كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

حفلة الرجل الكبير !

كرم جبر

الأحد، 03 نوفمبر 2019 - 07:26 م

علامات الشيخوخة هى أن يتصور صاحبها أن العشر بيضات لا تزال بجنيه، ورطل اللحمة بربع جنيه وخروف العيد بستة جنيهات، «خد يا حبيبى جنيه اصرف منه وحوش الباقي».
وعندما يكبر الجد يطمع فيه الأبناء والأحفاد، خصوصاً إذا كانت لديه ثروة وممتلكات.. وتبدأ الشيخوخة بانفلات الزمام، وعدم القدرة على الحسم واتخاذ القرارات، فيصبح صيداً مستهدفاً من أقرب الناس إليه.
ومن هواجس الشيخوخة الحديث الدائم عن محاسن الماضي، والمواقف العظيمة لناس زمان، «كنا بناكل اللحمة مرة فى الشهر»، و»بنطلون وقميص أول كل سنة»، وعملنا فلوسنا من التدبير.
المستمعون يصدقون ولا يؤمنون، الطيب منهم «يأخذه على قد عقله» «فعلاً يا جدى البيض بقى غالى جداً النهاردة البيضة بشلن»، واللئيم يسخر منه ويُضحك الآخرين عليه، والشرير يخطط للجلوس على عرشه.
وتتحول الثروة إلى لعنة، ويخطط كل واحد لـ «هبر» أكبر قطعة من التورتة، الأولاد يطمعون فى نصيب البنات، والابن الأكبر أنانى وأحمق، والأصغر «حبيب جده» ومرتمى فى حضنه.
وتظهر زوجات الأبناء فى الحفلة، وما أدراك ما زوجات الأبناء، الغيرة والحسد والنفسنة، وكل واحدة تريد أن تزيح الأخرى، وجميعهن يرفعن مقولة «متسبش حقك عشان ولادك».
هذا ما نسميه تركة الرجل المريض، عندما تتكالب عليه قوى لا يقدر عليها، ويعجز عن فهم الواقع، ويعيش عالماً من الخيال، فتكون نهايته المحتومة، تفكك مملكته وانهيار تماسكها، وطمع الأقرباء قبل الأعداء فيها.
>>>
العرب يعيشون حقبة الرجل المريض، وهو لقب اشتهرت به الدولة العثمانية فى نهاية القرن التاسع عشر، وأطلقه عليها نيكولاى الأول قيصر روسيا، بعد أن تلقت هزائم كثيرة، جعلت الجميع يطمع فى أملاكها التى شملت كثيرا من الكرة الأرضية.
يعانى الوطن العربى فى السنوات الأخيرة من أعراض الرجل المريض، الذى عجز عن فهم متغيرات الواقع، وتعامل مع شعوبه بطريقة «عشر بيضات بجنيه» دون أن يدرك أن الدجاجة لم تعد تبيض، وتجاهل الأسباب الحقيقية التى تقود إلى الانهيار.
وفى الدول التى هبت عليها لفحات الجحيم العربي، كانت الأعراض متقاربة، أهمها تأبيد السلطة واستفحال الفساد وإهمال التعليم والعجز عن استثمار الموارد وتنامى الفقر وزيادة عوامل التهميش والإحساس بالظلم.
مرض العرب المزمن هو التغنى بأمجاد الماضي، مثل الجد العجوز الذى لا يزال يرى صالح عبد الحى هو مطرب الشباب، دون أن يدرك أن الشباب العربى يرقص من سنوات طويلة «روك اند رول»، ومعناها «اهتز وتمدد وانتشر»، وأن الأجيال الجديدة تهاجر إلى بلاد العجم، وكأنها بلدانها الأصلية بفعل ثورة الاتصالات المذهلة.
المجتمعات العربية تستخدم مقولة «الحكم الرشيد» دون رشد، ومعناها البسيط «الأمان النفسي»، الذى يجعل الجميع مطمئنين على حاضرهم قبل التغنى بماضيهم، ودون أن يصبح الماضى كهوفاً يحشرون فيها مستقبلهم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة