عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

هل يشعر النظام الرأسمالى العالمى بضيق فى التنفس؟

بوابة أخبار اليوم

السبت، 26 أكتوبر 2019 - 07:42 م

 

عبدالله البقالى

من الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرنسا, وجد النظام الرأسمالى نفسه فى صلب اهتمام استثنائى خلال الأسابيع القليلة الماضية, خصوصا من طرف الأوساط الاقتصادية والإعلامية, وكان واضحا وجليا أن هاجس هذا الانتباه المفاجئ إلى حالة النظام الرأسمالى العالمى تمثل فى التساؤل عن مصير هذا النظام فى ضوء الأزمات الكثيرة والمتواترة التى لاحقته طيلة السنوات الماضية.. ففى التاسع عشر من شهر اغسطس الماضى أقدم 200 من كبار رجال الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية, على خطوة لم يكن أكثر الناس تحمسا للنظام الرأسمالى يتوقعها, وتجسدت فى نشر تصريح للرأى العام اختاروا له عنوان (هدف المقاولة) أكدوا فيه, وبصفة غير مسبوقة, إرادتهم وحرصهم على إحداث التوازن الضروري, بين الالتزامات الاجتماعية لفائدة العمال فى الشركات التى يملكونها, وما تقتضيه مصالح المساهمين فى هذه الشركات,الذين ليسوا غيرهم المالكون لها.
وبعد أقل من شهر واحد وتحديدا بتاريخ 16 سبتمبر الماضى نشرت صحيفة «الفايننشال تايمز» الأمريكية عنوانا عريضا امتد على صدر صفحتها الأولى جاء فيه (الرأسمالية.. توقيت المراجعة ). وفى فرنسا عقدت ندوة دولية مهمة خلال الفترة الفاصلة ما بين 9 و13 أكتوبر الجاري, حاول المشاركون فيها صياغة أجوبة مقنعة عن السؤال الجوهري, الذى كان وراء تنظيم هذه الندوة وفحواه (هل انتهت الرأسمالية ؟).
والأكيد, أن هذا الاهتمام المتزايد بالنظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى يؤشر على مرحلة ارتدادات عنيفة يمر منها هذا النظام فى ظروف عصيبة. والحقيقة أن الإجابات تباينت واختلفت, بل وتناقضت فى مختلف هذه المحطات التى استحضرناها, ولم يفز المطلع على ما جرى, ونشر فى هذا الصدد ما يشفى غليله مما يحتاجه من تفسيرات مقنعة لما يحدث.ذلك من المرجح القول اليوم, إن الأزمة التى يتخبط فيها النظام الرأسمالى العالمى حاليا, هى مجرد مرحلة من مراحل الانتكاسات الكثيرة, التى منى بها منذ حقب طويلة من الزمن, ولكنه كان فى كل مرة يخرج سالما ومعافى, لينتقل إلى مرحلة أخرى من مراحل تطوره, وهو التفسير المنطقى الذى عرضه المؤرخون لهذا النظام المتعب, كما أنه من المرجح القول بنفس المناسبة, إن الضائقة التى يجتازها النظام الرأسمالى العالمى حاليا مختلفة عن كل الأزمات السابقة, لأن الأمر لا يتعلق بأزمة سيولة مالية, بل أزمته هذه المرة تكمن أساسا فى الافتقاد إلى وجود نظرية اقتصادية تفسر الأزمة وتعطى التوضيحات والتفسيرات المقنعة لمجمل التحولات الاقتصادية المستجدة فى النظام الاقتصادى العالمي, وهى التحولات التى جعلت فى كثير من الأحيان, التمييز بين الأنظمة الاقتصادية التقليدية المتعارف عليها مهمة ليست بالسهولة المعتادة, كما تكمن أيضا فى عدم وجود أنظمة عالمية حاسمة ومؤسسات دولية صارمة, لتحديد المعايير ووضع القواعد الثابتة والمطبقة على الجميع على حد سواء تنظم الانفتاح الاقتصادى العالمى وتنسق السياسات الاقتصادية الدولية, ولعل حدة الأطماع فى تحقيق أعلى معدلات ونسب الأرباح فى زمن قياسي, وبأقل تكلفة مالية ممكنة تسببت فى إحداث رجات عنيفة فى المفهوم التقليدى للنظام الرأسمالي, إلى أن تحول النظام الرأسمالى العالمى الحالى إلى رهينة فى يد تجمعات احتكارية تقبض بمفاتيح القرارات الاقتصادية العالمية, والأمر لم يعد يتعلق بأوساط مالية متمثلة فى مصارف وشركات تأمين وغيرها, بل يهم أساسا أوساطا تساهم فى الإنتاج الصناعى العالمى وتحكم قبضتها على قطاعات الخدمات والنقل. ولعل هذا ما يبرر الدعوة الملحة, التى وجهها مجموعة من علماء الاجتماع إلى دمقرطة الشركات الاقتصادية, بحيث تكون للعمال نفس الحقوق التى يستفيد منها أرباب هذه الشركات, منبهين إلى الخطورة البالغة التى أضحى يكتسيها المفهوم التقليدى الذى يعتبر النظام الرأسمالى نظام حكم يرهن الحقوق السياسية بقوة السيطرة على الرأسمال, مما يتناقض تماما مع مفهوم الديمقراطية, الذى هو نظام حكم يستند إلى الاعتراف بالحقوق, وكثير منهم طالب بإعادة الاعتبار لدور الدولة فى العلاقات الاقتصادية العالمية.
نشاطر الأصوات التى ارتفعت فى الولايات المتحدة وفى فرنسا انشغالها بالأزمة, التى يغوص فيها النظام الرأسمالى العالمى المتغول والمتوحش, والذى وضع مراكمة الأرباح المالية أولوية أولوياته على حساب الإنسان,ولكنا لا نقاسمهم القناعة ولا الأمل, فى أن هذا النظام يمكن إصلاحه وتقويمه, فى ظل الشروط والمعطيات المتحكمة فى بنية النظام الاقتصادى العالمى, وفى سلسلة العلاقات الاقتصادية الدولية, حيث إن الأقوياء المستفيدين من النظام الرأسمالى المتوحش, هم الذين يقبضون بالقرارات الاقتصادية العالمية.
> نقيب الصحافيين المغاربة

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة