جانب من مؤتمر ميرك الأفريقى السادس بغانا لمناقشة مستقبل الصحة والتعليم فى أفريقيا
جانب من مؤتمر ميرك الأفريقى السادس بغانا لمناقشة مستقبل الصحة والتعليم فى أفريقيا


مستقبل أفريقيا فى ٦٦ شارع جمال عبد الناصر

عمرو جلال

الأحد، 03 نوفمبر 2019 - 11:16 م

 

«عروس النيل» تحارب الفقر والسرطان والعقم فى القارة السمراء


اهتمام أفريقى ورئاسى بمبادرة «ادرس فى مصر»

 

كان الغروب قد حل عندما وصلت إلى مطار كاتوكا فى العاصمة الغانية أكرا... زخات مستمرة من المطر لا تتوقف مع حرارة مرتفعة.. هكذا هى طبيعة تلك الدولة الأفريقية الإستوائية.. أحب الأراضى السمراء، تستهوينى الابتسامات ناصعة البياض والقلوب الطاهرة مثل الطبيعة البكر التى لم تلوثها بعد عوادم التقدم الصناعى.

 

غانا لمن لا يعرف هى جمهورية أفريقية على الساحل الشمالى لخليج غينيا الواقع فى غرب أفريقيا، تمتلك ثروات طبيعية كبيرة وتطلعا للتقدم ورغم مرور السنوات والعقود وتعاقب الأجيال لم تنس قارة أفريقيا قادتها وزعماءها الذين كافحوا كفاح الأبطال حتى تتحرر من الاستعمار الأجنبى وحتى تنعم شعوبها بخيراتها.

 

ومن هؤلاء القادة الذين حفروا أسماءهم فى قلوب وعقول الكثير من الأفارقة، الزعيم جمال عبد الناصر وصديقه الصدوق الزعيم الغانى الراحل كوامى نكروما صاحب التحدى الكبير فى تحرير بلاده من المستعمر الإنجليزى وتنميتها والذى آمن بأن أبناء أفريقيا هم من سينتزعون حريتهم وسيصنعون مستقبلها المشرق.

 

ومنذ عدة أيام تلقيت دعوة كريمة لحضور فعاليات مؤتمر ميرك الأفريقى السادس بغانا لمناقشة مستقبل الصحة والتعليم والابتكار فى أفريقيا.. وصلت العاصمة «أكرا» وهناك توجهت إلى عنوان انعقاد المؤتمر.. ٦٦ شارع جمال عبد الناصر.. أحد أكبر شوارع العاصمة التى تضم أعرق فنادقها وأكبرها.

 

مصادفة أعتقد كان لها مدلولها فالعلاقات بين كل من مصر وغانا تعود إلى حقبة التحرر الوطنى، والتى شهدت علاقات وطيدة خاصة عندما تزوج نكروما من فتاة مصرية، ففى أحد أيام عام 1957 كان الرئيس الغانى نكروما يزور إحدى الكنائس فى مصر، وهناك شاهد الفتاة «فتحية» وانبهر بشخصيتها وجمالها وقرر على الفور الارتباط بها بعد أن تحدث معها وعرف اسمها وعنوانها وفى اليوم التالى تقدم نكروما لخطبة الفتاة المصرية، إلا أن طلبه قوبل بالرفض من جانب والدتها التى خشيت أن ترحل ابنتها عنها.


مصاهرة مصرية


وفى اليوم الثالث دق جرس منزل أسرة فتحية وكان الطارق هو الرئيس جمال عبد الناصر الذى التقى بالأم، وسألها عن سبب الرفض فأخبرته أن ابنتها ستسافر وتعيش بعيدا عنها ولا تستطيع رؤيتها، فقال لها ناصر إنه قرر افتتاح سفارة هناك وسيكون بين القاهرة والعاصمة الغانية أكرا خط طيران مباشر ويمكنها أن تسافر لها فى أى وقت.


حينها اطمأنت الأم لحديث الرئيس عبد الناصر، ووافقت، وفى الأول من يناير من العام 1958 أقيم حفل الزفاف فى مصر وسافر الزوجان لغانا وخلال أشهر قليلة، أصبحت فتحية وقد أطلق عليها اسم فتحية نكروما سيدة غانا الأولى ومحبوبة الجماهير والشعب الغانى، كما أطلقوا عليها «عروس النيل»، وأنجبت من نكروما 3 أبناء هم جمال وسامية ونبيل ولاتزال سامية تعمل فى مجال السياسة وتحظى بشعبية كبيرة.


بعد دقائق من تناول الإفطار فى الفندق المطل على شارع جمال عبد الناصر والقريب من ضريح نكروما الضخم معشوق الجماهير الغانية.. بدأت أولى جلسات المؤتمر.. مستقبل أفريقيا وتنميتها.. المؤتمر افتتحه الرئيس الغانى نانا أكوفو أدو وزوجته السيدة الأولى ربيكا أكوفو والدكتورة رشا قلج الرئيس التنفيذى لمؤسسة ميرك الخيرية الدولية... الجلسة الأولى شهدت مشاركة ٩ من زوجات الزعماء الأفارقة ووزراء فى مجال التعليم العالى والبحث العلمى والصحة على مستوى القارة الأفريقية.

 

جلسات المؤتمر استعرضت على مدار يومين بعض التجارب والخبرات الدولية فى القطاعات المختلفة للعمل على وضع إستراتيجية قوية لبناء قدرات التعليم والرعاية الصحية وتوفير التدريب اللازم لإنشاء منصة قوية من الخبراء فى مجال مرض السكرى وارتفاع ضغط الدم ورعاية السرطان والخصوبة فى الدول الأفريقية والعمل على مواجهة العادات الخاطئة فى القارة مثل وصمة عار العقم.. وافتتح البروفيسور فرانك ستانجنبرج رئيس المجلس التنفيذى لميرك الدولية فعاليات الجلسة الأولى التى ناقشت مع عدد من الخبراء المساهمة فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأفريقيا.


عروس نيل أخرى يجب أن نشير إليها بالبنان هنا ونفخر بها فهى العقل المدبر لهذا المؤتمر الأفريقى المهم وللعديد من مبادرات التنمية فى أفريقيا وهى شخصية أصبحت ذائعة الصيت والشهرة فى أفريقيا... الدكتورة رشا قلج أول سيدة مصرية يقع الاختيار عليها لرئاسة واحدة من أكبر مؤسسات الأعمال الخيرية غير الهادفة للربح فى ألمانيا.. وهى ابنة محافظة الأسكندرية وحازت على ألقاب وجوائز عديدة من عدة دول أفريقية لاهتمامها بقضايا القارة السمراء فقد استطاعت رشا أن تصل بخططها الخيرية والتنموية إلى أدغال أفريقيا وأكثر مناطقها فقرا واحتياجا وأن تطلق مشروعات تنموية فى مناطق النزاعات المسلحة وفى القرى التى تنتشر بها الأمراض الوبائية الخطيرة.


كما تمكنت من إقناع 15 سيدة أولى من زوجات رؤساء أفريقيا ليصبحن سفيرات حملتها التى تحمل عنوان «أكثر من مجرد أم» وشكلت الحملة طوق النجاة لمأساة تعيشها السيدات فى أفريقيا نتيجة الفهم المغلوط لأسباب العقم وعدم القدرة على الإنجاب والذى يصل إلى تعذيب المرأة العقيم وقطع أطرافها وهو أمر تعمل على محاربته.


وقالت د. رشا إن مستقبل القارة وتنميتها لن يكون إلا بتعليم جيد وتطوير الخدمات الطبية ومكافحة الأوبئة والعادات الخاطئة لذلك فالمؤتمر شهد فى دورته السادسة مشاركة واسعة من أكثر من ألف من مقدمى الرعاية الصحية وواضعى السياسات التعليمية والأكاديميين والباحثين من أفريقيا وتم عقد جلسات للتنمية التعليمية والاجتماعية بمشاركة وزراء التعليم والصحة وعقد محاضرات لخبراء الدوليين فى مجال السكرى والخصوبة والأورام وصحة المرأة، وأمراض القلب بهدف زيادة الوعى الصحى وتحسين إدارة الأمراض والكشف المبكر والوقاية، وتحسين الوصول إلى حلول الرعاية الصحية الجيدة والعادلة فى جميع أنحاء القارة وبمشاركة ٤٣ دولة أفريقية من بينها، مصر ونيجيريا وأنجولا وبنين وبوتسوانا وبوركينا فاسو وبوروندى، والكاميرون وتشاد، وكوت ديفوار، وغينيا والعديد من الدول الأسيوية والأوروبية.


التعليم والصحة


أهم جلسات المؤتمر كانت الجلسة الوزارية رفيعة المستوى والتى شارك فيها وزراء الصحة والإعلام والتعليم والعلوم لعدة دول أفريقية وأدارتها الدكتورة رشا باقتدار وناقشت تحديات وإستراتيجيات بناء القدرات فى مجالى التعليم والرعاية الصحية وتمت الإشارة فيها إلى معوقات التنمية وأجمع الحضور على ضرورة زيادة الاستثمار والتعاون لتحقيق أى تنمية حقيقية فى أفريقيا.

 

مع هذا التواجد الأفريقى الكبير بالمؤتمر عملت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بالقاهرة على الترويج لمبادرة «ادرس فى مصر» التى أطلقتها لجذب الطلاب الأفارقة للدراسة فى مصر. وتقول دكتورة رشا كمال رئيس الإدارة المركزية لشئون الطلاب الوافدين إن مشاركتها فى المؤتمر كانت فرصة لعمل لقاءات مع زوجات الرؤساء الأفارقة والمشاركين والتحدث معهم عن المبادرة ومميزات الدراسة وتحفيزهم على إرسال بعثات تعليمية إلى مصر خاصة مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى واهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى حرص على وضع تلك المبادرة تحت رعايته ووجه بمضاعفة عدد المنح الدراسية للطلاب خاصة من أفريقيا وتوفير كل التسهيلات .

 

وهو ما حدث وأوضحت أن حوالى ٦٠ فى المائة من الطلاب الأفارقة أصبحوا يستهدفون التعليم الطبى وفى مقدمتهم السودان وتشاد وموريتانيا وأشارت إلى أن المبادرة وفرت دراسة اللغة العربية بمصروفات قليلة لمدة عام لإزالة حاجز اللغة وأشارت إلى أن المبادرة تهدف إلى تعميق علاقات التعاون مع مختلف الدول وخاصة فى أفريقيا وجذب الطلاب الوافدين للدراسة فى مصر، وزيادة تفاعلهم واندماجهم فى المجتمع من خلال ممارستهم للأنشطة المختلفة ثقافية، وفنية، ورياضية وتعريفهم بالإمكانيات المختلفة للجامعات المصرية، فضلاً عن تقليل شعور الاغتراب لديهم، وزيادة تفاعلهم مع أقرانهم من الطلاب المصريين.

 

وأعربت زوجات الرؤساء عن اهتمامهن بالمبادرة وتفضيلهن لإرسال بعثات تعليمية إلى مصر لما تتميز به من قرب جغرافى وتقدم على مستوى الجامعات الأفريقية وحرصت ممثلة وزارة التعليم العالى على تقديم درع الوزارة لتكريم الدكتورة رشا قلج لدورها فى توفير وزيادة منح التعليم الأفريقية الوافدة إلى مصر.


تكريم معهد الأورام


حرصت إدارة المؤتمر خلال فعاليتها على تكريم المعهد القومى للأورام بالقاهرة لدوره فى تدريب الأطباء الأفارقة فى تخصصات علاج الأورام حيث يعتبر المعهد وأطباؤه من أفضل المعاهد العلمية فى الشرق الأوسط وأفريقيا وحصل على التكريم دكتور طارق خيرى أستاذ جراحة الأورام ووكيل المعهد القومى للأورام لشئون الخدمة والمجتمع والدكتور عماد شاش مدير مستشفى الثدى بالمعهد القومى للأورام التابع لجامعة القاهرة وتحدث د. طارق وهو قامة خلال الجلسة العلمية عن أورام الرأس والرقبة وطرق العلاج الحديثة والجراحة والعلاج الكيمائى.


وأشار د.خيرى إلى أن المعهد أصبح يستقبل كل عام عددا متزايدا من الأطباء من عدة دول أفريقية لتدريبهم لمدة عامين يعقبها منحهم ماجيستير معتمد فى علاج الأورام أما الدكتور عماد شاش إحدى القامات العلمية والبحثية المتميزة فى مصر فتحدث خلال الجلسة العلمية عن أورام الثدى وطرق العلاجات الحديثة المختلفة وحاز على اهتمام الحضور من الأطباء.


وأكد شاش أن إجمالى الحالات التى يقوم المعهد القومى للأورام بعلاجها حوالى 20% من الحالات فى مصر، وأن مستشفى الثدى هو أول مستشفى لعلاج سرطان الثدى فى مصر، منذ عام 2013، ومنذ بداية المستشفى وحتى 2019، تم تسجيل 267 ألف زيارة مريض ومترددة وأجريت 86 ألف جلسة علاج كيماوى وثمانية آلاف عملية جراحية وكل ذلك تم بالمجان داخل المستشفى.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة