إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

ميليشيات نجيب محفوظ!!

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 13 نوفمبر 2019 - 08:20 م

عندما أخبرتنى شاعرة قبل سنوات إنها لا تحب أدب نجيب محفوظ لم أنزعج. فالقراءة تخضع للذائقة الشخصية، ولولا اختلاف الأذواق لبارت روايات كثيرة! كنتُ مقتنعا أن الأمر لا يحتاج إلى مناقشة، فمن حقها ألا تنجذب لأعمال أديب نوبل، التى التهمتُ أنا غالبيتها العظمى بنهم فى المرحلة الثانوية، غير أننى وجدت أن اللياقة تقتضى عدم مواجهة كلامها بالصمت، لهذا سألتُها عن السبب، فاعترفت بأنها لم تقرأ له، لكنها توصلتْ لحكمها السلبى من الأفلام المأخوذة عن أعماله!!
بعيدا عن هزلية القصة السابقة، يظل الإقبال على كاتب أو الإعراض عن كتاباته واحدا من حقوق الإنسان، كما أن إفصاح أى شخص بوضوح عن عدم تذوقه لرواية ما، يندرج تحت باب الحرية الشخصية، لهذا تعجبتُ من ثورة الكثيرين على رأى أحمد مراد فى أدب محفوظ، خاصة أن الهجوم على الكاتب الكبير لم يتوقف قبل أو بعد حصوله على نوبل، دون أن يؤثر ذلك فيه حيا، ولا نال منه بعد رحيله.
لا يخلو الوسط الأدبى من معارك شبه مُستمرة، دون أن يمتد غبارها خارج دائرتها المحدودة، حتى لو تضمنت هجمات سافرة على عمالقة الإبداع، غير أن الوضع اختلف هذه المرة، وأجرت فضائية شهيرة اتصالا بصاحب «الفيل الأزرق»، ليوضّح أنه كان فى ندوة بمعرض الشارقة، أكد خلالها أن تحويل رواية مثل «السراب» إلى فيلم سينمائى حاليا، يجب أن يتم بأسلوب عصرى، يختصر بعض أحداثها البطيئة، كى تتناسب مع الإيقاع السريع للجيل الجديد، وفوجئ بعدها بصحيفة شهيرة تنسب إليه مقولة: «روايات نجيب محفوظ لا تصلح لهذا الزمن».
بعيدا عن التصريح، سواء كان صحيحا أو مُحرّفا، تظل الضجة مفتعلة من وجهة نظرى، فمن حق كل قارئ أن يميل لأديب ويبتعد عن كتابات آخر. جميعنا نعقد مقارنات بين كتّاب كبار، ويُعلن كل منا انحيازه لمن هو أقرب لهواه، والهوى فى القراءة ليس شرا مُطلقا، غير أنى أعترض تماما على حديث مراد عن عدم ملاءمة الأدب القديم لإيقاع الأجيال الجديدة، لأن السرعة أو البطء عنصران يخضعان فقط للسياق الدرامى، أما اعتبار تسارع الأحداث هو الأكثر ملاءمة للعصر، فيُشبه مقارنة أغنيات أوكا وأورتيجا بإبداعات أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم.
أعتقد أن جانبا من الثورة على أحمد مراد لا يمضى فى سياق الدفاع عن محفوظ، وإن بدا كذلك ظاهريا، بل أراه تنفيثا صارخا عن رفض لواقع مقلوب، يتصدّر فيه الكاتب الشاب المشهد ويحظى بآلاف القراء وملايين الجنيهات، رغم تجاهل النقد لكتاباته لأنها بالغة السطحية، بينما يظل مبدعون راسخون فى دائرة الظل، لا يبحثون فقط عن قارئ خارج الوسط الثقافى، بل إنهم فى أحيان كثيرة لا يجدون ناشرا لإبداعاتهم إلا بطلوع الروح، وهكذا منحهم رأيه الأخير فرصة تفجير غضبهم المكبوت منذ سنوات.
فى اعتقادى لا يحتاج نجيب محفوظ إلى ميليشيات للدفاع عنه، حتى فى حالة تعرض إبداعه لقصف مباشر. ولأن العمل الأدبى ليس معصوما من النقد، فإننى أنحاز لحق أحمد مراد فى الانتقاد كما يشاء، لكنى لا أقبل أن يجعل من كتاباته وأمثالها علامة مُسجّلة، تتضمن مواصفات قياسية للانتشار السريع بين الأجيال الجديدة، خاصة أن الرداءة أصبحت هى الحصان الرابح فى السنوات الأخيرة، فلم يعد الانتشار دليل تميز، كما أن عزوف القُرّاء لا يُعد دليلا على انتهاء صلاحية مُنتج إبداعى جيد، لهذا أقول للغاضبين: لا تخافوا على الماس لأنه مُقاوم للشروخ، وركّزوا على ترابه الذى يُخفى الأدب الحقيقى عن الأنظار!!

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة