محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

إسرائيل.. ووقائع نصر أكتوبر

محمد بركات

الثلاثاء، 08 أكتوبر 2019 - 06:39 م

كانت الصدمة قاسية.. وكان الزلزال عنيفا فى إسرائيل،....، فقد عبر المصريون القناة وحطموا خط بارليف،، واسقطوا اسطورة الجيش الذى لا يقهر.. وأصبح الطريق مفتوحا لنصر أكتوبر العظيم.

فى مثل هذه الايام منذ ستة وأربعين عاما،...، كنا فى اكتوبر ١٩٧٣.. وكانت الدنيا غير الدنيا.. وكان العالم غير العالم.. وكانت نيران الحرب ودماء الشهداء تعيد كتابة التاريخ فى هذه المنطقة، وتسطر بحروف من نور وعلى ضوء وهج المعارك المشتعلة على الضفة الشرقية من القناة، قصة من اروع قصص البطولة لجيش مصر الباسل، الذى هب لتجاوز النكسة وغسل عار الهزيمة وتطهير ارضه من دنس الاحتلال، واسترداد كرامته واعادة سيناء الى حضن الوطن الأم، بعد اغتراب دام لست سنوات طوال على مصر وشعبها.. وكأنها ستون عاما أو أكثر.
المعنى الكبير
ولكل اجيال الشباب من الابناء الذين لم يعاصروا هذه الايام المجيدة، أقول ان حرب اكتوبر ١٩٧٣ لم تكن حربا عادية، بل كانت بمثابة الزلزال الذى هز المنطقة كلها والعالم ايضا، وأحدث متغيرات جسيمة فى المنطقة العربية والشرق الاوسط وما بعدهما، وفرض على الجميع والقوى العظمى بالذات اعادة النظر فى أوضاع المنطقة وسياساتها تجاهها.
وللابناء من الشباب أقول، ان الدلالة العظمى والمعنى الأكبر لنصر أكتوبر، هو قدرة الانسان المصرى على تحدى المستحيل، وكسر قواعد ومسلمات كثيرة كانت تؤكد فى وقتها عجز الشعب المصرى عن الحركة، بعد الهزيمة المباغتة والقاسية التى ألمت به عام ١٩٦٧، والتى جعلت الجميع يتوقعون استسلامه الكامل لقدره ومصيره، وحاجته الى عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن على الأقل، يلعق فيها جراحه ويلملم فيها اشلاءه ويجمع خلالها ذاته، كى يستطيع النهوض مرة أخري.
الإنسان المصرى
ولكن هذا الشعب، وذلك الانسان، فاجأ الكل ونهض من كبوته فى بضع سنين لم تتجاوز الست، ليواجه عدوه ويصارعه وينتصر عليه ويحطم اسطورة الجيش الذى لا يقهر، ويحرر أرضه بعد ملحمة رائعة من القتال، سجل فيها تاريخا مجيدا للعسكرية المصرية وأصاب العالم كله بالذهول بما حققه من انجازات عظيمة فى عدة ساعات لم تتجاوز الست.
من هنا فإن القول بأن الانسان المصري، جنديا وضابطا وقائدا كان هو المفاجأة الحقيقية لحرب اكتوبر، هو القول الصحيح.. وهو عين الصواب.. وكبد الحقيقة، باعتراف وشهادة الكل، الاعداء قبل الاصدقاء.
ولو تابعنا ماجرى وما كان، واستعرضنا وقائع ما حدث وما دار قبل وأثناء وبعد ملحمة العبور والنصر، لوجدنا كل الدلائل تشير الى ذلك وتؤكده،...، وسأذكر بعض هذه الوقائع لتكون امام الشباب صورة صحيحة وصادقة لما جرى وما كان.
انهيار إسرائيلى
ففى اسرائيل قبل الحرب بشهور قلائل، كانت «جولدا مائر» رئيسة الوزراء فى ذلك الوقت تنتظر ومعها «موشى ديان» وزير دفاعها، رنين الهاتف القادم من مصر ليعلن الاستسلام وطلب الصلح، بأى شروط، وبأى ثمن،...، وهذا ما ذكراه عدة مرات فى احاديث وتصريحات صحفية وفى مذكرات كل منهما.
وحتى عندما وردت اليهما معلومات استخباراتية قبل الحرب بأيام قليلة، ثم قبلها بساعات قليلة تشير الى ان المصريين يجهزون للحرب ويستعدون للهجوم، وان هناك تحركات فعلية على طول الجبهة والشاطيء الغربى من القناة، قد تكون مقدمة فعلية لتحرك عسكرى شامل،...، استبعد كلاهما ومعهما رئيس الاركان لجيش اسرائيل، قدرة المصريين على القتال والحرب، واكدوا ان كل تلك الاشياء مقصود بها رسائل للداخل المصرى، وان الرئيس السادات يفعل ذلك كثيرا، وان رسائله تلك موجهة للاستهلاك المحلي، وامتصاص غضب الشباب الغاضب والناقم عليه لعجزه عن الحرب وعدم قدرته على ازالة اثار النكسة واسترداد الارض.
الجانب الأمريكى
كان هذا هو الحال فى اسرائيل صباح يوم الحرب ومساء اليوم السابق عليها،...، ورغم وصول معلومات استخباراتية تؤكد لهم احتمال قيام مصر بالهجوم، وان قرار الحرب قد اتخذ بالفعل، الا انهم لم يصدقوا ذلك.
وعلى الجانب الاخر من العالم حيث الولايات المتحدة الامريكية راعى اسرائيل الأول، وحليفها القوي، لم تكن صورة مصر تختلف كثيرا عن صورتها لدى اسرائيل، فقد كان هناك انطباع قوي واقتناع كامل بعدم قدرة المصريين على الحركة،...، بل كانوا متأكدين ان المصريين قد ماتوا بالفعل، أو انهم فى غيبوبة وعلى شفى الموت، نتيجة هزيمة ١٩٦٧ وفى ظل ظروفهم واحوالهم الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الصعبة والمستعصية.
وقد وضح ذلك بصورة جلية، عندما ذهب وزير خارجية مصر فى ذلك الوقت الدكتور «محمد حسن الزيات» بتكليف من الرئيس السادات، لمقابلة وزير الخارجية الامريكية «هنرى كيسنجر» قبل المعركة بعدة ايام، وابلاغه ان مصر تطلب من الولايات المتحدة الامريكية، حث اسرائيل على الانسحاب من الاراضى المصرية المحتلة فى الخامس من يونيو ١٩٦٧، وذلك لاعادة الاستقرار والسلام للمنطقة.
فإذا بكيسنجر يلقن وزير الخارجية المصرى درسا قاسيا، ويقول له بوقاحة غير دبلوماسية ما معناه، «كيف تطلبون ذلك وانتم مهزومون، وتحولتم الى ما يشبه الجثة غير القادرة على الحركة»،....، ثم اضاف «لا أحد يستطيع أن يساعدكم، طالما انكم غير قادرين على مساعدة انفسكم».
الاتحاد السوفيتى
أما على الجانب الآخر من العالم، حيث الاتحاد السوفيتى الصديق الوحيد لمصر فى ذلك الحين، فقد كانت الصورة لا تختلف كثيرا،...، حيث كان لدى القادة السوفيت الثلاث «بود جورنى» و «وبريجينيف» و «كوسيجن» اقتناع شبه كامل، بأن مصر قد اساءت الى السلاح الروسى، ودمرت سمعته فى مقابل السلاح الغربى بصفة عامة والامريكى بصفة خاصة، وان امامها عشرات السنين حتى تستطيع ان تقوم من جديد.
وكان السوفيت مقتنعين انه لامجال لحرب اخرى فى الشرق الاوسط، ولا قدرة لمصر على الحرب، أو حتى التفكير فى تخطى وعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف،...، وقال وزير الدفاع الروسى عن خط بارليف انه يحتاج الى قنبلة ذرية كى يمكن لمصر ان تزيله وتدمره.
ونسى الجميع دون استثناء، ان قوة الارادة لدى الانسان المصري، وقوة ايمانه بقدرة الله وعونه تفوق قوة القنابل الذرية، وتتفوق عليها اذا ما صلح العمل وصلح السعي، ورافقهما التخطيط الجيد والتدريب الشاق والاصرار على النصر بعون الله بعد الاعداد والاستعداد الكامل.
كانت هذه هى صورة مصر وافكار وتصورات الصديق والعدو عن مصر قبل الحرب بعدة ايام، بل قبلها بساعات قلائل، ولذا فلنا ان نتصور قدر المفاجأة التى اصابتهم جميعا يوم السادس من اكتوبر لحظة العبور العظيم.
فى البداية لم تصدق اسرائيل ما تراه يحدث امامها فى سيناء، وبطول الجبهة الممتدة اكثر من ١٨٠ كيلو مترا، من بورسعيد شمالا وحتى السويس جنوبا،...، فقد كان ما يحدث هولا عظيما يصعب عليهم تصديقه، حيث عشرات الالاف من جنود وضباط مصر يعبرون القناة ويحطمون خط بارليف، ويدمرون المواقع الاسرائيلية الحصينة، على الضفة الشرقية للقناة، ويندفعون كالطوفان المدمر يذيلون كل اثر لإسرائيل وجيشها على خط القناة.
وكانت الصدمة مذهلة للإسرائيليين وهم يشاهدون طائراتهم الذراع الطويلة للجيش تتساقط أمام حائط الصواريخ المصرية وفى مواجهة الطائرات المصرية.
الصدمة والزلزال
كان الزلزال عنيفا، وكانت الصدمة قاسية، وكانت الحقيقة مرة بالنسبة لإسرائيل، فقد عبر المصريون القناة وحطموا خط بارليف واسقطوا اسطورة الجيش الذى لا يقهر،...، والآن لا احد يستطيع ان يوقف المصريين،...، وانهار «موشى ديان» عندما تأكد من حقيقة ما يحدث، وقبل انهيار «ديان» وزير الدفاع، كان الجنرال «جونين» قائد الجبهة الجنوبية لإسرائيل فى سيناء قد انهار بالكامل، ولم يعد قادرا على التحرك وفقد القدرة بالكامل على السيطرة أو التماسك، وهو يرى هزيمة ودمار قواته فى سيناء، بعد ان حاول الدفاع بأرتال الدبابات للقضاء على الهجوم المصرى منذ بداية العبور ولكنه فشل، ثم حاول انقاذ خط بارليف والنقاط الحصينة عليه.. ولكنه فشل ايضا.
وبعد انهيار «جونين» و «ديان» انهارت «جولدا مائير» رئيسة وزراء اسرائيل، وهى تتلقى نتائج القتال فى الساعات الاولى للمعركة، وكانت كلها نتائج سوداء، وكلها نذير شؤم لإسرائيل،...، ثم توالت الانباء السيئة بقية ايام القتال،...، واصبح الطريق مفتوحا للهزيمة الاسرائيلية،...، وللنصر المصرى الكبير.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة