عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

بنية فاسدة لنظام توزيع الغذاء ..هل من معالجة حقيقية ؟

بوابة أخبار اليوم

السبت، 05 أكتوبر 2019 - 06:23 م

عبدالله البقالى

اختارت السلطات الفرنسية يوم السادس عشر، من شهر أكتوبر من كل سنة (يوما وطنيا ضد هدر وضياع الأغذية فى فرنسا)، وقبل إعلان هذا اليوم كانت الحكومة الفرنسية قد صاغت فى بحر سنة 2013، ما سمته ب (العقد الوطنى لمحاربة الهدر الغذائي)، وبعد ذلك تبنى البرلمان الفرنسى سنة 2016 قانون ( GAROT )، الذى يفرض على جميع المحلات التجارية، التى تتجاوز مساحتها 400 متر مربع، التوقيع على اتفاقيات شراكة مع جمعيات المجتمع المدنى تستفيد بموجبها هذه الجمعيات، من مواد غذائية لا تزال صالحة للاستهلاك عِوَض إتلافها فيما لا يفيد، أو التخلص منها لاعتبارات تجارية محضة، وتقوم هذه الجمعيات بالتصرف فيها لفائدة المحتاجين إليها، قبل أن يسن البرلمان الفرنسى سنة 2018 قانونا جديدا، عرف بقانون (EGALIM)، الذى أضاف المطاعم الجماعية إلى المساحات التجارية الكبرى، فيما يتعلق بالتوقيع على اتفاقيات شراكة مع جمعيات المجتمع المدنى لحسن استعمال واستثمار المواد الغذائية. وبذلك فإن جمهورية فرنسا تعتبر رائدة، فيما يتعلق بالتعامل مع قضية آخذة فى استقطاب اهتمامات الرأى العام الدولي، وتتعلق بالهدر المفرط للمواد الغذائية، فى الوقت نفسه، الذى تواجه فيه البشرية برمتها عجوزات كبيرة فى إطعام الجائعين بالعديد من أقطار المعمور، وتشير الإحصائيات الصادرة فى هذا الصدد، عن الجهات المختصة عالميا، خصوصا منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إلى أن ما يقدر بنحو ثلث جميع المواد الغذائية، المنتجة على المستوى العالمى تفقد أو تهدر، بيد أن تقارير أخرى صادرة عن منظمات وجمعيات تكشف عن حقائق مذهلة تفيد أن جزءا هاما من المواد الغذائية، الصالحة للاستهلاك يكون مصيرها قمامات الأزبال المنزلية، بسبب السلوكات الغذائية السيئة للأشخاص والأسر، فى نفس الوقت الذى يوجد فيه حوالى مليار جائع، فى العديد من أصقاع المعمورة، بما يعرى طبيعة التفاوتات الفظيعة فى توزيع الغذاء بالعالم، ويكشف عن الاختلالات الكبيرة، التى يتصف بها نظام هذا التوزيع، حيث يحقق جزءا من سكان العالم، وهم قلة قليلة، فائضا فى حاجاتهم الغذائية، ويضطرون إلى إلقاء جزء مهم من هذا الغذاء فى قمامات الأزبال للتخلص منها، بيد أن مليارا من بنى البشر، فى مناطق أخرى من العالم، ولأسباب ترتبط بالعوامل المناخية والجغرافية والسياسية، لا يجدون ما يسدون به رمق جوعهم المستفحل.
نعم، تفيد المعطيات المتعلقة بهذه الإشكالية أن قضية الهدر الغذائى تتجاوز هذه الحدود الضيقة، التى تكشف عما أشرنا إليه، وأن الأمر يتعلق بإشكالية أكثر استعصاء تهم الهدر الغذائي، خلال جميع مراحل الإنتاج والتسويق والاستهلاك، من تفشى الآفات الطبيعية، والاختلالات التى تقع فى سلسلة التوريد والحصاد، والتخزين والتعبئة والنقل، وضعف البنية التحتية من طرق وقناطر وموانئ ومطارات، واهتراء فى الأسواق، إضافة إلى طبيعة أنظمة الأسعار المعتمدة، وغير ذلك كثير من العوامل والمظاهر المتسببة فى هدر الغذاء فى العالم. وإن اجتهدت منظمة الأغذية والزراعة فى إقناعنا بالجهود، التى تقول إنها تبذلها للحد من هذا الضياع المهول فى الغذاء العالمي، من قبيل تأكيدها على أنها «تعمل مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة والشركاء، لمعالجة المشكلة على المستوى الكلى «، وأنها « تعمل أيضا بالتعاون مع الحكومات والهيآت الدولية الأخرى من أجل تعزيز الوعي، ووضع سياسات للحد من فقدان الأغذية وهدرها «، إلا أن الهدر الغذائى فى العالم يبقى فى تقدير المختصين والخبراء أكبر من هذه الجهود، التى ترتكز على الأمانى والتطلعات، بيد أن واقع الحال يتطلب فى حقيقته عملية جراحية كبيرة فى جسد النظام الغذائى العالمي، لاستئصال الورم الخبيث، الذى يجثم داخله، ويهدد قلب هذا الجسد بالتوقف عن الخفقان، فى أية لحظة من لحظات الزمن العالمى المختل.
ما يعلن لحد الآن من جهود للقضاء على الهدر الغذائى العالمي، لا يمكن أن يعالج بنية نظام إنتاج وتوزيع الغذاء فى العالم، إذ بالقدر الذى يتنامى فيه الطلب على الغذاء فى العالم، بسبب النمو الكبير للسكان فوق الكرة الأرضية، فإن اختلالات التوزيع تزداد عمقا وتجذرا، كما أن أسعار هذه المواد لم تتوقف عن الزيادات المطردة، مما يضاعف من أرباح القوى الاقتصادية الكبرى المنتجة، ويزيد من حدة الحاجة والجوع فى العديد من مناطق العالم، وأيضا يجذر التفاوت فى معدلات الاستهلاك بين بنى البشر، الذين يعيشون فى نفس الكوكب الذى ينتج هذا الغذاء، حيث تتمكن شعوب الدول العظمى من تحقيق معدلات أعلى من احتياجاتها بشكل مذهل، إلا أن شعوبا أخرى فى مناطق أخرى من العالم تبحث فى المزابل وقمامات الأزبال، عما تسد به رمقها ورمق صغارها.
لذلك، حينما تباشر السلطات الفرنسية باتخاذ تدابير، وإن كانت محدودة تهم التصرف البعدى فى المواد الغذائية، ولا تنفذ إلى إصلاح عمق بنية نظام انتاج وتوزيع الغذاء، إلا أنه مع ذلك يمكن القول إنها تلمست الطريق السالكة، نحو الجهر بهذه القضية، التى يقع الحرص الشديد على أن تستمر مؤامرة الصمت بشأنها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة