رئيس المركز القومي للبحوث خلال الحوار
رئيس المركز القومي للبحوث خلال الحوار


حوار| رئيس «القومي للبحوث»: الغرب لا يوقع اتفاقاً معنا إلا بوجود مصلحة متبادلة

حازم بدر

الأحد، 13 أكتوبر 2019 - 12:45 ص

 

- انتظروا «الحاضنات التكنولوجية» .. ولدينا ٢٢٠ بحثًا قابلاً للتطبيق الصناعى

- حققنا نتائج إيجابية فى تصنيع فلاتر التحلية المسطحة

- الباحث ليس موظفا.. والخصومات خاصة بالحوافز وليست بالرواتب


رغم مرور عشرة أشهر على تولى د.محمد هاشم مسئولية المركز القومى للبحوث، أكبر مؤسسة بحثية بمصر، لا يزال الرجل كما هو هادئا متواضعا قليل الكلام، عازفا عن الإعلام.
تصورت أن الشهور العشرة والانتقال إلى مكتب الرئيس فى الطابق الأول من المبنى الرئيسى بالمركز، سيغير ولو قليلا من شخصية الرجل الذى التقيته مع صدور قرار بتوليه المنصب، وكان وقتها لا يزال بمكتبه القديم، لكنى وجدته كما هو لم يغيره المكتب ولا المنصب.
كان اللقاء فى الثالثة عصرا، فى نهاية يوم عمل، تخيلت أن ذلك سيمنحنى وقتا أطول للدخول فى مباراة حوارية مفتوحة مع د.هاشم، أتمكن خلالها من مراوغته، ومن ثم استجلاء موقف واضح من هذه الشخصية قليلة الكلام تجاه قضايا الساعة، والحصول على أحدث أخبار المشروعات البحثية، لكن مديرة مكتبه أطلقت صافرة النهاية بعد نصف ساعة، معلنة انتهاء الوقت لارتباطه باجتماعات عمل لن تنتهى قبل الثامنة مساء.
ومثل الفريق المتأخر بهدف، الذى لا يتمنى ان يطلق الحكم صافرته حتى يتعادل، كنت أتمنى أن يمتد الحوار لفترة أطول، ولكنى فى النهاية حصلت خلال النصف ساعة على تقييمه للمناخ الحالى للبحث العلمى ورؤيته لكيفية تحقيق آمال وطموحات الباحثين، وإلى نص الحوار.


> سأبدأ من النشاط الأحدث وهو المؤتمر الدولى الذى نظمة المركز مؤخرا بالتعاون مع جامعة جرينوبل بفرنسا، فهل التعاون مع هذه الجامعة العريقة إحدى ثمار العشرة أشهر التى مضت على تعيينكم بالمنصب؟
- تظهر مشاعر الحماس واضحة على وجهه قبل أن يقول: التعاون الدولى هو الدماء الجديدة التى نضخها فى شريان المؤسسة، فالعلم لا يعرف الانعزالية، ويجب الانفتاح على الآخر، ولذلك فإننا لدينا فى المركز لجنة للتعاون الدولى، ونائب لرئيس المركز مهتم بهذا الملف، وهذه اللجنة مقسمة لقطاعات أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا، وتطلعنا على الجديد فى العالم وأبرز الجامعات التى يمكن أن تفيد باحثينا، ومن ثم نسعى للتعاون العلمى معها، ومن الجامعات التى بدأنا نتعاون معها جامعة جرينوبل.
> وما أبرز مجالات التعاون معهم؟
- نتعاون معهم فى مجالات الصناعات الكيماوية والتنمية المستدامة، ووفق بنود التعاون معهم سيعقد مؤتمر دولى بالتناوب، حيث سيعقد مرة فى القاهرة بحضور علماء جرينوبل، ومرة فى فرنسا بحضور علماء المركز القومى للبحوث.
مصلحة متبادلة
> قد يكون لدى علماء جرينوبل ما يقدموة لنا، فماذا نملك كى نقدمه لهم؟
- تتغير ملامح د.هاشم الهادئة لتصبح أكثر صرامة، وهو يقول بنبرة صوت مرتفعة: الغرب لن يوقع اتفاقا معنا، إلا إذا كانت هناك مصلحة متبادلة، ولدينا ما نقدمه لهم، فنحن نملك 220 منتجا بحثياً قابلاً للتطبيق الصناعى.
> ما أبرز المنتجات التى قد تثير اهتمام علماء جرينوبل؟
- لدينا منتجات مهمة فى مجال الطاقة الشمسية وتحلية المياه، وقريبا سيكون لدينا اهتمام أكبر بقضية التغيرات المناخية من خلال مركز بحثى سيتم افتتاحه خلال عام بالتعاون مع الصين، وهو أمر سيغرى كثيراً من الجامعات للتعاون معنا.
> وماذا ستكون مجالات اهتمام هذا المركز؟
- انعكاسات التغيرات المناخية على المياه والزراعة تتطلب أن نكون جاهزين بحلول من أهمها وجود سلالات من البذور تتحمل الجفاف ومقاومة للحرارة، وهذه أحد أبرز اهتمامات هذا المركز.
المركز والإعلام
> رغم هذا النشاط، إلا أنه أثناء الإعداد للحوار وجدت «ندرة» فى الأخبار الصادرة عن المركز، فهل ذلك له علاقة بشخصية رئيس المركز غير المحبة للإعلام؟
- تكسو وجهه الابتسامة قبل أن يقول: بالعكس أنا أقدر دور الإعلام فدوركم مهم فى الإعلان عن مخرجات البحث العلمى من منتجات وأبحاث، ولكنى دائما لا أحب أن استبق الحديث عن منتج أو نتائج بحثية مهمة، ما لم تصبح أمراً واقعاً، وذلك حتى تكون هناك مصداقية لما يخرج عن المركز من أخبار.
> أتفهم وجهة نظرك، ولكن نوعية الأخبار التى تنشر ليست لها علاقة بمخرجات بحثية تخدم استراتيجية الدولة 2030؟
- لا أتفق معك فكثير من موضوعات المؤتمر الذى عقد مؤخرا بالتعاون مع جامعة جرينوبل تخدم أهداف استراتيجية الدولة.
> وما الإنجاز الأبرز الذى حققته خلال العشرة شهور ويخدم استراتيجية الدولة؟
- نعمل حاليا على انشاء الحاضنات التكنولوجية، وهى إحدى ثمار قانون حوافز الابتكار الذى صدر مؤخرا، حيث ستعمل هذه الحاضنات على إعداد دراسات الجدوى الخاصة بالمنتجات، وستعمل على إنشاء شركات خاصة بالمنتجات التى تخرج عنها، وسيكون هناك حوالى 15 حاضنة تكنولوجية.
> أتصور أن هذه الشركات ستزيد من دخل الباحث؟
- يومئ بالموافقة قبل أن يقول: بالطبع، فهذه الشركات سيذهب جزء من أرباحها للمركز القومى للبحوث، وسيذهب الجزء الآخر للباحث ويعمل على زيادة دخله.
دخل الباحث
> فى إطار الحديث عن الماديات، كان من التصريحات النادرة لك أن «الفلوس مش كل حاجة» ؟
- يبتسم قائلا: نحن نسعى لتوفير مكان مناسب للباحث يعمل فيه ونوفر له الأجهزة والكيماويات اللازمة للعمل، أما فيما يتعلق بالرواتب فنحن لدينا سياسة جديدة لمكافأة الباحث، اعتمادا على ما ينشره من أبحاث.
> ولكن النشر يحتاج إلى أموال يرسلها الباحث للدورية؟
- نحن نعيد له تلك الأموال التى ينفقها ولكن بعد نشر البحث، لأن البحث لو كان ضعيفا، فقد ترفض المجلة نشره، فهل سنعطيه أموالا على بحث لم ينشر، ونحن بذلك نرفع من شأن البحث العلمى بتحفيز الباحث على إنجاز أبحاث جيدة تنشر فى دوريات محترمة.
> أحد الخبراء قال لى فى حوار سابق: إننا لسنا فى حاجة لزيادة الموارد، ولكننا نحتاج لإعادة توزيعها بشكل عادل، بحيث نفرق بين من يعمل ومن لا يعمل؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: الرواتب لا أستطيع أن أخصم منها، ولكن أستطيع تمييز المجتهد فى الحوافز.
جهات التمويل
> قد يقول لك البعض وأين الإمكانيات التى تحفزنى على العمل، حيث لا يوجد موارد للإنفاق على الأبحاث؟
- ترتفع نبرة صوته قليلا: إدارة المركز تمول مشروعات بحثية، حيث يتقدم باحثون بمشروعات ويتم اختيار أفضلها، ليمنح تمويل لها، ويستطيع الباحث إنجاز أبحاث من خلال هذا المشروع، ويكافأ على هذه الأبحاث أيضا، وقريبا ستدخل منتجات الأبحاث حاضنة تكنولوجية ويتم انشاء شركات لإنتاجها تجاريا، إذن من يعمل سيزيد دخله.
> ولكن هل المركز لديه ميزانية لدعم كل المشروعات البحثية؟
- كما قلت لك إن الباحثين يتقدمون ويتم اختيار أفضل المشروعات، لكن المركز ليس الجهة الوحيدة للتمويل، فمن يريد أن يعمل وينجز يمكن أن يسعى للحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبى أو من صندوق العلوم والتكنولوجيا، فالفرص أصبحت متاحة فى هذا الوقت أكثر من أى وقت مضى.
> وماذا لو لم ينجح الباحث فى الحصول على تمويل لمشروعاته البحثية.. هل يحصل على راتبه سواء جاء إلى المركز أو لم يأت؟
- يرد على الفور: لا أستطيع أن أخصم من المرتب، ولكن يمكننى الخصم من الحوافز، ويتم ذلك بناء على توصية من رئيس القسم.
الخصم من الراتب
> ولماذا لا تخصم من المرتب، هل يستوى من يعمل ومن لا يعمل؟
- كما قلت لك من يعمل يتم مكافأته، ولكن الراتب لا نخصم منه.
> لهذا السبب فى أحيان كثيرة أمر على معامل فى المركز لا أجد فيها سوى باحث واحد ان وجدت، ويعمل الباقى فى أعمال خاصة؟ 
- ترتفع نبرة صوته قليلا وهو يقول: هذا ليس معياراً، فالباحث ليس موظفا، وقد يكون لديه أعمال خارج المركز ترتبط بأبحاثه.
> ولكنى أعلم ولدى حالات أنا أعرفها يعملون بالخارج؟
- طالما أن لديه أبحاثاً يعمل عليها وينشر أبحاثاً فى الدوريات العالمية فهذا هو ما يهمنى.
> وإذا كان لا ينجز؟
- سأعود وأقول لك يحصل على راتبه، ولكنه لن يحصل على الحوافز والمكافآت.
> ما فهمته من حضرتك أنه لا يمكن معاملة الباحث بآليات الموظف العادية من حضور وانصراف، فلماذا يريد الباحث إذن أن يعامل بآلية الموظف فى أن تكون هناك زيادة بالرواتب تشمل الجميع؟
- أتفق معك فى أن العقلية يجب أن تتغير وأن تكون الزيادة فى الراتب مرتبطة بالإنجاز.
> سيقولون لك وماذا قدمت لنا من إمكانيات حتى نعمل؟
- كما قلت لك سابقا نحن نعلن عن تمويل للمشروعات البحثية ومن حقه أن يتقدم للحصول على التمويل، كما تعلن بعض الجهات الأخرى مثل أكاديمية البحث العلمى وصندوق العلوم والتكنولوجيا والاتحاد الأوروبى وغيرها الكثير، فمن يريد أن يعمل سيجد الكثير من الحلول، ولدينا فى المركز الآن 225 مشروعاً بحثياً، أصحابها لديهم الرغبة فى العمل، ومن لا يعمل لا يلوم إلا نفسه، وليس معنى أن ترفض إحدى الجهات تمويل بحثك، هو أن تركن لذلك، بل يجب المحاولة مع أكثر من جهة.
مسئولية النهوض 
> كلامك هذا يعيدنى للمحاولة الهندية الفاشلة فى إنزال مركبة فضائية على القمر، فأثناء قراءتى لتقرير عن هذه المحاولة اكتشفت أن المحاولات الأمريكية والروسية الناجحة سبقها أكثر من محاولة فاشلة؟.. فمتى تكون لدينا ثقافة المحاولة والخطأ حتى نصل إلى الهدف؟
- ترتفع نبرة صوته أكثر من المعتاد ليقول: من يريد الإنجاز سيظل يحاول حتى ينجح، فالفشل كما يقولون أول طريق النجاح، ونحن لن نتقدم إلا إذا تغيرت الثقافة ليتحول الموظف من ابن الحكومة المدلل إلى رجلها الذى يتحمل مسئولية النهوض بها.
> ولكن الباحث ليس موظفا كما قلت لى سابقا.. فهل الباحث هو من وضع نفسه فى هذا الإطار؟
- ما قصدته سابقا أنه لا يعامل بآليات الحضور والإنصراف، لكنه فى النهاية موظف متميز بالحكومة، لديه من الآليات غير المتاحة لغيره لزيادة دخله، فالموظف العادى قد يعمل فى أعمال ليست لها علاقة بمهنته لزيادة دخله، ولكن الباحث الذى ينجح فى الحصول على تمويل لمشروعات بحثية من جهة مثل الاتحاد الأوروبى قد يحصل على راتب شهرى يصل إلى 30 ألف جنيه، بخلاف راتبه من المركز القومى للبحوث.
وقود الطائرات
> سأنتقل معك إلى مشروعات المركز البحثية، حيث كان لديكم مشروع مهم لإنتاج وقود حيوى للطائرات؟
- تعود الابتسامة لتملأ وجه د.هاشم، قبل أن يقول: وصلنا لسر تصنيع وقود حيوى للطائرات، وقريبا نوقع اتفاقية مع احدى الشركات الخاصة لإنتاجه.
> ما عرفته منذ فترة أنكم وصلتم لكيفية تصنيع وقود حيوى للسيارات، ولكن واجهتكم صعوبات فيما يتعلق بإنتاج وقود الطائرات؟ 
- الحمد لله نجحنا فى ذلك، لأن هناك فريقاً بحثياً لديه الرغبة فى الإنجاز، وهذه هى أحد المشروعات الممولة من الاتحاد الأوروبى.
> ماذا عن مجال تحلية مياه البحر، فما أعلمه أن هناك مشروعاً بحثياً ضخماً يعمل عليه فريق من المركز؟
- حققنا نتائج إيجابية فى امتلاك سر تصنيع فلاتر التحلية المسطحة، وأنتجنا ماكينة متنقلة لتحلية المياه، يمكنها تحلية 150 لتراً فى المياه.
> وأخيرا: ما رؤيتك لمستقبل المركز القومى للبحوث؟
- أتطلع لأن يكون المركز قاطرة لقيادة البحث العلمى فى مصر، وذلك من خلال الحاضنات التكنولوجية التى سيتم إنشاؤها والشركات التى ستخرج من هذه الحاضنات لإنتاج منتجات فى المجالات التى تخدم استراتيجية الدولة 2030، بما يؤدى لزيادة موارد البحث العلمى، والاستمرار فى تطوير البنية التحتية ليكون المركز مكاناً ملائما للعمل البحثى.


 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة