رفعت رشاد
رفعت رشاد


حريات

أبدية الفقر

رفعت رشاد

الأحد، 27 أكتوبر 2019 - 07:42 م

شاهدت الفيلم الأمريكى «الجوكر». يتناول قضية مهرج فقير عانى من نبذ المجتمع فيصبح قاتلا لكن يتعاطف معه آخرون وينتشر التعاطف حتى يصبح المشهد الأخير ثورة شعبية.الفيلم يعزف على وتر وحشية الفقر ومص دماء الفقراء واستبعادهم اجتماعيا. نجاح الفيلم يعنى أن الجمهور أفلت إلى حد ما من السيطرة والتلاعب الإعلامى على العقول ولم تنجح أساليب التغييب فى توصيله إلى مرحلة غيبوبة نهائية. مازال هناك وعى وهناك من يرى ويسمع ويحس. قد تكون بلاد الغرب جنة فى أحوال ، لكنها جحيم فى أحوال أكثر فالرأسمالية تتوحش يوما بعد يوم وتمد فروعها إلى كل مكان فى العالم وتفرز مناهج تعليمية تحشو بها عقول الطلاب فى دول العالم الثالث فيصيبهم نفس الداء ويبررون أداءهم إذا ما أصبحوا فى السلطة بأن هذه الأساليب هى أساليب التقدم وأن من يعترض يكون جاهلا بل وربما يتهم بما هو أفظع من ذلك.
قضية الفقر هى قضية الإنسان منذ بدأ يعيش على هذا الكوكب وهى قضية تلخص الصراع بين البشر وبعضهم البعض وبين البشر وبقية الكائنات التى راحت ضحية جشع الإنسان. تنشب الحروب وتتقاتل الشعوب من أجل قطعة لحم أكبر توضع فى طبق المنتصر بينما تكون دماء سالت تملأ أنهارا تروى غابات. وداخل المجتمعات هناك صراع أبدى على «لقمة العيش» هكذا نسميها فى مصر ولها مدلول كبير ، تأملوا الكلمتين ستجدون معانى كثيرة تعبران عنها. الفقراء يصارعون من أجل البقاء والأغنياء يصارعون ويقتلون من أجل زيادة أرصدتهم فى البنوك ، وكثيرا ما أسأل نفسى : لماذا يتصارع شخص يملك أموالا كثيرة لكى يزيد من رصيده الذى يكفيه شر الحاجة له ولأجيال عديدة من نسله ، ولم أجد إجابة ، وربما بسبب غريزة التملك التى تعميه عن رؤية آخرين يتضورون جوعا بينما يبنى أهرامات من النقود.
إن الفقر لا يعنى فحسب نقص الطعام أو الملبس ، إنما يعنى تعطيل كفاءة ملايين من الناس لا يجدون الفرصة لإضافة قيمة لحياتهم بسبب نقص التعليم أو الصحة. بل إن الفقر يدمر الأسر التى يتنازع أفرادها على تقسيم الدخل فتنشب الصراعات بين الأشقاء وبعضهم، وبين الأشقاء والآباء. وإذا كان الفقر يؤدى إلى الحرمان من القدرات الأساسية للإنسان فإن تدنى الدخل وفقر القدرة يؤدى إلى تعطيل طاقات كبيرة عن الدخول فى عملية إعداد المجتمع للتقدم والرفاهية ، أما تخفيف قسوة البطالة بصرف إعانات للفقراء فهو لا يغنى عن معالجة مشكلة الفقر لأن هذه الإعانات مجرد تخفيف مسكن وخادع للمشكلة. بعض المفكرين يرون أن الحرية الدافع الأساسى لحلحلة المجتمعات وقيام الحركات الاجتماعية، لكن الحقيقة أن الفقر الدافع الأساسى للصراع سواء كان صراعا مدنيا أو ثوريا.
خروج الجماهير فى المشهد الأخير للفيلم أمر تكرر كثيرا فى الحياة لكن اللافت أنه يحدث فى أمريكا التى تصدر مثل هذه المشاهد للعالم وتتمتع بمشاهدته يحترق. إن هذا المشهد يجسد مقولة المفكر الفرنسى هنرى باربوش : المستقبل فى يد الفقراء ، فالعالم سيتغير بتحالف الذين يبدو بؤسهم كعددهم.. لا نهائيا.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة