أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

من حكايات البلدة القديمة

أحمد عباس

الخميس، 24 أكتوبر 2019 - 07:40 م

يحكى أنه فى إحدى البلدات القديمة، القديمة جدًا.. لما حاوطتها المشكلات، واختنقت طرقها بعوادم مجهولة، واكتظت بسكانها، وأصابتها ضوضاء مفرطة من كل اتجاه، وأغرقتها المياه فاختلطت بطين الأرض، وأحالت مناطق الأغنياء إلى وحل، وزادت من برك مناطقها البسيطة.
اتفق أهلها على اختلاف أعمارهم، وأعمالهم، على الاجتماع ذات يوم لمناقشة ما جَد، وبدل حال مدينتهم. فاصطف فلاحوها، وعُمالها. الموظفون، والُصناع، وأصحاب الأعمال. البسطاء، والمهمشون. الأغنياء قبل الفقراء، فالمصلحة واحدة، والخطر اذا لاح، لن يستثنى أحدا، إذن لا بد من اتفاق يجمع الكل، ويقرب وجهات نظر الجميع.
ثم نادى أحدهم.. الهواء، رائحة الهواء، إذن لنبدأ بمناقشة تغير رائحة الجو، من أحاله إلى "كَتمة" تصيب السكان بنوبات ضيق نفس مستمرة، فى نفس الوقت من كل عام، مع بداية كل فصل شتاء..
قال البسطاء إنها بسبب حرق الأغنياء لقمامتهم، ولأنهم مقتدرون فإن بعض مكونات هذه القمامة بها مواد لا يعرفها سواهم، يعودون بها من رحلاتهم خارج بلدتهم، ولما يتخلصون منها، تفوح منها هذه الرائحة.. إذن نمنع السفر!
فرد الأغنياء: لا، لا، السبب فى هذه المخلفات التى يحرقها هؤلاء البسطاء، فهم الذين اعتادوا إشعال النار فى مخلفات مزارعهم، لتوفير مصاريف نقلها بشكل آمن، وهذا هو السبب الحقيقي.. لنوقف الزراعة موسمين أو ثلاثة على الأقل حتى نضمن نقاء الجو مرة أخرى!
ثم انطلق أحدهم بلباقة وقال: "إن تغيرا ما أصاب البلدات المحيطة فغير طبيعة الهواء، وهو ما لن نستطيع مواجهته فهذا خارج حدودنا، وأى محاولة لإصلاحه هو تعدِ على حدود بلدة أخرى، ونحن لا نقبل أن نكون معتدين.. أبدًا لن نكون".. فردد الجميع من خلفه: "كلام سليم".
الضوضاء.. لننتقل إلى مشكلة "الدوشة"، الأزمة أنه ما عاد أحد يعرف النوم، ولا يذوقه. فنادى الموظفون إن الُصناع وأصحاب الحرف والدكاكين، يؤرقون نومنا، مساءً بأعمالهم، وتجارتهم.. والحل تحديد ساعات معدودة لهم، ولتتأثر الصناعة كيفما شاءت.. المهم الضوضاء تختفي.
ورد الصُناع: لا، الحقيقة أن موظفى الدواوين يقلقوننا منذ ساعات الصباح الأولى، وزحامهم يغلق الطرق، أثناء ذهابهم إلى مقراتهم، فنصحو من أحلى "نومة"، ولا نستطيع مزاولة أعمالنا إلا فى المساء، حينما يعودون إلى حيث أتوا، ولا مفر من تعطيل عمل الدواوين!
وبنفس اللياقة عاد الرجل اللبق قائلًا: "إن مؤامرة تُحاك، وأن وقيعة ما تُدبر فى الخفاء، للنيل من جودة صناعتنا، وانتظام دواويننا، ولا يجب إلا أن نقطع الطريق أمام هذه المحاولات الخبيثة".. فردد الجميع: أمسكوا الخائن!
المياه، المياه آتية!... هكذا وصل صوت من بعيد، وبينما راح الجميع يتفرس فى الجميع، يبحث عن مصدر الصوت، لابد أنه الخائن المتخفى وسط الحشود، يريد تفريق الجمع.. لكن أحدا لم ينتبه لهذا التحذير.
كانت الأمطار تهطل بلا هوادة على أطراف البلدة، والمياه تختلط بمخلفات الأرض. الطين يردم النبع الوحيد الذى يسقى البلدة، ويسد مجاريها، ويخرج المياه عن مسارها، وتفيض على مسطح الأرض، فتعلو، وتعلو..
حتى سكتت جميع الأصوات تباعًا، وانخفضت أصابع الاتهام، أو غرق أصحابها بلا استثناء، لما طغى الماء.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة