الموجودة بين القوات المصرية وكان اسمه «سترايك» وتم إطلاقه لرصد الإشارات المنبعثة من قواعد الصواريخ المصرية ويحفظها، هكذا يظل متجهاً إليها حتي إذا التزمت القواعد بالصمت الراداري.


وتحدث عن حصار منطقة «كبريت» والتي أظهرت بسالة وجدية المقاتل المصري أثناء حرب أكتوبر، وظهر ذلك في صمودهم أمام الحصار والذي كان أطول حصار خلال الحرب، حيث استمر 134 يومًا مات خلالها الناس جوعًا، ورغم ذلك لم يسقط علم مصر عنها، كما ذكر أن أحد الجنود ظل على جبل عتاقة طوال هذه الفترة، وكان يتغذى على ورق الشجر.

 

فاروق الشاذلي

 

بطل من أبطال مؤسسة «أخبار اليوم» الذين وثقوا بأقلامهم وصورهم تفاصيل الملحمة الكبرى.

والذي شاهد بعين الصحفي أحداث الحرب وتحرير سيناء وامتلك ذخيرة ضخمة من الحكايات ورثها للقراء ولأجيال الصحفيين من تلاميذه.. ومن المصادفة أن رحيل فاروق الشاذلي كان في نفس شهر أكتوبر.

يحكي الأستاذ الكبير فاروق الشاذلي عن يوم السادس من أكتوبر - في مقال كتبه الأستاذ طاهر قبيل على صفحات جريدة "الأخبار"-  قائلا: كانت الرابعة من بعد الظهر وكنا كل ما نحصل عليه في صالة تحرير «الأخبار» معلومات غير مؤكدة عن تحركات لقواتنا المسلحة واتصالات من القراء عن سماعهم لأصوات طائرات في الجو.. وفشلنا في التواصل مع الجهات العسكرية لسحب بعض الخطوط لصالح التحركات وفرض السرية عن العمليات مع تكرار بيانات عسكرية مقتضبة.. وفجأة جاء البيان الذي يحلم به كل المصريين بأن الجيش عبر قناة السويس ورفع العلم خفاقا علي الشاطئ الشرقي فوق رمال سيناء.. وتبدل الحال في صالة التحرير وتم إلغاء المواد المعدة للنشر وإصدار أكثر من طبعة تحمل متابعة فورية لكل جديد.

وتعود الحياة للاتصالات ويتم اختيار فاروق الشاذلي والفنان المصور مكرم جاد الكريم للانطلاق مع قافلة إعلامية إلى السويس مع أول ضوء يوم 7 أكتوبر وصرف «‬أفرول» لكل محرر عسكري.. وتتعرض القافلة الإعلامية لغارة جوية معادية عندما يصلون إلى البر الغربي ويختبئون في أحد الدكاكين الذي يتحرك بابه في اتجاههم حتى يوشك أن يصدمهم ثم يبتعد من أثر الانفجارات.. ومع انتهاء الغارة يتحركون إلى مكان آخر يرصدون من خلاله انطلاق أبطالنا البواسل مندفعين بكل بطولة إلي البر الشرقي من أحد المعابر لدعم المجموعات التي عبرت ومعاونتهم في تحطيم خط بارليف.. ويرفض المسئولون عبورهم فالأولوية للقوات والمعدات المشاركة في القتال فينتقلون إلى مكان آخر ويتعرضون لغارة جوية أخرى وتتصدى لها وسائل دفاعنا الجوي وتسقط طائرة فانتوم إسرائيلية يتمكن مكرم جاد الكريم من التقاط صورة لها.. وتحاول أخرى الهروب فتغمرهم بالرمال.. ويقف الراحل فاروق الشاذلي على سلم لوري عسكري لكي يصل إلى قيادة الجيش الثالث الميداني ليبلغ الجرنال بما شاهده.. ويتركه السائق على بعد 10 كيلومترات من القيادة.. وتأتي سيارة نقل مياه ولا يجد له مكانا سوى احتضان خرطوم المياه.. ويرفض الأمن دخوله القيادة فيستكمل رحلته إلى القاهرة في عربة لنقل الإمدادات ملتحفا مع الجنود بمشمع مملوء بالزيت والشحوم للاحتماء من البرد.. وعندما يصل إلى مكتب الأستاذ الكبير موسي صبري رئيس التحرير في ذلك الوقت يلتقط له صورة بالأفرول الذي حضر به ويضع انفراد مكرم جاد الكريم بصورة الطائرة الإسرائيلية المحطمة بالصفحة الأولى ويترك له الأخيرة ليكتب فاروق الشاذلي أول رسالة له من الجبهة.


ويحكي فاروق الشاذلي قصة عبوره قناة السويس يوم الثامن من أكتوبر وكيف انسابت دموعه وهو يقبل ويتوضأ برمال سيناء وحكي كيف دخل مدينة القنطرة شرق بعد تطهيرها من دنس الاحتلال الإسرائيلي وتجول في مركز القيادة المتقدم للعدو بعد أن حرره أبطالنا في معركة ضارية استخدموا فيها السلاح الأبيض والقتال المتلاحم وكيف سارع الجنود في ترميم مسجد المدينة بعد أن حاول العدو تدميره لينطلق صوت أحد الجنود بأذان الظهر «‬الله أكبر .. الله أكبر». وكانت هذه رسالته الثانية من الجبهة عن معركة القنطرة شرق التي قام أبطال الفرقة 18 في بطولة فذة كان يعتقد الكثيرون أن مكانها الأساطير فأصبحت واقعا وحقيقة بسواعد المصريين من رجال الجيش الثاني الميداني الذين لا يعرفون المستحيل.

 

 


عبده مباشر

واحدا من أبرز المراسلين العسكريين الذين كتبوا عن نصر أكتوبر، وخلال الحرب كان رئيسًا للقسم العسكري بجريدة الأهرام والجمعية العمومية حتى ‏عام 1977، وكان ضمن المقربين ‏من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.‏
وكان يلقب الرئيس السادات بـ«رجل الأقدار»، واعتبر انتصار أكتوبر هو الابن الشرعي له، ‏وحكى عن مغامراته في وقت الحرب بكتابه «رجال أكتوبر»، الذي أشار فيه إلى أن بداية انضمامه ‏كمراسل حربي للجيش، كان وقت حرب الاستنزاف، حينما التحق بالجنود على الجبهة وانضم للمجموعة ‏‏39 قتال.‏


ومن المواقف العصيبة التي رآها، الهجوم الذي وقع على مركز عمليات بثلاث دبابات ‏إسرائيلية، وقام وقتها أحد الجنود المصريين، بدون أوامر بلف لغمًا على جسده ونام تحت الدبابة ‏الإسرائيلية ليكون شهيدًا للوطن.‏


والثاني جلس في وضع قتالي، وأصاب الدبابة الثانية فتوقفت، إلا أن قذيفة أحد الجنود الإسرائيلية أردته قتيلاً، قبل أن يلاحقه جندي مصري لقتله، أما الدبابة الثالثة فولت هاربة إلى أن تعقبها مقاتل مصري وأصابها من الخلف، ثم ألقى عليها قنبلة فاحترقت بمن فيها.


ويحكى موقف آخر عصيب مر به وهو أنه عندما وصل لقطاع الفرقة 16 في منطقة بين الجيش الثاني والثالث، وهي منطقة واسعة ومفروشة بالألغام، وكان وقتها يمارس عمله كمراسل حربي فوجئ بلواء إسرائيلي يضغط على القوات وتم حصارهم جميعا وقتها حيث بدأت القوات الإسرائيلية هجوماً مضاداً من هذه المنطقة، ووقتها تخلى «مباشر» عن عمله كمراسل حربي، وأمسك بالسلاح وحارب مع القوات.


وكان وقتها أمامه أن يحصل على سلاح جندي شهيد على الأرض، وهو عبارة عن بندقية روسي، وأمامي أيضا رشاش إسرائيلي مقتول، ولكنه أخذ السلاح المصري من الشهيد، وبدأ الاشتباك، وبعدها تحرك مع مجموعة الإخلاء عندما كان هناك إخلاء للجرحى، وأكمل مهمته كمراسل حربي حتى وقف إطلاق النار.

 


«صلاح قبضايا»

كان يلقب بـ«عميد المحررين الصحفيين»، وبترشيح من مصطفى أمين التحق بـ«الأخبار» كمراسل عسكري لها في أوائل الستينيات، وظل ‏اسمه ملازمًا للجريدة لفترة من الزمن؛ حيث شارك كمراسل عسكري في عدد من الحروب، ‏وأصيب في حرب اليمن.‏


ويعد كتابه «الساعة 1405» أول كتاب عن حرب أكتوبر 1973 وأهم المراجع عنها، والتي نوه فيه ‏إلى أن عظمة حرب أكتوبر تتجلى في إنها أبرزت مدى صمود المقاتل المصري، موضحًا أن إرادة ‏الإنسان المصري تغلبت على كل المعوقات والصعوبات التي واجهته.‏


وتحدث في كتابه عن الضابط الذي ابتكر خراطيم المياه لفتح السواتر الترابية في خط بارليف الحصين، ‏مؤكدًا أنه تمكن من فتح ثغرات بواسطة طلمبات أو ماكينات ضخ للمياه، والذي أدى إلى انهياره في ‏لحظات معدودة.‏


وفي كتاب آخر له بعنوان: «مشاهد الضربة الجوية» تحدث عن الضربة الجوية وعملية العبور، و‏الساتر الترابي وتحصينات خط بارليف، وكيف خالف قائد القوات الجوية كل المعارضين للعمليات ‏الهجومية.‏

 


حمدي الكنيسي‏

كان أحد مراسلي الحرب، وشغل مناصب ‏مشرفة في المجال الإعلامي، كرئيس الإذاعة الأسبق، ومستشارًا إعلاميًا لمصر في لندن‎ ‎ونيودلهي، وله عشرات المؤلفات عن الإعلام والإذاعة، كما ‏أنه عضو مجلس إدارة كتاب مصر ورئيس اللجنة الثقافية والإعلامية، وعضو المجالس القومية ‏المتخصصة.


وتحدث في كتابه «الحرب عن طريق السلام» عن حرب أكتوبر، ونال عليه جائزة أفضل كتاب عام 1997، ‏كما أنه قدم برامج إذاعية عديدة بعد حرب أكتوبر كان منها: «صوت المعركة ويوميات مراسل حربي»، ‏تلك البرامج التي ذاع صيتها حتى وصل إلى إسرائيل ذاتها.‏


ويحكي «الكنيسي» عن ذكرياته أثناء الحرب قائلًا: «كدت أفقد حياتي أثناء عبوري للقناة لولا شجاعة أحد ‏أبطال الصاعقة الذي دفعني داخل المياه ليبعدني عن حقل ألغام».‏


وروى عن بطولات الجنود وكيف حققوا انتصارات قوية بإسقاط الدبابات بسلاح «النبالم» المحمول على الأكتاف وسيرًا على ‏الأقدام.


كرمه السادات تقديرا لجهوده التي قدمها كمراسل حرب يحارب من خلال أدواته، ومن خلال البرامج التي لعبت دوراً مهماً في رفع الروح المعنوية للجنود، إضافة إلي خلق حالة من الالتفاف والتواصل بين الجبهة والشعب، مما أعطى شعوراً بأن الكل يحارب.


وروى «الكنيسي» أن البرنامج ساهم في توتر إسرائيل، وشكلت لجنة لبحث أسباب انتشار البرنامج المصري المعادي «صوت المعركة» بين الإسرائيليين الذين يعرفون اللغة العربية.


وعن رأيه في شخصية الرئيس السادات أكد دوره الحاسم فى المعركة قائلا: «لقد أعطي الرجل انطباعاً لإسرائيل والغرب بأنه لا يملك الجرأة علي اتخاذ قرار الحرب، بل إنه قد تم تسريب إحدى الصور الخاصة به وهو يرتدي المايوه علي شاطئ البحر وبجواره كلب يداعبه مما أعطي انطباعاً للعدو بأنه يريد أن يمارس حياته كالملوك ولا يشغله التفكير في القيام بحرب لتحرير الأرض والكرامة العربية وبذلك لعب السادات شخصياً دوراً أساسياً في خطة الخداع والتضليل كما أنه تحمل الكثير من الانتقادات التي توجه له في الداخل بأنه ليس الزعيم الذي يتخذ قرار الحرب».


حمدي لطفي

كان مراسلا عسكريا لدار الهلال، والذي كان يوصف بأنه عميد الصحفيين المصريين المتخصصين في الشؤون العسكرية، وتحدث عن الدور البارز الذي قامت به الدبابات المصرية في حرب أكتوبر علي المستوي التكتيكي العسكري.


وروى عن إصرار المقاتلين المصريين الذين قاتلوا لمدة 48 ساعة في بداية الحرب دون أن يتناولوا وجبة طعام واحدة أو شربة ماء أو فكر أحدهم في تدخين سيجارة، بل أن أكثرهم قضي في هذه الحرب مائة ساعة متصلة بلا نوم.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة