الجوكر
الجوكر


الجوكر ونظرة على المجتمع الأمريكي بلا رتوش

منال بركات

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019 - 07:41 م

 


"الجوكر" فيلم يرضي العديد من الأذواق الفنية في آن واحد، نجح صانعه في إرسال إشارات عديدة للمتلقي عما يدور حولنا فى العالم من قسوة العيش وصعوبة الحياة التي نسجت بيد رجال المال والأعمال والسياسين.

 
يخدعك الفيلم من الوهلة الأولى بمشهد المهرج الذي يحمل لوحة للإعلان عن منتج ما، فتتوهم الإبتسامة من الأحداث المتتالية، ليصدمك الواقع الذي تراه بمجموعة من الصبية تخطف اللأفته"أكل عيش" المهرج وتجري وسط الطرقات ،وهويصرخ مستنجدا بمن حوله ليوقفوا الصبية ولكن هيهات كل مشغول بحاله، ويستدرج الصبية المهرج إلى أحد الأزقة، وينهالوا بالضرب عليه، بحجة "أن هذا الرجل ضعيف لا يمكنه عمل شىء". تلك هى الإشارة الأولى و"أفان تتر" أو ماقبل بداية تتر العمل الفني.

 

يختم المخرج اللقطة بانبطاح الإنسان مع آلآمه وحيدا على الأرض وبجواره اللافته مهشمه. التى هي في الأساس مصدر رزقه.


 ذكاء كاتب السيناريو هنا أنه لم يحدد زمن بعينه للمدينة،إنما تركه للمشاهد، لم يتعرض للمرحلة الراهنة بل اشار إلى فترة مجهلة، وإن كان هناك من يري إنها الثمانينيات من القرن الماضي في إشارة لإسم السياسي "توماس وين" الذي يخوض الانتخابات. في تلك المرحلة.


صناع الفيلم ادركوا منذ البداية التخبط الذي يعيشه البسطاء فكان رهانهم عليه، فأشاروا إلى الخيط الرفيع بين المرض الذي يتمكن من الإنسان بسبب كثرة الإحباط وبين الجنوح للجريمة، فبطلنا "خواكين فينيكس" يظهر في المشهد التالى يجلس أمام طبيبة نفسية، متسائلا: هل أنا فقط، أم أن الوضع أكثر جنونا بالخارج. وتوضح له الطبيبة سر الأزمة التى يعاني منها هو والأخرين بجمل سريعة لا تشفي مريض، الأمر حاد بالتأكيد، هم يعانون ومنزعجون ويبحثون عن عمل إنها أوقات عصيبة.


وعلى الجانب الآخر من حياة "أرثر فليك"أو خواكين الإنسانية نجده يعيش في بيت كئيب، يعتني بأمه العجوز المريضة التى تتنظر خطابا من رجل خدمته ثلاثين عاما، ذلك السياسي البارز "توماس وين"، كما تقول الأم في سياق الأحداث إنه مدين لنا بالرد علينا ومساعدتنا، ونكتشف مع الأحداث أن أرثر ولده الذي يتبرأ منه. 
"أرثر" هو أبن لكثير من السيدات، الكادحات من أجل الحياة وعلى الطرف الآخر من المدينة، نجد ابن "توماس وين" الصغير الذي يعيش محاطا بأسوار عالية وحراس يدفعون عنه الشرور.  


تلك الخيوط هى ما نسجت الحياة الصعبة أمام "جوكر" 2019، صعوبة العثور على العمل والحياة الكريمة والمفارقة هنا أن مهنته الضحك وإضحاك من حوله فهو يعجز عن إسعاد نفسه ويصنع الماسك الذي يرسمه كل ليلة دونما أن يتأثر به في الواقع، وهو ما عبر عنه بعبارة صغيرة لم أسعد في حياتي، بعدما طحنت المدينةالبشر وانعزال الناس بعضهم عن البعض تحت الضغط اليومي للحاجة.  ونفاق السياسيين ورجال المال.

 

عكس السيناريو على مدار 40 دقيقة  الأولى معاناة الجوكر ومن حوله من البسطاء في جو ملئ بالكآبة والشجن، مستخدما إضاءة قاتمة لتضفي على الأحداث مصداقية ومعايشة.  وتقع الجريمة الأولى من الجوكر داخل مترو الأنفاق، لثلاثة مستثمرين للول ستريت، مثقفين وصالحين كما نعتهم رجل السياسة "توماس وين" مضيفا هذا الشعور المعادي للأغنياء في المدينة.


وأمام أكاذيب السياسي ورجل الإعلام تتفجر طاقة الجنوح داخل الجوكر لتتحول إلى طاقة مدمرة تكبر يوما بعد يوم، ويزيد الأمر سوءعندما تبلغه الطبيبة المعالجة أن المركز الذي يتلقى فيه العلاج النفسي سيغلق بعدما توقف رجال الآعمال عن دعمه. وهو الذي يتجرع سبع أنواع من الأدوية المهدئة ليتحمل قسوة المدينة.

وفي تصاعد درامي حاد تتطور شخصية الجوكر ليصبح قاتلا مضحا مبكيا، يغتال مذيع البرانامج الكوميدي على الهواء ويقتل جارته التى تبادل معها الغرام، ويشعل حربا سكنة داخل البسطاء لاستمرار الحياة.

الفكرة التى قدمها الفيلم ليست بالجديدة إن كان التناول والعرض جاء ليجعل المشاهد متعاطف مع الجاني وليس المجني عليه، فعندما يتعرف البوليس على الجوكر، يدافع عنه البسطاء و ينهالوا على رجل الشرطة بالضرب. من هنا نتفهم الموقف الذي احترزت منه شرطة لوس أنجلوس عندما تم عرض الفيلم في دور العرض خوفا من إشعال نارا خامدة.

وكا أشرت في بداية الحديث،نجح تود فليبس مخرج الفيلم  وصناعه في أن يرضي جميع الأذواق فمن يبحث عن صورة ومشاهده جيدة يجد ضآلته ومن يبحث عن عمقا وفكرا لمجريات الحياة يجده حتى الساسة والإعلاميين يجد من يدق لهم ناقوس الخطر.


 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة