عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

‎ما اغتنى غنى إلا بفقر فقير

بوابة أخبار اليوم

السبت، 09 نوفمبر 2019 - 07:46 م

‎يتحاشى المشاركون فى مؤتمر «دافوس» السنوى معالجة إحدى أهم الإشكاليات والقضايا، التى تشغل اهتمام الرأى العام الدولى خصوصا فى الدول الفقيرة والتى تهم الجدوى من الثراء العالمي، إذا لم يكن هذا الثراء فى خدمة الرفاه البشرى فى مختلف بقاع المعمورة، سيما وأن المشاركين فى هذا المنتدى العالمى ليسوا إلا الماسكين بقبضة من حديد على مصادر الثراء العالمي.
ويصر فاحشو الثراء فى العالم على رفض الحديث عن أية إمكانية لتضريب الثروة، ويبررون ذلك بكون سن مزيد من الضرائب من شأنه إضعاف النمو، لأنه سيقلص من مناصب الشغل وسيضعف الادخار. والحقيقة أن هذه مجرد تبريرات للحفاظ على الوضع، الذى مكن أسباب الهيمنة والسيطرة على مصادر الثراء العالمى من البقاء سائدة وتظل بعض الأوساط الاقتصادية والسياسية العالمية متحكمة فى القرارات الاقتصادية العالمية، بما يحفظ لها الاستمرارية فى بسط نفوذها المطلق ومواصلة مراكمة الأرباح المالية الطائلة والمهولة.
‎ومن المؤكد فإن الإحصائيات التى نقلها الباحث المختص «جيمس هيكل» الأستاذ فى كلية لندن عن منظمة الأمم المتحدة حول تدبير الثروة فى العالم يكشف حجم المؤامرة الدولية التى تجعل الثراء العالمى فى خدمة الأقوياء، وهكذا، فإنه يظهر فيها أن الثروة فى العالم تقدر قيمتها بـ 223 تريليون دولار ( 223 ألف مليار دولار )، وهى موزعة على أكثر من سبعة مليارات شخص فى العالم بأسره، إلا أن هذا التوزيع يتسم باختلالات فظيعة جدا، ذلك أن واحدا بالمائة فقط من سبعة مليارات شخص يستحوذون على 43 بالمائة من حجم الثروة العالمية بيد أن 80 بالمائة من السبعة ملايين شخص لا يحصلون إلا على ستة بالمائة من قيمة الثروة العالمية، وهذا يعنى ببساطة أن الأقلية القليلة جدا تستحوذ على الجزء الأكبر من هذه الثروة، وأنها تقتطع لنفسها القطعة الكبرى من هذه الكعكة، وهكذا - يضيف الأستاذ «جيمس هيكل» - فإن 300 شخص من كبار أغنياء العالم، أو ما يمكن أن نسميهم بالأشخاص فاحشى الثروة يسيطرون على ما يعادل ما يملكه ثلاثة مليارات شخص فوق البسيطة.
كما يشير إلى مؤشر فى غاية الأهمية والدلالة، حينما يذكر بأنه قبل 300 سنة، كانت البلدان الغنية أغنى من البلدان الفقيرة بمعدل ثلاثة أضعاف، وانتقل المعدل خلال عشرية الستينيات من القرن الماضي، التى تزامنت مع فترة تحرر عدة دول من الاستعمار إلى ضعف خمسة وثلاثين مرة، فى حين أن هذا التفاوت والتباعد فى امتلاك الثروة وصل اليوم إلى معدلات خيالية، بحيث إن الدول الغنية تملك من الثروة العالمية ما تملكه الدول الفقيرة بضعف 80 مرة وهذا مؤشر مكتظ بالدلالات والحقائق التى تفيد بأن طبيعة النظام الاقتصادى السائد فى العالم حاليا، تكرس وتجذر التوجه نحو تعميق الفوارق والتفاوتات بين الطبقات وبين الشعوب، وبذلك فإذا ما تواصلت هذه الوتيرة فى التباعد بهذه السرعة، وربما بأسرع منها، فيمكن التوقع بأنه فى المدى المتوسط سيرتفع معدل التفاوت إلى ما لا يمكن توقعه.
‎كيف يحصل ذلك ولماذا يحصل؟ الجواب نجده فى طبيعة اللعبة المحكمة، التى تدار بها العلاقات الاقتصادية الدولية، ذلك- ودائما حسب نفس المصدر- فإن الدول الغنية تقدم بما يبدو سخاء كبيرا لما قيمته 130 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة والمحتاجة على شكل مساعدات، يقال إن الهدف منها مساعدة الدول الفقيرة على تسريع وتيرة التنمية فى أقطارها، بما يخدم مستوى عيش السكان هناك، لكن فى حقيقة الأمر، فإن ما تقدمه الدول الغنية فى هذا الشأن لا يمثل إلا فتات الفتات لما تحصل عليه من عائدات مالية خيالية من نفس الدول التى تدعى مساعدتها، بمعنى أنها تأخذ باليد اليسرى أضعافا مضاعفة لما تمنحه باليد اليمنى، حيث تنهب هذه الدول سنويا ما قيمته 2 تريليون دولار (2000 مليار دولار) وهو ما يعادل خمس عشرة مرة ما تعطيه باليد اليمنى، ويتحقق للدول الغنية هذا النهب المتواصل من خلال ثلاث طرق، حسب المختصين:
‎> من خلال العائدات الطائلة التى تحققها الشركات العابرة للقارات، التى تجنى من الدول الفقيرة ما قيمته 900 مليار دولار سنويا، ويتحقق لها ذلك، حسب العالمين بخبايا الأمور، بإبداعها فى فنون وأشكال التملص الضريبي، ولعلها تجد فى بعض الأقطار تربة صالحة لتفوقها المتواصل فى هذا الصدد، وهى التربة التى يمثلها الفساد المالي.
إن الإمر يتعلق بظلم أبدى وقاس تسخر لاستمرار سيادته منظمات دولية وأنظمة اقتصادية وعلاقات مخدومة ومحبوكة .
< نقيب الصحافيين المغاربة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة