إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

ثورة على السيد مارك

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 23 أكتوبر 2019 - 08:49 م

أنظر إلى الشاشة فى صمت، يسلبنى القمع حق التعبير. أصبح موقع «فيس بوك» جامدا، وتحول هاتفى إلى نموذج مشوه لجهاز تليفزيون قديم، يقتصر عمله على البث أحادىّ الجانب. أتابع قدرة الكثيرين على صياغة رؤاهم المهمة أو التافهة، بينما أجلس فى مقاعد المُتفرجين، ممنوعا من كتابة كلمة واحدة، بعد فرض عقوبة جائرة علىّ، تحظر قيامى بالنشر أو التعليق. ولأننا سقطنا غالبا فى مستنقع الإدمان، فقد فشلت كل محاولات غض البصر، واستمرت متابعتى لتفاعل الكثيرين مع قضايا عديدة، دون أى رد فعل، بعد نزع أهليتى مؤقتا بقرار جائر.
مجرد إجراء مبدئى يتضمن تهديدا بعقوبات أشد قسوة لجريمة غير مُحددة، قد ينتهى الأمر بتهجيرى قسريا من موقع احتوانى منذ سنوات. ها هو المالك يُطل بوجهه القبيح، ويذكرّنى بأن إقامتى مجرد استضافة، وفق عقد إذعان وقعتُ عليه دون الإلمام بشروطه. لكن حتى لو عرفتُ تفاصيله لما امتلكت حق الرفض، لأن ذلك يعنى عدم منحى تأشيرة دخول هذا العالم، الذى يطرد أكثر من مليون ساكن يوميا لأسباب مُختلفة. صحيح أنهم يتحايلون للعودة إليه بهويّات أخرى، لكنهم يظلون لفترة مشردين، ويفقدون فى فترة التيه جيران كثيرين اكتسبوهم عبر سنوات!
نقل «الأخ الأكبر» مارك زوكربيرج مبادئ الديكتاتورية إلى فضائه الإلكترونى، ومارس لعبة تكميم الأفواه ولم يهتم بصرخات الاحتجاج، يُطبق معاييره الأخلاقية المزعومة علينا ويطردنا من جنّته، بينما يواصل فساده الذى يجعله ملاحقا بالدعاوى القضائية، فيتكبد مليارات الدولارات لانتهاكه خصوصياتنا، واستغلال بياناتنا فى أغراض سياسية وتسويقية وأحيانا تجسسية! وبدلا من أن يرتدع يعود لإسقاط خيباته علينا.
الغريب أننا ننتقد «فيس بوك» لكننا لا نستطيع الفكاك من أسره، والأمر لا ينطبق على الأفراد فقط، فرغم شكاوى أنظمة عالمية عديدة من أخطاء مستخدميه، إلا أن حجبه يظل أمرا غير مطروح، فمثلما يتم استخدامه كمنصة للهجوم والانتقادات، فإنه ساحة لا يمكن تعويضها، يستخدمها مؤيدو هذه الأنظمة فى الترويج لهم، ليشهد ما يشبه «خناقات الشوارع» يضيع فيها المواطنون البسطاء أمثالى، ممن يستقوى النظام الحاكم فى الموقع الإليكترونى عليهم.
أشعر بالحنق على مارك وسياساته، تمنيتُ ثورة عالمية ضده، تخيلتُ ملايين البشر يحتلون ميادين « فيس بوك» ويندّدون بممارسات حاكمه. ربما يبدو واثقا من سيطرته وهو جالس فى برجه العاجى، لكن السنوات الأخيرة علّمتنا أن المفاجآت سيدة الموقف، وقد يجد السيد مارك نفسه فى موقف لا يُحسد عليه، فيُضطر للتنحى تاركا مملكته، التى أسسها فى فضاء وهمى لتسيطر على واقعنا!.
بعد أيام عصيبة تم إطلاق سراحى، بدأتُ التخطيط لقلب نظام الحكم فى «فيس بوك»، بالتأكيد هناك ملايين الحانقين غيرى ينتظرون قائدا يطلق شرارة الثورة، ومنحتنى أمطار أمس الأول فرصة ذهبية يمكن استغلالها فى رسم ملامح المؤامرة، خلال نحو أربع ساعات قضيتُها حبيسا فى سيارتى، التى غرقت مع عشرات الآلاف غيرها فى المياه والزحام. عبر فترات توقف طويلة تتخللها ثوان من الحركة العاجزة، كان «فيس بوك» رفيقى. امتزج غضبى من فشل المسئولين فى إدارة الأزمات المتوقعة، بحنقى على افتعال أتباع مارك لمشكلات غير متوقعة، وجدتُ الفرصة سانحة لتحويل طاقة الغضب المُزدوجة إلى شحنة من الكلمات، لكنى شعرتُ بعيون «الأخ الأكبر» تراقبنى، ووجدتُ نفسى عاجزا عن تكوين جملة واحدة، فقد سلبتنى أيام الحظر القليلة قدرتى على التعبير!! وقتها أيقنتُ أن صناعة الخوف لا تقتصر على الواقع فقط، بل أصبحت إحدى سمات الفضاء البديل، اكتشفتُ أننى فقدتُ القدرة على الاحتجاج حتى على عبث المسئولين عن البالوعات، بعد أن أصابنى الصمت المؤقت بـ «فوبيا الكلام».

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة