هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

مقال «كمالة»

هشام مبارك

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019 - 07:27 م

منذ يومين كنت أهم مسرعا مغادرا الجريدة فى محاولة للحاق بالمينى باص من محطة الإسعاف لأضمن لى كرسيا قبل زحام رمسيس، البديل أن أتمشى حتى عبد المنعم رياض للركوب من أول الخط وهى عملية محفوفة بمخاطر كثيرة حيث المشى فى مسافة رغم قصرها يتجمع فيها نصف زحام القاهرة وضوضاؤها وتلوثها. المهم أنه استوقفنى شاب على ناصية شارع الصحافة وبالتحديد أمام مستشفى الجلاء للولادة. فى البداية ظننته متسولاً سوف يشرح لى كيف أن زوجته أو والدته مثلا فى المستشفى وتحتاج كيس دم أو أى شيء من هذا القبيل مما يقابلنا كثيرا فى الشارع المصرى، فهممت أن أعتذر له متعللا بأننى أريد اللحاق بالمنيى باص قبل الزحام فقال لى: استنى اوقف كلمنى يا استاذ أنا لامؤاخذة مش شحات زى مانت فاهم. وبعدين مش حضرتك صحفى فى الأخبار؟
لعب الفار فى عبى عندما سألنى ذلك السؤال وتذكرت ذلك الشاب الذى استوقفنى فى مطعم الفول منذ شهرين وسألنى نفس السؤال وفرحت لحظتها بوجود شباب فى هذه السن لا يعتمد على السوشيال ميديا فقط بل يقرأ الصحف ويعرف شكل الكتاب من صورهم ثم اكتشفت فى نهاية اللقاء أنه لم يقرأ لى حرفا قط وأنه يعرف أننى صحفى فقط لأننا كنا زمان جيران قبل أن تنتقل أسرته من جوارنا لشقة أرحب وأوسع فى مكان جديد، كما أنه لا يتذكر اسمى بل اسم زوجتى عندما قال لى: مش حضرتك جوز أبلة فلانة؟ أصلها كانت أعز جارة زى ما ماما كانت بتقولنا على طول، دار فى ذهنى ذلك الحوار وأنا واقف مع الشاب على ناصية شارع الصحافة فأيقنت أننى ربما أكون أمام جار آخر قديم عزل هو الآخر من عمارتنا مع أسرته فحاولت أن أعمل فهلوى وضربته بقبضة يدى ضربة ود على كتفه شعرت أنه تألم منها كثيرا حيث وضع يده على كتفه متأوهاً غير أنى لم أترك له أى فرصة للإفصاح عن ألمه وقلت له متصنعا الفرحة والدهشة: ما شاء الله عليك كبرت ياواد، عامل إيه وعامل إيه ابوك، مش انت برضه ابن أبله عطيات؟ ياسلام ده أمك وابوك كانوا نعم الجيران فعلا، عموما سلملى عليهم وياريت تقولهم تبقوا تزورونا. أنا بس حاستأذنك الحق المينى باص، فنظر لى الشاب باستغراب شديد وقال: بابا مين وعطيات مين وجيران مين، مش حضرتك برضه الأستاذ هشام مبارك إللى بتكتب احم احم فى الأخبار؟
إذن فالموضوع جد هذه المرة فالشاب ينادينى باسمى وباسم عنوان مقالى مما أشعرنى بحرج شديد توقفت على إثره مرة أخرى ومددت يدى معتذرا قائلاً له: لا سمح الله بس لولا إنى مستعجل شوية كنت حكيتلك سبب اللخبطة إللى أنا فيها وصافحته مكرراً إعتذارى وأوشكت مرة أخرى أن أسرع لكى ألحق بالمينى باص فضغط على يدى بشدة وهو يقول: بس بصراحة الله ينور عليك يا أستاذ فى المقال اللى كتبته عن كشرى حمادة والبرنس. فقلت لنفسى: لا بقى فى داهية المينى باص، هو فين فين لما الواحد يقابل فى الشارع قارئ من هذه النوعية. فهذا شاب غير عادى يقرأ الصحف ويعرف أسماء الكتاب ويعرف الموضوعات التى يكتبونها. سألته: ما الذى أعجبك فى المقال؟ فقال: بصراحة عجبنى جدا يا أستاذ فكرة إنك تكتب على مطاعم الغلابة إللى موجودة فى مصر، محدش عملها قبل كده بصراحة!. سرحت قليلاً وأدركت أن هذا الشاب الذى من الواضح أنه يعشق الكشرى لم يقرأ سوى العنوان فاعتقد أن المقال عن مطاعم كشرى حمادة والبرنس باعتبارها من أشهر المطاعم فى القاهرة حاليا، بينما كان المقال فى رثاء زملائى الأعزاء الذين رحلوا عن دنيانا مؤخرا وتصادف أن أسماءهم كشرى وحمادة والبرنس فقلت لنفسى: حقا شر البلية ما يضحك. أفقت من سرحانى على صوت الشاب يكمل كلامه قائلا: عايزين من ده كتير يا استاذ، فقلت له: طب عن إذنك واتخذت طريق العودة للجريدة فقال لى: بس طريق المينى باص مش من هنا، فقلت له: لا حارجع المكتب اكتبلك «كمالة» للمقال إللى عجبك!
(ملحوظة: الكمالة هو ما يطلق على طبق زيادة تطلبه فى محلات الكشرى إذا لم تشبع من الطبق الأول).

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة