رفعت رشاد
رفعت رشاد


يوميات الأخبار

حبيبتى أخبار اليوم

رفعت رشاد

الأربعاء، 09 أكتوبر 2019 - 06:37 م

 

بعدما سيطر علىّ حب الصحافة لم يعد لى أمل فى الحياة إلا أن انضم إلى عالم هؤلاء السحرة الذين يحملون مشاعل رسالة الحق والدفاع عنه وعن الناس وفى نفس الوقت يعيشون فى عالم لا ينتمى للبشر.

حبيبتى صار عمرها 75 عاما لكنها مازالت فى نظرى نفس الشابة الجميلة التى أحببتها من أول نظرة. ربما يحب الإنسان امرأة ويتمنى القرب منها وبعد فترة قد يشعر بالملل، لكن مشاعرى ناحية حبيبتى لم تتغير أبدا، بل تزيد كل يوم حتى صارت تشكل المساحة الأكبر من وجدانى. حبيبتى ليست جريدة اسمها أخبار اليوم، إنما هى عالمى الذى أطللت من خلاله على الدنيا. عرفتها منذ 45 عاما. صبى يعيش فى قرية نائية تحت جبل محافظة سوهاج. بعد العصر تنقطع صلاتها بالعالم المحيط. لكن يظهر خيط ضوء من خلال عم وليم صديق العائلة الذى يصادف أن يذهب كل يوم سبت إلى مركز ساقلتة ليشترى أدوات النجارة الخاصة به. كان عم وليم كريما ففى مساء الجمعة يمر على العائلة ويسأل إن كنا نحتاج شيئا من المركز. كان طلبى المتكرر لعم وليم: «الجورنان» وفى عصر السبت يعود الرجل ومعه جريدة أخبار اليوم، ربما لا تكون على حالها كما اشتراها من البائع، فالرجل قرأ فى صفحاتها، لكنها كانت بالنسبة لى كنز الأسبوع الذى أعيش عليه. لم يكن فى بلدنا بائعو صحف فالمواصلات لا تساعد على وجودهم وبديهى أننا لم نكن نعرف الكهرباء أو مياه الشرب النقية ولا يوجد طبيب، ولا توجد أشياء أخرى، لكن بالنسبة لى كانت هناك أخبار اليوم التى صارت جسر المعرفة بينى وبين العالم كله.
مصطفى أمين
كان الرائع مصطفى أمين فى بدايات فترة خروجه من السجن وكان يكتب قصة «لا» وكانت «لا» أول ما أقرأه من صفحات حبيبتى وكنت أعجب من الرجل الذى يكتب بهذا الأسلوب وأتساءل: كيف له أن يرص الحروف والكلمات لتصبح سحرا يتملكنى ولا أستطيع منه فكاكا؟. كيف له أن يجعلنى ـ فى هذا العمر، 13 عاما ـ أفهم وأستمتع بما يسطره فى حلقات كل منها صفحة كاملة. سيطر عليّ سحر مصطفى أمين والمؤكد أنه سحر الملايين مثلى فصاروا من دراويش الصحافة ومن أتباع مدرسته التى أطلقها فى نوفمبر عام 1944 والتى جاءت فتحا صحفيا مصريا جديدا كسر قوالب الصحافة القديمة وحطم حدود التوزيع المعروفة. كان مصطفى أمين أول من أمسك بمفتاح بلاط صاحبة الجلالة ودفع بى دفعا إلى داخل هذا العالم. كنت أعتقد أن الصحافة عالم من الخيال وأن الصحفيين ليسوا من البشر لأنهم يفعلون ما يسحر البشر. ربما يكون هذا خيال صبى صغير لم ير من الحياة سوى شذراتها البسيطة فى عالم يحده الجبل الشرقى ولا تصله مواصلات إلا نادرا، لكن حبى لأخبار اليوم جعلنى أحس بهذا الشعور.
بعدما سيطر عليّ حب الصحافة لم يعد لى أمل فى الحياة إلا أن أنضم إلى عالم هؤلاء السحرة الذين يحملون مشاعل رسالة الحق والدفاع عنه وعن الناس وفى نفس الوقت يعيشون فى عالم لا ينتمى للبشر فهم يكتبون ويخشاهم أصحاب السلطة، ويسافرون ويتمتعون ويشتهرون ولهم مكانة فى المجتمع فى مصاف المكانات وأعلاها فكيف لا أحلم بهذا العالم. منذ ذلك الوقت صرت درويشا من دراويش الصحافة، لم أتبع هواها بسبب معرفة سابقة ولم يكن لى من أهلى أو معارفى من ينتمى إليها وإنما كانت مسا أصابنى ولم أبرأ منه حتى الآن.
عالم أخبار اليوم
كانت أخبار اليوم الجريدة بوابة دخولى إلى عالم الصحافة وخلال سنوات دراستى التحقت للعمل بجريدة الأخبار التى كان إيقاع العمل اليومى بها أسرع بالنسبة لشاب يرغب فى اختصار فترة انضمامه لهذا العالم، كما أن الأخبار شقيقة أخبار اليوم والأب واحد والمبنى واحد والمدرسة الصحفية هى نفس المدرسة التى عشقناها جميعا. وكنت أنظر خلال تعرفى على تفاصيل الحياة فى أخبار اليوم المؤسسة بتقدير كبير لمجلة آخر ساعة التى كانت تتميز بأنها أكثر الصحف التى حظيت بأكبر عدد من كبار الصحفيين الذين تولوا رئاسة تحريرها بدءا من طليعى الصحافة المصرية محمد التابعى وبعده عقد من لآلئ صحفيى مصر الذين نفخر بهم. ومن المصادفة أننا فى عام 2009 احتفلنا بمرور 75 عاما على تأسيس مجلة آخر ساعة وكنت وقتها رئيس التحرير وصدرت المجلة فى عدد غير تقليدى. ربما لا تكون 75 عاما فترة طويلة فى عمر الزمن لكنها فى زمن القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين تعتبر مسافة زمنية هائلة عاصرت خلالها الصحف أحداثا لا حصر لها وسجلت تاريخا لا يدانيه ما تم تسجيله على مدى قرون سابقة. سجلت الصحف وصورت الحروب والإنجازات العلمية والأحداث الفنية ورصدت التطورات المجتمعية وكانت صوتا للبسطاء ونافذة يطل منها الناس على عوالم الآخرين وتضفر ما بين طبقات المجتمع حتى صرنا نعرف بعضنا من خلال الصحف ونتعرف على الحكام وما يقولون ونناقش قضايانا على أوراق الصحف التى كانت باهتة ينتقل حبرها إلى أيدينا، لكنها كانت لنا أداة المعرفة التى تشبع فضولنا.
أجيال أخبار اليوم
كنا فى أخبار اليوم ـ المؤسسة ـ كالأبناء والأشقاء الذين يعيشون فى بيت العائلة الكبير الذى يتزاوج فيه الأبناء فيعيش الأحفاد معا، وكان من ينتمى لأخبار اليوم كمن يحمل جيناتها وليس جنسيتها فحسب، فكل منا كان يرفع رأسه ويفخر بأنه من أبناء المدرسة الصحفية العريقة. فى بيتنا تعلمنا وعرفنا أساتذة كبارا. من المفارقات أننى قابلت الرجل الذى تسبب لى فى كل هذا، مصطفى أمين وعملت فترة تحت إشرافه فى أبواب المساعدات الإنسانية كليلة القدر وأسبوع الشفاء. عرفت موسى صبرى وكنت قبل أن أعرفه لا أحب كتاباته فقد كان يؤيد السادات بكل الصور، لكن تغير رأيى فيه شخصيا بعدما عرفته وكنت أقابله فى مجلس الشورى الذى كان عضوا به وأشهد أنه كان رجلا وصحفيا محترما أذكر له الكثير من المواقف الطيبة. تعاملت وتعلمت من أساتذة لى فى قسم التحقيقات الصحفية منهم عفاف يحيى، جمال الشرقاوى، سيد الجبرتى، محمود عبد العزيز حنفى وهناك زاملت من سبقونى وشرفت بهم مثل محمد عرفة وبدر الدين أدهم وهناء جوهر ود.سمية سعد الدين وجيهان شعيب وميرفت شعيب وأنور محمود وبعد انتقالى إلى القسم السياسى تعلمت الكثير مهنيا من أستاذى جلال السيد وزملائى الأسبق منى شريف رياض وعيسى مرشد ومجدى نجيب وخيرى نور الدين وزايد على سعد وسامى كامل. اقتربت من أساتذة أحبهم منهم الأستاذ جميل جورج والراحلان فايز بقطر وفؤاد فواز وشرفت بزمالة الكثير من أبناء مؤسستنا أخشى أن أنسى اسما منهم.
رحلتى مع أخبار اليوم، رحلة صبى متيم تحول إلى شاب عاشق، إلى شيخ رسخت بداخله مشاعر وعشرة حب لمحبوبته حتى صارا واحدا لا ينفصلان.
محمد رجب
يبدو اسم محمد رجب مألوفا، فهو اسم مصرى دارج كثيرا مثله مثل محمد أحمد أو محمد إبراهيم أو محمد حسين. ملايين من المصريين يحملون نفس الاسم، لكن عندما نذكر محمد رجب خاصة فى مجال العمل السياسى لا يخطر على بال أى منا إلا محمد رجب واحد فقط، هو محمد رجب زعيم الأغلبية فى مجلس الشورى صاحب التاريخ السياسى المشرف والنظيف الذى عندما يذكر اسمه ينال من السامعين تقديرا واحتراما. عرفت محمد رجب منذ 34 عاما عندما بدأت متابعة أخبار العمل الحزبى. كان يشغل وقتها منصب الأمين المساعد للحزب الوطنى بالقاهرة وعضو مجلس الشورى. كان يمكن لمحمد رجب أن يحصل على مناصب أعلى لو أنه تعامل مع السياسة على أنها لعبة قذرة أو على طريقة الغاية تبرر الوسيلة أو «اللى تغلب به العب به» لكن من حسن الحظ أنه لم يكن من هذا النوع من السياسيين وكان قادما من مدرسة الاتحاد الاشتراكى صاحبة المبادئ واستكمل مسيرته السياسية مارا بما حدث فى 25 يناير 2011 بدون أن يمس له طرف. عرفت فى محمد رجب بجانب قدراته السياسية المتميزة، حبه لخدمة المواطنين. فى مكتبه كان هناك موظفون لا دور لهم إلا إعداد طلبات المواطنين ليحملها زعيم الأغلبية بنفسه بدون مراسيل للمسئولين لكى يحصل على موافقتهم. وأنا شخصيا أشهد أن ما من طلب قدمته إليه لخدمة مواطن إلا ورده لى بالإجابة الإيجابية طالما أن الطلب وافق صحيح القانون.
المفارقة أن محمد رجب عانى منذ سنوات قليلة معاناة شديدة بسبب عدم قدرته على إلحاق حفيده بإحدى المدارس!! طلبت من محمد رجب وهو أستاذ لى فى العمل السياسى أن يكتب مذكراته فهو عاصر عمالقة السياسة فى مصر واقترب من السادات وعرفه مبارك وكان صديقا للدكتور فؤاد محيى الدين رئيس الوزراء الراحل ومقربا من ممدوح سالم وعرف عن قرب المشير أبو غزالة وتعامل كثيرا مع وزير الداخلية زكى بدر وكان له تقدير خاص مع كل هؤلاء فهو شخصية وقورة متزنة يعلم من يتعامل معه أنه مخلص وفاهم سياسة. كان له آراء موضوعية لم تكن تعجب بعض كبار قادة الحزب لكن ثقة أصحاب القرار حمت محمد رجب من العسف به وأنقذته من كثير من المؤامرات ضده. اجتهد محمد رجب فى حياته كثيرا وكان دائما يطمح لما هو أكبر، فقد حرص على أن تدعم الثقافة السياسية خبرته المتراكمة وهى من أهم ملامح شخصيته وقد ترجم حرصه هذا بأن حصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية ويعلم كل من يعرفه أنه فى كل الظروف لم ينفصل عن الشارع السياسى وهو إما فى واجب عزاء أو فى إحدى المناسبات السعيدة أو جالس بأحد مقاهى دائرته فى وسط القاهرة بين مريديه. ينتمى محمد رجب لحى الجمالية العريق لكن علاقاته تمتد إلى الدرب الأحمر والظاهر والأزبكية وعابدين وباب الشعرية وينتشر محبوه فى هذه المناطق وفى كل مصر. استطاع محمد رجب أن يحجز لنفسه صفحة ناصعة فى تاريخ الحياة الحزبية والبرلمانية فى مصر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة