إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

الجلوس مع ابراهيم فتحى

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 12 أكتوبر 2019 - 08:02 م

كنت فى مدينة مسقط فى عمان. فى عمان تتسع الدنيا بالراحة والنظام والنظافة والهدوء. لا تسمع صوت سارينة لسيارة ولا تسمع حديثا بين اثنين فى مقهى رغم أنهم يتكلمون وسوف أتحدث باستفاضة عن زيارتى ومن قابلت من بشر وكتاب يجسدون الطيبة والجمال فى مقال آخر. لكنى ليلة الجمعة فارقنى النوم بلا سبب. شعرت بقلق لا أعرف مصدره. لم أجد رغبة لأتابع فيلما على شاشة التليفزيون فى الفندق أو الأخبار. حاولت أن أنام أكثر من مرة ولم أستطع رغم أنى كنت أمضيت اليوم السابق كله يقظا أتحرك من مكان إلى مكان ولم أحظ بنوم يدفعنى للسهر. قبل الفجر بقليل وهويسبق الفجر هنا بساعتين وجدت على تويتر الصديقة العزيزة سوسن بشير الإعلامية والمثقفة الرائعة تنعى الناقد الكبير إبراهيم فتحى. هنا أغمضت عينى غير مصدق. كنت أعرف أن إبراهيم فتحى مريض فى لندن حيث يعيش مع زوجته الدكتورة هناء سليمان أستاذة الطب النفسى وكنت أعرف أنه تردد على مصر منذ أسابيع وعاد إلى لندن. لم أعرف بوجوده إلا قبل سفره بيوم واحد لذلك لم أستطع أن أقوم بزيارته. الزيارة التى كنت قررتها حين أتى المرة السابقة وكنت مريضا فاكتفيت معه بالحديث بالتليفون وهو يسألنى عن روايتى الجديدة.شملنى الحزن العظيم. أعرف أن الموت قدرنا جميعا وإبراهيم فتحى اقترب من التسعين من عمره لكن الحزن ملأ فراغ الحجرة حولى لأن الماضى كله قام وتجلى متجسدا أمامى. أكثر من أربعين سنة منذ وفدت على القاهرة عام 1974 وقبلها فى زياراتى السريعة. كان إبراهيم فتحى القامة التى نلتف حولها فى المقاهى. لم يكن يعجبنا شيئ لا فى الحياة الثقافية ولا السياسية وكان إبراهيم فتحى المناضل الماركسى الذى عرفته السجون أيام عبد الناصر وبعدها دائم الابتسام. يسمعنا ثم يقول لنا المفيد المختصر فى السياسة والأدب. لم يكن ماركسيا دوجماطيقيا متجمدا فى نظرته للأدب فكان راعى التجديد فى الشكل ويحب الغرائب ويجد لها معادلا موضوعيا فى التفسير ويعشق الأفق الفلسفى. لن أتحدث عن أفكاره فى كتبه هنا فالمقال صغير لكن عن جلوسنا حوله ، فى ريش حتى أغلقت فى أول الثمانينات لوقت طويل ثم كيف انتقلنا إلى مقهى فى شارع عماد الدين هومقهى فينيكس وكنا نتحلق حوله كل يوم أحد. ثم تركنا مقهى فينيكس إلى مقهى البستان. يتقدم بنا العمر ونصبح أدباء معروفين ويحقق الكثير منا شهرة وتقدما فى مصر والعالم العربى ويبدو إبراهيم فتحى زاهدا فى كل شهرة ويبدو دائما هو الاستاذ الذى نسمعه مطمئنين إلى أن فى الدنيا أملا. وهكذا رحت أراه فى سن أصغر يتقدم به العمر لكن يظل وجهه مشرقا كأنما لايمر عليه ألم هو الذى كان غيرمتوافق مع الحياة السياسية ونكبر نحن حوله ولايبدو لا هو ولا نحن أننا كبرنا بل نبدو دائما تلاميذ محبين لأستاذهم الماركسى المتفتح على العالم حوله. لم تكن صورنا ونحن حوله يتقدم بنا العمر هى ما آلمنى لكن صورنا ونحن حوله سعداء رغم ما كان الكثيرون منا يمرون به من صعاب فى الحياة. صورنا التى كانت تمتلى بالتفاؤل والأمل. كان أقصى ما يفعله هو الابتسامة الواسعة ساخرا من بعض الذين نختلف مع أفكارهم أوسلوكهم كانه يقول لافائدة فيما يفعلون أو يقولون ولن ينجحوا. هذه الصور الحلوة كيف حقا غابت عنى ؟ لأكثر من عشر سنوات غاب ابراهيم فتحى عنا فى لندن مع زوجته لكن لم يغب قلمه وكنت حين أقابله صدفة فى مكان ما بوسط البلد يعود الماضى فيتجسد حولى بالفرح. أتذكر شبابى الأول فى الإسكندرية وكيف كان من أحلى آمالى أن أقابله فما بالك ولقد صرت أجلس معه وغيرى من الكتاب كل أسبوع. قام هذا الماضى كله حولى فشملنى حزن كبير رغم أنى على يقين بان مصيرنا هو فى النهاية إلى الله. كيف كنا حقا نمتلك معه كل هذا الأمل فى غد أفضل لنا ووطن أفضل للجميع ؟!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة