أرشيفية
أرشيفية


من «بوش الابن» ..إلى أوباما ..إلى ترامب... 

أمريكا والاستثمار السياسي للحرب على «القاعدة» و«داعش»

أ ش أ

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019 - 01:27 م

 

كما كان متوقعا ، لم يفوت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفرصة المهمة التي وفرها له حدث كبير بحجم مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم " داعش" الإرهابى لكي يستثمرها سياسيا لصالحه ، بأكبر صورة ممكنة، سواء في مواجهة خصومه الديمقراطيين في الكونجرس ، الذين يحاولون استصدار قرار بعزله من منصبه ، أو فيما يخص مساعيه للفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة في الولايات المتحدة العام المقبل. 

ويرى محللون أن عملية قتل البغدادي، الذي تلاحقه الولايات المتحدة منذ سنوات باعتباره أحد أخطر المطلوبين لديها ، كانت "نصرا أمنيا " وإنجازا سياسيا مهما للولايات المتحدة، وهو ما سعى ترامب منذ اللحظة الأولى لإعلان مقتل زعيم "داعش " ، لاستغلاله لصالحه. 

ورأوا أن الرئيس الأمريكي وجد في هذا النصر "هدية من السماء " في هذا التوقيت الحرج للغاية بالنسبة له ، والذي يبدو فيه محاصرا داخليا ، ما بين تحقيق في الكونجرس يهدف لعزله ، وبين انتقادات حادة بسبب قراره سحب القوات الأمريكية من سوريا ، واتهامات له بالفشل في الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. 

ولم يكن مستغربا - وفقا لهذه المعطيات - أن يلجأ ترامب ، وهو يعلن عن مقتل البغدادي، إلى كل ما في قاموس أفعال التفضيل ، لوصف ما حدث ، حيث اعتبر أن قتل البغدادي أكبر عملية من نوعها على الإطلاق، واصفًا ما تحقق بأنه النصر الأكبر من نوعه . 

كما حاول ترامب - في هذا الصدد - عقد مقارنة لصالح إدارته ، بين هذه العملية ، وعملية قتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ، التي وقعت في ظل إدارة سلفه ، بارك اوباما عام 2011، قائلا ، " إن قتل أسامة بن لادن كان أمراً كبيراً بسبب الهجمات على مركز التجارة العالمي، لكن قتل هذا الرجل (البغدادي) أمر أكبر، لأنه كان يحاول بناء دولة وخلافة". 

ووفقا للتقرير ، فإن المؤكد أن مقتل زعيم "داعش " شكّل من الناحية السياسية - حدثا بالغ الأهمية بالنسبة للرئيس ترامب ، ففضلا عن أنه يعزز ثقته في نفسه في مواجهة ما يتعرض له من ضربات سياسية من قبل خصومه ، كما أن من شأن هذا التطور أيضا أن يسهم في تعزيز وحدة الصف داخل الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ إلى جانب ترامب ، ورفض إدانته في التصويت حول قضية عزله ، والذي يتوقع أن يجريه مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديموقراطيون ، وربما هذا ما دفع البعض إلى التساؤل عن توقيت تنفيذ عملية قتل البغدادي، ما إذا كان رهنا بتوافر معلومات استخبارية دقيقة ومؤكدة ساعدت على تحديد مكان اختبائه بدقة ومن ثم استهدافه بنجاح ،أم أن هذا التوقيت كان أكثر ارتباطا بالحسابات السياسية الداخلية للرئيس الأمريكي؟ 

وبغض النظر عن الحسابات والعوامل التي كانت وراء تحديد توقيت عملية قتل البغدادي، فإن الحسابات السياسية للرئيس ترامب بدت حاضرة بقوة في توقيت العملية وطريقة الإعلان عنها ، إذ لا يمكن النظر إلى قتل البغدادي في هذا الوقت تحديدا ، بمعزل عن الظرف السياسي الذي يواجهه ترامب ، سواء معركته الحالية مع الكونجرس، أو استعداداته لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة ، والتي يأمل أن يفوز فيها بولاية ثانية العام القادم. لذلك يبدو منطقيا أن يسعى ترامب لاستغلال هذا الإنجاز الأمني الكبير بكل قوة لتعزيز موقفه الانتخابي في مواجهة خصومه الديمقراطيين.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الرئيس ترامب ليس الرئيس الأمريكي الوحيد الذي يسعى لاستغلال الحرب على الإرهاب وتنظيماته الكبرى مثل : "القاعدة" و"داعش " لتعزيز صورته السياسية وحظوظه في الانتخابات. إذ إن توقيت مقتل أبو بكر البغدادي والذي يأتي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ، يشبه إلى حد بعيد توقيت عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة السابق اسامة بن لادن في شهر مايو عام 2011 ، والذي كان أيضا عاما انتخابيا مهما للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، الذى استغل مقتل بن لادن بقوة للتأثير على الرأي العام الأمريكي واتجاهاته الانتخابية ، الأمر الذي ساعده في عملية إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية عام 2012. 

والأمر نفسه حدث أيضا قبل ذلك مع الرئيس جورج بوش - الابن -الذي أعلن في عهده مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي عام 2006.

لكن السؤال هنا هو ..إلى أي حد يمكن أن يستفيد ترامب سياسيا من عملية قتل البغدادي ،سواء في مواجهة محاولات عزله ، أو في الانتخابات الرئاسية المقبلة ؟ ، أم أن هذه العملية قد تصبح سلاحا في يد خصومه لاستخدامه ضده كما فعل هو نفسه في مواجهة اوباما؟

لقد كان مقتل زعيم داعش كان – بكل تأكيد - نجاحا استخباريا وسياسيا كبيرا، للولايات المتحدة ، إلا أن إصرار ترامب على استغلال هذه العملية سياسيا لصالحه وبشكل مبالغ فيه ، قد يضعه – كما يرى مراقبون – أمام مأزق سياسي في مواجهة خصومه ، حيث إنه لابد من التذكير هنا بأن ترامب نفسه والذي يتحدث اليوم عن هذا النصر - بمقتل البغدادي- باعتباره أحد انجازاته الخاصة ، سبق وأن حاول جاهداً أن يسلب سلفه باراك أوباما الفضل بنجاح مشابه.

فبعد مقتل أسامة بن لادن في مايو 2011، سعى ترامب مرارا إلى القول بأن الفضل في العملية العسكرية التي قادت لمقتله ، تعود لمسؤولي الجيش والمخابرات الأمريكية ، وأن أوباما لا يستحق أن ينسب هذا النجاح لنفسه.. أما اليوم وبعد أن تبدلت المواقع ، فإن ترامب المنتشي بمقتل البغدادي في ظل إدارته ويقدمه باعتباره أحد إنجازاته ، قد يواجه الموقف نفسه من قبل معارضيه ، وأن يتجرع نفس الكأس التي تجرعها سلفه أوباما .
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة