يوسف القعيد
يوسف القعيد


يحدث فى مصر الآن..

أطماع من أحرقوا إيتاى البارود

يوسف القعيد

الخميس، 21 نوفمبر 2019 - 06:51 م

لا أريد أن أمارس القسوة المشروعة ضد السلوك البشرى لبعض أهلى وناسى فى مصر الآن. ولكن لا مفر من ممارسة القسوة وجلد الذات بعد حادث الحريق الذى جرى فى عزبة المواسير التابعة لإيتاى البارود بالبحيرة. والذى حدث أنه يمر بالقرب من العزبة خط أنابيب ينقل البترول من الإسكندرية إلى القاهرة متروك للصدفة دون أى حراسة.
قال لى زميلى بالبرلمان سيد فليفل أن اثنين من سائقى التوك توك حفرا الأرض وكسرا المواسير لسرقة البنزين. فالقرية فيها سيارات وتكاتك وتحتاج البنزين وسعره غالٍ. الترعة المجاورة للعزبة أصبحت مليئة بالبنزين. وخرجوا كالمجانين. بنزين فوق سطح الماء. ترعة من البنزين. بنزين ببلاش. يا بلاش. ولدينا مثل شعبى منذ حكم المماليك يقول: البلاش كَتَّرْ منه.
أحدهم كانت فى يده سيجارة. كان يدخنها وهو يشاهد الذين أوشكوا على أن يفقدوا حياتهم لكى يصلوا إلى قليل من البنزين. أياً كانت الكمية. فالحياة أحياناً لا تساوى حتى الرغبة فى الحفاظ عليها. عندما رمى عقب السيجارة بعد أن استمتع بتدخينها. وهو يشاهد مأساة "أو ملهاة" الطمع البشرى الذى لم تعرفه الشخصية المصرية من قبل. وهكذا تحول الأمر إلى جحيم من النيران واللهب.
تضاربت الأرقام والبيانات التى صدرت عن الحادث. اللواء هشام أمنة، محافظ البحيرة، انتقل لمكان الحادث أعلن أن القتلى اثنان. وأن الجرحى 10، فى حين أن وكالات الأنباء والصحف المصرية وصلت بالقتلى إلى 10، والجرحى إلى عشرات. والخطأ فى العدد ربما يكون مقبولاً فى الليمون فقط. فلو أن مصرياً واحداً قتلته الصدفة. لوجب علينا أن نمارس طقوس حزننا عليه، وحسرتنا على فقدان حياته. فما بالك بعدد قد يصل إلى العشرة؟.
أخطاء من الشركة مالكة أنابيب البترول. أنها لا تتولى حراستها. إهمال يصل لحد الجريمة. لكن أخطر ما كشفت عنه محنة حريق عزبة المواسير فى مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة - وبالمناسبة أنا أنتمى لنفس المكان - تكشف بشكل مفجع عما أصاب الشخصية المصرية من تحلل القيم وتهرؤ المبادئ وفقدان الإحساس بالوطن وضرورة الحفاظ عليه. وعن استحلال المال العام واعتبار أنه بلا صاحب. وأن الاستيلاء عليه بطولة. حتى لو فقد الإنسان حياته وهو يمارس هذه البطولة الزائفة.
انتماء المصرى لبلده منذ فجر الدنيا. وهذا ما جعل علماء التاريخ يطلقون على ما مضى من أيامنا فجر الضمير. وإحساس المصرى بأهله وناسه والمكان الذى يعيش فيه، والزمن الذى يظلله، مسألة لا تحتاج لإيضاح. فما الذى أوصلنا إلى المربع الأخير الذى وصلنا إليه؟ ومتى؟ وكيف؟ لن أسأل أبداً عن سبل الخروج. هذا يؤجل لما بعد.
أين الوطن؟ أين مصر فى وجدان أهل مصر؟ متى يشعر المصرى أن كل ما فى بلده ملكه الشخصى؟ لابد أن يدافع عنه. وأن يضحى بحياته فى سبيله. وكيف؟ ذلك هو الدرس الأول والأخير من حادث إيتاى البارود. لا يوجد مبرر واحد للعدوان على المال العام. مهما كانت ظروف الناس صعبة. حتى لو كانت عصيبة.
إما أن نواجه نواقصنا هنا والآن. وإلا لن نستطيع ونتمكن من تدارك الأمر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة