د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

الهيئة الإنجيلية: نحو مجتمع عابر للصيغ التقليدية

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 21 نوفمبر 2019 - 07:12 م

مكان للآخر، مكان للمختلف فى إطار من المساواة والعدل وقيم المواطنة وسيادة القانون، هى سبيلنا الوحيد والآمن نحو بناء مجتمع عابر للصيغ التقليدية التى طالما كرست للتمييز والتهميش والازدراء والإقصاء والظلم الاجتماعى والطائفية والعنف. وهى الطريق العصرى نحو مجتمع التسامح والعيش المشترك والتضامن فى مواجهة خطاب الكراهية الذى بات عنصر تهديد لاستقرار المجتمعات وتحويل التنوع البشرى من قيمة إيجاب وعناصر قوة إلى مسالب للتخلف الحضارى وتأجيج للفرقة والتناقض والصراع.. ولعل متابعة متأنية لتحولات الفكر والسياسة والاختلالات الاجتماعية فى عالمنا المعاصر عبر عقوده الخمسة الأخيرة، تنبأ كيف تحول خطاب الكراهية تكأة وسبباً لنزاعات داخلية وجرائم حرب أهلية وإبادة جماعية امتدت آثارها من رواندا إلى البوسنة وكمبوديا وإفريقيا الوسطى وسرى لانكا وباكستان والصين ونيوزيلاندا ودارفور والعراق والصومال والهند وإثيوبيا وسيراليون والكونغو وغيرها. ولم تكن مصر استثناء من هذا حيث شهدنا كيف أدى خطاب الكراهية لجولات من الفتنة الطائفية، أكثرها كان مصطنعاً بفعل فاعل، وأقلها كان مرده اختلال مفاهيم الهوية الوطنية والتجريف الثقافى والخطاب الدينى محدود الرؤية ضيق الأفق، وإن كانت نتائجها أقل حدة منها فى دول أخرى حولنا بفضل التجانس الوطنى والوحدة التاريخية لنسيجنا الاجتماعى، وإن ظلت أسباب الفتنة لاتزال قائمة تغذيها روافد الفقر والطبقية وتدنى مستويات التعليم والتنمية وضعف آليات إنفاذ القانون وغياب العدالة الاجتماعية ومفاهيم المواطنة.
إن خطاب الكراهية ورفض الآخر لهو عمل عدائى، يقوض التماسك الاجتماعى والقيم المشتركة، ويؤسس للعنف، يهدد السلام الاجتماعى ويعوق الاستقرار والتنمية المستدامة وكفالة حقوق الإنسان للجميع. وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أن يطلق فى يونيو الماضى مبادرة إستراتيجية تتبنى مقاربة شاملة تستهدف معالجة دورة حياة خطاب الكراهية وتأثيره المدمر على المجتمعات والدول، وتشمل الأسباب الجذرية للعنف والتهميش والتمييز والفقر والإقصاء وعدم المساواة وتدنى ـ وأحياناً ـ انعدام التعليم الأساسى وضعف مؤسسات الدولة. ويرى الأمين العام أنطونيو جوتيريش أنه مع وصول قنوات جديدة لخطاب الكراهية إلى جمهور أوسع من أى وقت مضى عبر الإنترنت وبسرعة البرق، يجعلنا جميعا - الأمم المتحدة والحكومات وشركات التكنولوجيا والمؤسسات التعليمية - فى حاجة عاجلة إلى تصعيد استجاباتنا للرد على هذه القنوات بتكثيف استعراض وتقديم القيم الإيجابية والرؤى البديلة والروايات المضادة.. ولعل هذا نفسه ما عالجه عدد من مؤتمرات وورش عمل وندوات منتدى الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية، وعلى مدار سنوات سبقت فيها رؤيتهم وأعمالهم وحساباتهم لحجم وخطورة الظاهرة تحرك الأمم المتحدة واستراتيجيتها المعلنة مؤخراً. فى افتتاح المؤتمر الحاشد للهيئة والذى عقد فى الإسكندرية 19-20 نوفمبر الحالى بعنوان «المواطنة وبناء مجتمع التسامح فى مواجهة خطاب الكراهية»، وحضره الخبراء والمختصون وأساتذة الجامعة ورجال الدين الإسلامى والمسيحى والمفكرون والكتاب والصحفيون والسياسيون ومؤسسات الدولة والمجتمع المدنى فى جلسات عامة وحلقات نقاشية وورش عمل، قدم الدكتور القس أندريه زكى رئيس الهيئة الإنجيلية كلمة افتتاحية بليغة عكست رؤية مستنيرة عن إشكاليات خطاب الكراهية، أسبابه ودواعيه واستراتيجيات مواجهته وكيفية الحد من تحوله لظاهرة عولمية استهدفت اختزال الآخر وكسره، بامتهان الحقائق وفبركة الأخبار ضده وإعادة تصدير صورة زائفة عن واقعه وحقيقته، فى توظيف مغرض لوسائط المعرفة الحديثة والتكنولوجيات الرقمية، ما يهدد سلامة المجتمع ويقوض قيم التعايش ومفاهيم المواطنة.. ثم قدم روشتة للمواجهة فى محاورها الأربعة الأساسية: التعليم والثقافة والإعلام والخطاب الدينى، وهو ما انصب عليه مجمل أعمال وجلسات وحوارات وتوصيات المؤتمر.
وفى تقديرى فإن حاجتنا حقيقية وماسة وعاجلة لتضافر كل الجهود، حكومة وشعباً ومؤسسات دولة ومجتمعا مدنيا لمكافحة حالة «عولمة الكراهية» بالتأسيس المرن والنشط والمسئول لـ «عولمة التسامح» عبر تبنى بث وتكريس ثقافة «المواطنة الكونية - الكوزموبوليتان» حيث التسامح والقبول بالتنوع والتعددية والاختلاف، وكشف وتعرية المغالطات المغرضة بأن الكراهية تجاه الهويات المغايرة هى نوع من الاعتزاز بالهوية الدينية أو القومية. الكراهية هى الكراهية فلا يصح أن نرفضها حين تكون موجّهة ضدنا بينما نقبلها إذا كانت موجّهة ضد الآخرين.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة