الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط


عمرو الخياط| ثورة «الدبكة» اللبنانية

عمرو الخياط

الجمعة، 25 أكتوبر 2019 - 11:58 م

ثقافات الشعوب لها طقوس خاصة تميزها عن بعضها، احترامها غير قابل للجدل، لكن اندماج هذه الثقافات في الممارسة السياسية المعلنة يتيح المجال للحديث العام عنها وتقييمها واستشراف نتائجها. الحقيقة تقول إن التجربة الواحدة ليس لها نتيجتان، وبالتالي فإن منطق الحال يؤكد أن مظاهر الاحتفال بالكرنفال الثوري اللبناني لن تستمر، وأن معادلات المتابعة للحدث الجارى ترتكز على نهم المتابعة لجميلات بيروت.

حالة استعراض الطقوس والأزياء الثورية لن تدوم وفِي نهاية ممشى العرض سيكون المصير المحتوم لبلد يحمل مكونات الخلاف والطائفية والمحاصصة السياسية.

حالة البهجة المتكلفة التي يتم تصديرها عن أجواء الثورة اللبنانية إلى مواقع التواصل ليست حقيقية بل هي مصنعة ومتكلفة هدفها فرض حالة تخدير جمعى للشعب اللبناني من أجل الاستمرار في رحلته الثورية وتحويل لبنان إلى متنزه ثورى عام، لكن مخلفات النزهة لن تجد من يرفع آثارها وستظل عالقة بمستقبل لبنان السياسي.

الخطورة هنا تكمن في أن يستخدم الشعب اللبناني من أجل تقويض وطنه وتكبيله فيصبح رقما سائغا في معادلة إعادة صياغة لمكونات الإقليم.

ثمة عملية ممنهجة لإقحام فناني وفنانات لبنان في المشهد من أجل استغلال متابعيهم ومعجبيهم كمجموعات للحشد الثوري وإضفاء الطابع الدرامي على الحالة من أجل ضمان الاستمرار والتوسع وفرض طابع السلمية الظاهرية على عملية إسقاط الدولة، وكأن الدول يمكن إسقاطها على نغمات الموسيقى أو زلزلتها من جراء وقع أقدام راقصي الدبكة اللبنانية على أرض بيروت.
لا أدري هل يريد اللبنانيون إصلاح النظام أم إسقاطه وفي حالة الإسقاط هل هناك جاهزية سياسية؟.

إذا كان خروج اللبنانيين رفضا للطائفية التى عجزت عن تحقيق مستوى الرفاهية المنشود فإن مطالبهم المعلنة لم تشمل طرح رؤية لمشروع سياسي بديل يقضي على تراث الطائفية المتجذر والذي يفرض نفسه كمكون رئيسي في تركيبة الحكم السياسي اللبناني.

لاحظ أن حسن نصر الله خرج في خطبة علنية يرفض التظاهرات، ليس دعما لسعد الحريري بل لأن الحالة السياسية القائمة تمنحه فرصة تموضع طائفي مشروع، كما تمنحه فرصة تحويل الاختراق الأجنبي لبلاده كإحدى الأدوات السياسية المتاحة.
حتى الآن لم ترفع أعلام حزب الله في أي ميدان، لكن الاحتمال لازال متاحا على قوائم الانتظار الطائفي.

إذا كانت لبنان قد عانت من الطائفية والمحاصصة السياسية وماترتب عليه من حالة اقطاع سياسي، فإن المفترض أن يكون الحراك الثوري اللبناني مدركا لما يريد وإلا نكون بصدد عملية تفريغ سياسية ستؤدي إلى حالة عنوانها «البقاء للأقوى»، وبالتالي فإن الطائفية البغيضة متعددة الأطراف قد تتوارى لكن الناتج سيؤدى إلى حالة احتكار طائفي مدعوم بقوة إقليمية أجنبية.

 لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه ماذا لو تراجع الحراك الشعبي وانصرفت الجموع، كيف سيساهم التراجع في تحصين المشروع الطائفي ومنحه فرصة إعادة انتاج وتطوير نفسه؟.

الواقع يفرض على اللبنانيين أن يدفعوا إلى المشهد المعلن بمشروع سياسي واقعي يمكن صياغته في بنود لها شرعية في دولاب القانون اللبناني.

الحراك اللبناني يدفع نحو مصير واحد للإنقاذ يرتكز على فكرة الدولة الوطنية في مواجهة مشروع للتفكك يرتكز على أن تكون الفكرة الطائفية عابرة للحدود ومسوغة لوحدة بديلة لا تقوى على المواطنة بل على العرقية.

لا يمكن إنكار جمال المشهد اللبناني، فإذا كانت الدبكة تؤدي من خلال الأيدي المتشابكة دليلا على الوحدة، فإن تلك الوحدة يجب أن تكون هدفا شعبيا استراتيجيا وإلا تحول المشهد إلى ما يشبه جنازة الفنانة الراحلة صباح التي دفنت على نغمات الموسيقى ووصلات الدبكة إلا أن الحفل الجنائزي لم يمنع تحلل الجسد.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة