علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

الحياة داخل فقعة هائلة!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019 - 06:17 م

حيوات ملايين البشر صارت تعيسة، بل إن هناك من يفقد حياته انتحاراً، أو يتنازل عن راحته وسعادته بسبب إدمان الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعى!

السبت:
ما كان يمكن أن يصبح نعمة للانسان، بات نقمة عليه!
الانفجار المعلوماتى لم يعد يصب فى مصلحة البشر غالباً، وإنما قنابل تتشظى معها العقول والضمائر بفضل التزييف والتضليل، والارقام هنا لاتكذب، ومن المستحيل تجميلها.
نادراً ما يكون الرد الذى استمع له مغايراً:
- لقد قرأتها على الانترنت.
أو إذا اختلفت الاجابة فلا تتجاوز معنى قريباً:
- تابعت الخبر وتطوراته على الفيس.
وللأسف لايخرج المحتوى عن كذب وافتراء مهما تم تغليفه بغلالة من حرير.
الرقم الذى كشفت عنه شركة فيسبوك لابد أن يثير الهلع والرعب - دون أدنى مبالغة - فحين تحذف ٣٫٢ مليار حساب مزيف خلال ٦ شهور، فضلاً عن ملايين المنشورات السوداء، وبمعدل يتجاوز النصف مليار حساب -فى المتوسط- شهرياً، فإن إطلاق الأجراس الصاخبة، وإضاءة اللمبات الحمراء ما يجب أن نسارع للمبادرة نحوه، قبل وقوع المزيد من الضحايا للواقع الافتراضى عبر الشبكة العنكبوتية، التى تلتف خيوطها حول الرؤوس والرقاب، بعد أن تحولت إلى حالة من الادمان عند ملايين البشر، من مختلف الأعمار والثقافات.
الاكاذيب بالمليارات، والشائعات مثلها، والادعاءات ربما تفوقهما!
حيوات ملايين البشر صارت تعيسة، بل أن هناك من يفقد حياته انتحاراً، أو يتنازل عن راحته وسعادته اكتئاباً وبؤساً بسبب إدمان الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تحولت -عملياً- إلى تكريس التباعد، بل التشرنق حول الذات، وافتقاد مهارات التعامل السوى مع الآخر، ولو كان ذا قربة، ولم يعد غريباً أن تجرى محادثة أو حوار بين من يسكنون ذات البيت عبراللاب أو المحمول، وكأن ما يفصل بينهما بحار وجبال!
الغريب حقاً، وهذا عن تجربة، ان من تحاول تحذيره، ويهمك أمره وسلامته من مخاطر التعرض دون حدود أو ضوابط أو محاولة لفلترة المحتوى الذى يتعرض له طوعياً، إذ به يفاجئك:
- نعم أنا متأكد من كذب ما أقرأ.
أو يدهشك بقوله: فعلاً أنا على يقين من تلفيق وزيف ما أشاهد، ولكن دعنا نتسلى «!!»
هذه النماذج، ومن على شاكلتها يستهويهم الحياة داخل فقعة هائلة، وقد يكون ثمن استمراره خسارة عقله، أو سلامه النفسي، وربما حياته ذاتها، ولاحياة لمن تنادى وتحذر متوسلاً، أو داعياً للتمسك بأهداب الواقع، بدلاً من التسليم التام لعالم افتراضى أقرب إلى النداهة التى تدفع ضحاياها نحو «سكة الندامة» أو نحو حافة الهاوية.
ربما يكون ذلك التحذير الأخير!
لعنة الشاشات!
الأحد:
- بلاها تواصل اجتماعي، ها أنا أعود لجلستى المفضلة أمام الشاشة الصغيرة.
هكذا كان لسان حال من استجاب للتحذير الأخير، لكن ليته ما استجاب، فالبديل الذى يبشر به لاتقل مخاطره عن التعرض لوسائل التباعد الاجتماعى التى تنشر -أغلب الاحوال- زيفاً وتضليلاً وكذباً!
ما يتعرض له الابناء والاحفاد، بل من يجلسون فى مقاعد الاباء، وربماالاجداد خطير، خطير.
الدراما التركية، والرؤية التى يجسد من خلالها الايرانيون عرضهم للشخصيات والاحداث الدينية هدفها غسل الادمغة، وإعادة صياغة الافكار والمعتقدات، والبديل مسلسل هندى أو اسبانى أو مكسيكى مدبلچ باللهجة الشامية، فإذا بك أمام شىء اقرب للمسخ!
مليارات يتم ضخها، ليس فقط لانتاج دراما موجهة تخدم اغراضاً سياسية وايديولوچية، وانما لانتاج افلام وثائقية، تفتقد لشروط هذه النوعية من الافلام، على طريقة دس السم فى العسل، وحتى التغطيات الاخبارية لاتخلو من هوى وغرض يفقدها أبسط القواعد المهنية المفترض الاحتكام إليها فى أى وسيلة اعلامية نزيهة.
إنه حصار الادمغة عبر كل الشاشات، فأين المفر؟
مرة أخرى لا اجد سوى لعب دور المحذر، وأتساءل:
- ألم تجد سوى هذه القناة لتتابعها؟
- أليس هناك بديل للمسلسل التركى الذى سلب عقلك؟
الرد بسيط لكنه مفحم:
> دلنا أنت على بديل يثيرشغفنا، ويدفعنا للضغط على الريموت لتحويل الشاشة إلى قناة أخرى.
الحقيقة المُرة؛ إن تجاوز المأزق يستدعى امتلاك رؤية وتكنيك مختلفين تماماً عماوقعنا فى أسره طويلاً.
المشهد الاعلامى درامياً، وبرامجياً، يثير ما هو أكثر من القلق. ثمة مبادرات طال انتظارها، لابد من خروجها للنور، وتفعيلها حتى تكون هناك استجابة حقيقية للناصحين من أمثالي، وإلا فلا ضرورة لأى رجاء بالحذر من لعنة الشاشات التى تلوث الوعي، وتسلب الألباب بزيفها وضلالها!
من ينقذ براءتهم؟
الاثنين:
- ممكن حضرتك تدق الجرس لأنى لا أستطيع الوصول إليه؟ نظرت خلفي، بينما كنت أتجاوز بوابة منزل جاري، فإذا بطفل يميل إلى القصر ملامحه توحى بأنه لايتجاوز العاشرة من عمره، يحمل ما ينوء بحمله رجل قوى.
هززت رأسى متسائلاً دون أن أنطق بكلمة.
عاد الطفل موضحاً: أنا أعمل ديلڤري، وجئت بطلبات لأصحاب هذا البيت، لكن الجرس بعيد عن متناول يدى.
قمت بالمهمة نيابة عنه، والحزن يعتصر قلبى.
انتهى صديقى من حكايته، لكنها لم تغب عن خاطرى لحظة.
أرقنى مصيره، وأقرانه ممن اجبرتهم الظروف على امتهان هذا العمل، فماذا يكون مصيره إذا وقع فى يد معدوم ضمير أو بلاقلب فأوقع به ضرراً أو أذى من أى نوع؟
تذكرت مشهداً مماثلاً منذ أشهر، عندما كنت فى طريقى لعيادة صديق مريض فى عمارة شاهقة، بطلته طفلة تسأل عن رقم شقة فى نفس الطابق الذى اقصده، وكانت تحمل طلبات أسرة مجاورة لشقة صديقي، وتعمدت يومئذ أن ابطئ خطواتى حتى غادرت المكان إلى المصعد، وهاجس يحدثني:
- ماذا لو وقعت ضحية شاب مستهتر أو امرأة بلا قلب؟
لكن السؤال الذى لم يغادرني: من ينقذ براءة أطفال الديلڤرى من مصير مجهول يتهددهم فى كل مشوار؟
عاجل اللواء راضى عبدالمعطى
الثلاثاء:
بين «نعم»، و«لا» ظل قلمى متردداً.
حسمت أمرى، بعد أن تيقنت أننى بصدد مشكلة عامة، تقترب من حدود الظاهرة فى بعض المناطق.
مشاكل التليفون الأرضى عادت لتفرض ظلها الثقيل على كثير من المشتركين. الأمر ليس شخصياً، وإن كنت أعانى منه.
التواصل مع «WE» يتطلب التسلح بصبر أيوب، حتى عندما يتم المراد، فان المكالمة تطول بلا عائد حقيقى، وتتكرر المحاولات، وبالتالى الوعود بالتدخل الحاسم وعودة الحرارة للجهاز الميت، وتمر الأيام والأسابيع والحال على ما هو عليه.
فى دوائر المعارف والجيران، وفى بريد القراء، وحتى عندما ذهبت إلى السنترال التابع له، هالنى حجم المضارين الذين شاهدتهم يئنون من تعطل مصالحهم، وعدم وجود بديل حينما تسقط الشبكة فى خدمة المحمول، وفى غياب خدمة التليفون الأرضى تنقطع عن الاتصال بالعالم، لاسيما إن كنت تقطن فى منطقة جديدة أو بعيدة، أو يقع مقر عملك بها!
حتى عندما لجأت إلى زميلى العزيز أحمد عباس المسئول عن تغطية قطاع الاتصالات، ولجأ بالتالى إلى من توسم فيه العون، والاسهام فى الوصول السريع لحل بعد عذاب، لم يسفر اللجوء لصحفى يمتلك علاقات قوية عن حلحلة للموقف المزمن.
نصحنى العارفون، والمجربون، ومن لهم سوابق مؤلمة مع «WE» باللجوء لجهاز حماية المستهلك، وعلى طريقة: وجدتها، تواصلت من فورى مع الجهاز لائذاً به عله يصبغ علىّ مظلة الحماية بعد أسابيع طوال من انتظار الفرج، وكومة من الوعود التى لم تتحقق.
بالفعل كانت المعاملة جد مختلفة، والتحرك سريعا، والمتابعة متواصلة، مع تأكيد بأن الجهاز تواصل مع «WE»، وأن الشركة وعدت خيرا، وأن المشكلة بعد نحو شهر ونصف الشهر سوف تُحل فوراً.
لا ألوم «حماية المستهلك»، فالجهاز اهتم وتعامل بجدية، وقام بما يجب أن يؤديه، غير انه ليس جهة فنية تمارس الحل بأدواتها، ولكن لماذا لا يتواصل رئيس الجهاز اللواء راضى عبدالمعطى مع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ويتبنى مشاكل بلا حصر للمصريين مع شركة الخدمة الأرضية، وشركات المحمول بعد أن تردت خدمات الاتصالات بصورة لا يمكن انكارها؟
المشكلة ليست شخصية، ولا محصورة فى قلة من مستخدمى الخدمة الأرضية. أو خدمة المحمول، لكن محيط الشكوى يتسع، ويتزايد، والاكتفاء بالتعامل «القطاعى» لن يجدى.
تدخل اللواء عبدالمعطى، مع جهاز تنظيم الاتصالات، والادارات العليا لشركات الاتصالات مسألة لم تعد تحتمل التأجيل.
ثم لماذا لا يتم التفكير جديا فى فتح مجال المنافسة بالنسبة للخدمة الأرضية، بدلا من احتكارها على نحو يغرى بالتعامل مع المشتركين، باعتبار ان ليس لهم سند ولا صاحب ولا دية؟!
سيادة اللواء راضى عبدالمعطى ليس لنا بعد الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى، إلا اللجوء لك ولجهازك، وإنا لمنتظرون.
ومضات
> اذا أردت ألا تفشل، لاتكف عن المحاولة.
> صلابة الحق تهزم تصلب الباطل.. ولو بعد حين.
> أحياناً لايكون الموت مشكلة، بل الحياة بلا هدف أو غاية!
> الذى يعيش دائماً فى الماضي، يرى أن الغد نفسه   سيمضى مثل كل ما مضى!
> ضعف الطيب، لا قوة الشرير يحيل النهار ليلاً.
> إدمان الشعور بالمظلومية؛ يقود احياناً لميلاد ظالم كبير.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة