د. أيمن منصور ندا
د. أيمن منصور ندا


أحلام مشروعة

ابتعد.. لا تحجب عنى ضوء الشمس

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 31 أكتوبر 2019 - 07:49 م

يقال، إنه وبينما كان «ديوجين الكلبى» (فيلسوف يونانى 421 - 323 ق م) يسير فى شوارع أثينا القديمة حاملاً مصباحه الشهير، اعترض طريقه «الإسكندر الأكبر» متحمساً ومرحبِّاً، وسأله ما إذا كان فى مقدوره أن يقدم له خدمة أو هدية.. فقال له ديوجين: نعم.. ابتعد، فأنت تحجب عنى ضوء الشمس.. لا تحجب شمسى بظلك!!!!.. رحل ديوجين والإسكندر، ولايزال بيننا كثيرون ممن يحجبون عنا ضوء الشمس بظلالهم، ويمنعوننا من أن نعيش الحياة كما ينبغى لنا أن نعيشها..
وهذه الشخصيات التى تحجب عنا ضوء الشمس فى حياتنا المعاصرة هى فى أغلبها شخصيات كارتونية مخوخة.. كأنهم خشب مسنَّدة، يثيرون إعجاب الناس بأقوالهم، ويجعلونهم يتألمون بأفعالهم.. يدافعون عن الأشياء ونقيضها، مادام ذلك فى خدمة مصالحهم الشخصية.. هم رجال كل العصور، وكل الأنظمة، وكل المجالات.. كثير من الشخصيات الطافية على سطح الحياة المجتمعية فى مصر هى شخصيات فقدت أسباب الاستمرار فى حياتنا منذ فترة طويلة.. ولكنها موجودة بقوة الدفع السابقة، وبحكم التعود عليها.. هى شخصيات تعيش فى عالم لا يمت إلى واقعنا بصلة، أو كما وصفهم ديوجين «إنَّ هؤلاء يتكلمون عن الكواكب، وهم لا يعرفون حقيقة ما تحت أقدامهم»..
هذه الشخصيات صوتها الأعلى فى المجتمع غالباً بحكم قدرتها على الصياح المستمر، وهى الأقدر على النفاذ إلى الأعلى بحكم خبراتها المتراكمة فى مجال التسلق، وهى الأكثر قدرة على التسرب إلى كل مكان لها فيه مصلحة.. هى شخصيات خفيفة الحركة وثقيلة الظل.. ثقتها فى نفسها بلا حدود، واعتزازها بجهلها لا مثيل له.. هى شخصيات «ترى القذى فى عيون الناس ولا تلمح الخشب الذى فى عيونها».. وهى شخصيات لا تعمل وفى الوقت نفسه تبذل قصارى جهدها لتعطيل العاملين، أو على حدّ تعبير طه حسين هم أناس «لا يعملون، ويؤذى نفوسهم أن يعمل الآخرون»!!.. وهذه الشخصيات تنتشر فى كل المجالات.. فى الأدب، والثقافة، والسياسة، والإعلام، والاقتصاد، والرياضة، بل وحتى فى الحياة الاجتماعية.. فى كل مجال توجد شخصيات من هذا النوع يجب إزاحتها، ولكنها مثل الكراكيب التى تملأ بيوتنا.. نتأفف منها ونلعنها، غير أننا لا نتخلص منها أو نطيق البعد عنها!!
فى إحدى مرافعاته وقت أن كان يعمل بالمحاماة، أشعل سعد زغلول شمعة وأخذ يدور بها فى أرجاء قاعة المحكمة.. ولما سُئِل عن علَّة ذلك قال: أبحث عن العدالة!!.. وما بين ديوجين الذى كان يحمل مصباحه باحثاً عن الحكمة فى شوارع أثينا، وسعد زغلول الذى كان يبحث فى ضوء شمعته عن العدالة فى ربوع مصر، لاتزال كثير من أمورنا تحتاج إلى شمعة سعد وإلى مصباح ديوجين؛ إلى الحكمة والعدالة وإلى الحياة الطبيعية فى ضوء الشمس..
< أستاذ ورئيس قسم الإذاعة والتليفزيون
كلية الإعلام - جامعة القاهرة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة