< ألاف الأطفال يرتكبون الجرائم سنوياً
< ألاف الأطفال يرتكبون الجرائم سنوياً


مجرمون لكن «عيال».. قتل واغتصاب وسرقة

محمد العراقي

الخميس، 31 أكتوبر 2019 - 11:49 م

قتل وسرقة وإغتصاب وجرائم أخرى بشعة.. والعقوبة مخففة لأن المجرم طفل بموجب القانون لم يتخط  الـ 18 عاما.. ثغرات قانون الطفل أنقذت الكثير من الأطفال المجرمين ، رغم أنهم ارتكبوا جرائم بشعة تهتز القلوب من هولها ، وهم فى الحقيقة ليسوا سوى وحوش ساندتهم الظروف ليضمنوا اخف العقوبات، ولنا فى القضية الأخيرة لـ»شهيد الشهامة» محمود البنا  خير مثال، ليبقى السؤال إلى متى تظل القوانين عاجزة عن الردع ، وكيف يصبح القصاص العادل جريمة ؟!، وهل لانك طفل يحق لك ان تقتل وتسرق وتغتصب دون عقوبة عادلة؟!، ولماذا لا يتم تعديل القانون ليكون الجزاء من جنس العمل حتى نضمن  عدم تكرار مثل هذه الجرائم؟ّ!، وما الأسباب وراء انتشار هذه الجرائم وكثرتها فى الآونة الأخيرة ..

«الأخبار» تناقش الظاهرة وتستعرض  ابرز الجرائم  والتى ازدادت فى الفترة الأخيرة و نجا أبطالها من العقوبة العادلة مستفيدين من قانون الطفل وحاورت  الخبراء  للاجابه على هذه الاسئله، للحد من هذه الظاهرة التى تتفشى يوما بعد يوم.؟!

أوضحت دراسة أصدرها المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الأطفال المحكوم عليهم أو المحبوسين احتياطيًا بلغ عددهم أكثر من 10 آلاف طفل، وزيادة نسبتهم بعد الثورة إلى 25% لتصل إلى ذروتها فى عام 2014 .وأشارت إلى أن 23 % من نسبة الأطفال المسجونين محكوم عليهم بمدة تزيد على  10سنوات  , وزيادة نسبة المحكوم عليهم فى جرائم القتل العمد، إلى 20 % من المحبوسين، كما ارتفعت نسبة الأطفال المتهمين فى جرائم مخدرات وسرقة إلى50% من الأطفال المحبوسين فى المؤسسات العقابية، فى حين وصلت نسبة الأحكام بالحبس من 3 سنوات إلى سبع سنوات إلى 22.8% من الأطفال، وتراوحت باقى الأحكام بين نسبة الأطفال المحكوم عليهم بالحبس لمدة أقل من 3 سنوات، وبين باقى الأطفال المحكوم عليهم بعقوبات مختلفة..

كما كشفت دراسة جديدة بأحداث شمال الجيزة عن أن هناك 15 ألف جريمة ارتكبها الأطفال دون الـ18 خلال عام 2016 منها 4730 قضية سرقة و333 قضية مخدرات و40 قضية هتك عرض و200 مرور و40 إصابة خطأ و8 نصب و217 ضرب 4 قتل 37 مظاهرات و22 قضية سلاح نارى و75 قضية سلاح أبيض و11 قضية تموين و8 قضايا دعارة و11 تحريض على الفسق و6 فجور و5 خيانة أمانة.

جرائم سابقة

أولى هذه الجرائم بطلها طفلة بالكاد أكملت عامها الـ 5 ، ولم تكن تعلم انها ستقع فريسة لذئاب بشرية افتراءً صنفوا انهم أطفال .. إنها الطفلة زينة ابنة بورسعيد  والتى لم يرحمها علاء جمعة  صاحب الـ 16 عاما حارس العقار الذى تسكن فيه والذى استدرجها للطابق الـ 11 ليتناوب رفقة رفيقة الشيطان صاحب الـ 17 عاما اغتصابها وعندما فشلا ووجدوا ان والديها يبحثون عنها ولخوفهم من اكتشاف امرهم قاما بإلقائها من الطابق الـ 11 وفى النهاية يفتضح أمرهما ويتم محاكمتهما ولكن لأنهما أطفال وفق القانون تم التعامل معهم وفق هذا الإطار وحكم عليهما بـ 15 عاما وتم نقض الحكم وقد يخفض فترة عقوبتهما.

«سحارة الكنبة»

ومن بورسعيد الى المنوفية تشابهت بشاعة الجريمة  وأركانها ولكنها ازدادت سوء  عندما تجرد حسان صاحب الـ 17 عام من كل مظاهر الإنسانية واستدرج جارته الطفلة رودينا والتى لم تتخط  عامها الـ 5  داخل منزله وحاول اغتصابها، ولكنه لم يستطع النجاح فى ذلك لصراخ الطفلة ليقوم حسان  بذبحها بسكين بعد ان قام بضربها بأداة ثقيلة على رأسها ، وليخفى جريمته قام بإخفاء جثتها فى « سحارة الكنبة» الخاصة به تمهيدا لإلقائها بأحد المصارف المائية كما اعترف حسان على نفسه ، ولكن ما يزيد الأمر سوءا أن والد حسان والذى قضى عليه بالحكم عاما كان شريكا فى هذه الجريمة عندما حاول مساعدة نجله فى إخفاء جريمته «زينة رمضان».

الجريمة الثالثة عندما تجرد حمدى صديق من طفولته وقام بقتل أحمد محمد حسن والذى كان على مشارف عامه الـ 10 ، وعلى الرغم من بشاعة الجريمة فان حمدى لن يعاقب بالقصاص العادل لأنه ما زال طفل لم يتخطى عامه الـ 15 جنيه.

شهيد الشهامة

وفى جريمة آخرى تعد استكمالا  للجرائم السابقة، القتلة افتراء صنفوا بأنهم أطفال والمجنى عليه رجل بحق أراد ان ينتصر للقيم مدافعا عن احدى الفتيات تعرض له هؤلاء القتلة طالبا منهم بالكف عن هذه المضايقات ليكون جزاء جميله فى النهاية التنكيل والقتل وهذا ما حدث مع محمود البنا ، والذى يعرف بـ»شهيد الشهامة» والذى أهدر دمه بعد ان ترصد له محمد راجح  و مصطفى محمد مصطفى وإسلام عاطف ، وقاموا بالاعتداء عليه بالأسلحة البيضاء وطعنه بطعنات قاتله وقاموا بالتنكيل به ، ولكن ولأنهم لم تتخط  أعمارهم سن 18 سيتم محاكمتهم بقانون الطفل على الرغم ان الفاصل ليبلغوا هذا السن أشهر قليله فقط !

«عدالة المزاج»

ومن جانبه يوضح الدكتور محمد أبو حامد ، عضو مجلس النواب، أن مصر ليست جزيرة منعزلة والحديث عن تعديل قانون الطفل وخفض سن الطفولة الى 15 عاما ومخالفة المواثيق الدولية غير واقعى لأننا فى النهاية ترس فى المجتمع الدولى وشريك فى هذه المواثيق الدولية والدولة المصرية لها التزامات تخضع لهذه المواثيق لا يجوز الخروج عنها بل وجب الالتزام بها والا سيتم اتهام مصر بانتهاك حقوق الطفل

ويضيف ان حالة التعاطف الكبيرة مع الحادثة الأخيرة محل تقدير ولكننا علينا أن نعى أن احترام القوانين وتقبلها هو صمام الأمان لضمان العدالة الحقيقية وان أى محاولة لتغيير القانون لموقف عاطفى سيتسبب فى ظهور ما يسمى «عدالة المزاج» والتى تعد كارثة لأننا سنصطدم فيما بعد باختلاف الواقع المزاجى للمجتمع فى كل قضية على حدى مما سيترتب عليه اننا سنعدل القانون لكل قضية أى اننا سنكون أمام كارثة قانونية بكل المقاييس.

ويشير الى أن مجلس النواب  يهتم بإيجاد حل لمثل هذه المشاكل وانه بصدد تبنى مشروع  بدراسة إصدار تشريعات قانونيه تعاقب الأسر المقصرة فى تقويم أبنائها اذا ثبت تقصيرها لتكون هذه التشريعات بمثابة حافز للآباء للرعاية بأبنائهم والحرص على حمايتهم من الوقوع فى مثل هذه الجرائم 

الفقه الإسلامى

وفى نفس السياق يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن حل الالتباس فى تحديد سن الطفولة هو الرجوع للفقه الإسلامى والذى حدد المعايير اللازمة لمعرفة متى ينتهى سن الطفولة ويلائم الواقع أكثر من القانون الوضعى و حتى نضمن عقوبة عادلة تمنع تكرار جرائم أبطالها أطفال.

ويوضح أن الفقه الإسلامى يعتمد فى تصنيف مرحلة انتهاء الطفولة على قسمين الاول و يختص بالمعاملات المالية و لا يسمح فيه للصبى او الفتاة فى التصرف فى أموالهم  الا بعد وصولهم لسن الرشد والذى حدده الفقهاء بـ 21 سنة للرجل و18 للفتاة.

ويضيف أما القسم الثانى وهو المختص بالمعاملات الجنائية المختصة بالقصاص والديات سواء كان الجرم قتل او سرقه او سب وجرائم البغاء وتعاطى  و أيضا يختص بادراك العبادات فان الفقه الإسلامى أوضح أن مرحلة الطفولة تنتهى ببلوغ الذكر «الحلم» و الإدراك العقلى وذلك يكون فى سن الـ 15 عاما تقريبا أما بالنسبة للأنثى فهو بلوغها مرحلة «الحيض» ويكون ذلك تقريبا فى سن الـ 12 واذا بلغا هذه المرحلة يتم معاقبتهم كبالغين لا أطفال.

الجماعة الإرهابية

ويقول د. أحمد مهران، الخبير القانونى والمتخصص فى قضايا الأحداث، إن الانفعالات التى تسود الشارع المصرى الان والمطالبة بتعديل قانون الطفل رقم 12 لسنة 96 غير عقلانيه لانها تتناقض مع الدستور والقانون والمواثيق الدولية ناهيك على انها لن تحل المشكلة بالأساس.

ويضيف  أن تلك الحادثة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فى هذا النوع من جرائم القتل، و المحاكم تنظر الكثير والكثير من جرائم قام بها أطفال، وتنظر أيضا جرائم ضد أطفال، وقانون الطفل هو الحاكم لكل تلك الجرائم لوضع الحماية للطفل، كما وضع القانون عقابا رادعا لجرائم قد ترتكب فى سن الطفولة وهو ما يقرره القاضى نظرا لأحداث لكل قضية .

انسان سوى

ويوضح أحمد بدر، محام، أن قانون الطفل الحالى والذى أعده خبراء من أساتذة القانون والقضاة هدفه الأساسى هو الإصلاح وليس العقاب لضمان إخراج إنسان سوى لا يكرر مثل هذه الجرائم

ويضيف اننا لسنا فى حاجة الى زيادة عقوبة قانون الطفل عن 15 عاما فى حالة جرائم القتل كافية وان العقوبات الاخرى قادرة على الردع بشرط ان يتم تفعيلها.

الأسرة والمدرسة

 وفى نفس السياق تشير  الدكتورة نوران فؤاد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عيد شمس،  إلى أن غياب التنشئة الاجتماعية السليمة من الأسرة  و غياب دور المدرسة والجامعة المتهم الرئيسى فى انتشار مثل هذه الجرائم كونهم اللاعب  الأكبر فى تنشئة الفرد وتعديل سلوكه وليس من خلال تعديل قوانين عقابية بعد ارتكاب الجريمة .

 وتوضح أن  الطفل الجانح أو الطفل فى مرحلة المراهقة يحتاج إلى متابعة وتقييم نفسى واجتماعى من خلال الأسرة فى المقام الأول وأيضا فى المدرسة من خلال أن يقوم كل بدورة الأخصائى الاجتماعي، مدير المدرسة، وكيل المدرسة، مؤكدة أن المشكلة لو حلت فى بدايتها داخل المدرسة بعد أن يقوم كل منهم بدوره ما كانت قد تصل إلى جريمة.

التجديد الثقافى

وتقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن هناك مغالطة فى اعتبار الفرد طفلا فى سن 18 عاما، مؤكدة أن هناك عددا من الاتفاقيات الدولية صنفت من هم فى سن 18 عام وما أقل كأطفال» وهو ما يخالف العلم بحيث أن مرحلة الطفولة تنتهى فى سن 13 عاما .

 واضافت، أن الطفل يمر بعده مراحل مختلفة منذ الولادة وحتى بلوغ سن الرشد وهو من 20 إلى 21 عام وتختلف من شخص إلى آخر، ولهذا تنتهى الطفولة المتأخرة فى سن 13 عاما وتبدأ من 9 أعوام، ليبدأ بعدها سن المراهقة والذى يبدأ من سن 13 عاما وحتى 20 عاما وصلا إلى سن الرشد لمن هم فوق 21 عاما .

 وترى أن الحل هو  تبنى الدولة بكافة مؤسساتها  التجديد الثقافى للمجتمع، من خلال الوعى بأهمية التنشئة النفسية واللجوء إلى العلاج النفسى فى حال تطلب الأمر، مشيرة إلى أن الوصم المجتمعى لفكرة اللجوء إلى الطبيب النفسى لابد أن يواجه من خلال تعزيز ثقافة المصريين بأهمية التنشئة والعلاج النفسى .

 وتوضح  أن سبب  انتشار هذه الجرائم التى ترتكب من قبل من هم دون 18 عاما هو تعرضهم لبعض الامراض النفسية أو بسبب بعض مشاكل التنشئة والتربية داخل الأسرة والتى تنشغل عن أطفالها دون النظر عن سلوكهم واستقرار الشخصية.

وتضيف  أن الدراما والسينما عامل مساعد ايضا فى تفشى الجرائم فى سن الطفولة وصولا للمراهقة وذلك بسبب ما تقدمه من صورة سيئة تزرع صورة ذهنيه خاطئة لدى الأطفال نتاج تصدير المجرمين على أنهم «أبطال» .. بالاضافة إلى الالعاب الاليكترونية العنيفة.

 دراسات قانونية

ويقول المستشار عبد الستار إمام، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق ، إن قانون الطفل لم يتم إعداده بناء على  دراسات قانونية فقط ولكن تطرق إلى الجوانب النفسية والاجتماعية وغيرها من الأمور التى جعلت المشرع يستقر على تحديد سن معين للطفل..  ويضيف أن تعديل أى قانون لا يكون بناء على قضية واحدة أو بناء على انفعالات فى وقت قصير، ولكن يكون من خلال دراسات هادئة متأنية تراعى كافة الجوانب النفسية والاجتماعية والعلمية .

ويوضح رئيس نادى قضاة المنوفية، أن المحكمة لها سلطة فى تحديد العقوبة المناسبة من خلال استخدام أقصى عقوبة، مؤكدا أن القاضى الجنائى يدرس القضية جيدا ويراعى كافة الظروف المحيطة وله الحق فى توقيع أقصى عقوبة نص عليها القانون.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة