أسامة عجاج
أسامة عجاج


فواصل

العراق وأساس الأزمة

أسامة عجاج

السبت، 16 نوفمبر 2019 - 08:43 م

بعيدا عن التطورات اليومية للحراك الشعبى فى كل من العراق ولبنان، المستمر منذ أسابيع، فهناك مشترك بينهما، وهو نوعية المطالَب التى تجمع بين تحسين الامور المعيشية من جهة، وبين انهاء الطائفية والمحاصصة فى البلدين، ومن السهل ان نكتشف ان الظاهرة قد تكون متجذرة فى لبنان، ولكنها حديثة فى العراق - وهو موضوع مقالنا - حيث بدأت بعد غزو بغداد فى ٢٠٠٣، وتشكيل «سلطة الائتلاف المؤقتة» التى ترأسها الحاكم الأمريكى بول بريمر، وكانت أولى خطواتها حلّ الجيش العراقى والأجهزة الأمنية، والتى مهدت لتغيير البنية الأمنية والإدارية للعراق، بالانحياز إلى الشيعة بحكم دعمهم للاحتلال، واستبعاد السنة بحجة مقاومتهم للقوات الامريكية، ناهيك عن الخطوة المعروفة باجتثاث حزب البعث، الذى أصبح لاحقاً قانون المساءلة والعدالة، ومن خلاله تم أقصاء التكنوقراط، الذين كانوا يديرون الدولة فى مرحلة ما قبل الغزو حيث ساهم بريمر فى بلورة المشهد السياسى على أساس مقوّمات الهوية الطائفية، تحت عناوين التوافق وتقاسم السلطة، وهو ما نص عليه الدستور الدائم الذى تم إقراره عام ٢٠٠٥، ومنذ ذلك التاريخ عاشت العراق - ولا يزال يعايش - تبعات هذه المرحلة الانتقالية، من فوضى الاقتتال، وضعف مؤسسات الدولة، وانتشار الفساد، والاحتجاجات الشعبية.
وسعت إيران منذ ذلك الوقت، إلى التوغل داخل المجتمع العراقى تحت سمع وبصر الاحتلال الامريكي، فى تقاسم للنفوذ يتوازى مع تكريس الطائفية، كهدف يجعل تدخلها فى شئونه السياسية أمراً تلقائيا، من دون ان تواجه تهمة التدخل فى شئون بلد ذى سيادة، حيث خلقت لها قاعدة شيعية مؤيدة لتوجهاتها، تحت ذريعة وحدة المذهب، وضرورة التزام الشيعة بولاية الفقيه، وكانت النتيجة حكومات عراقية ضعيفة، ونخبا سياسية تدين بالولاء والطاعة لإيران، ويكفى هنا أن نقول إن مجلس الحكم الانتقالى فى العراق، الذى أقره بريمر جاء مجلساً طائفياً ذا صبغة شيعية ١٣ من أصل ٢٥ عضوا، وبعدها انفتحت الحدود بين البلدين، كما ان تسريح الجيش العراقى سمح بتكوين ميلشيات شيعية طائفية، بدأت من الجنوب مع دعم إيرانى لحزب الدعوة الإسلامية الشيعى وجعلت ثقل مركز الحكم فيه، وكذلك المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذى اعتبره البعض إحدى أذرع إيران السياسية فى العراق، وان كانت الخيارات الايرانية قد اختلفت فى الآونة الاخيرة واستقرت على قيادات مثل هادى العامرى زعيم كتلة الفتح، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
وكان الفساد احد روافد الطائفية وتقاسم السلطة، حيث تجاوزت قيمته ثلاثمائة مليار دولار، أما إهدار المال العام فالحديث غير الرسمي، يدور حول أكثر من ثمانمائة مليار دولار خلال الـ ١٥ سنة الماضية، وكانت النتيجة تردى التعامل مع أساسيات حياة الناس، والخدمات التى يجب أن تقدمها لهم الدولة، فلا يمكن تخيل أن تكون هناك فى بلد نفطي، أزمات حادة ومزمنة وواسعة الانتشار فى الخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والماء والعلاج والارتفاع العالى فى نسب البطالة بين الشباب المتعلم، ولعل نجاح الحراك الشعبى العراقى فى انهاء الطائفية والقضاء على تقاسم السلطة، يمثل الخطوة الكبرى فى وضع حد للازمة التى يعيشها العراق، مع الدعوة لإجراء تعديل على قانونى الانتخابات، والمفوضية العليا للانتخابات، وتعديل الدستور ومحاسبة الفاسدين، وحصر السلاح بيد الدولة وهو إشارة واضحة لتحديد مستقبل الحشد الشعبى والفصائل المسلحة.
انهاء الطائفية والمحاصصة يبدو مهمة صعبة، ولكنه ليس مستحيلا، والحراك الشعبى يمثل الخطوة الاهم فى مسيرة الألف ميل.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة