د. عادل وديع فلسطين
د. عادل وديع فلسطين


يوميات الأخبار

علم مصر

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 24 نوفمبر 2019 - 07:16 م

 

د. عادل وديع فلسطين

دراسة تاريخ الأعلام وأنواعها ومكوناتها ووظائفها هى علم يسمى فكسيلولوجى Vexillology.

تشير الدراسات إلى أن أول من رفع العلم فى التاريخ هم قدماء المصريين منذ ستة آلاف عام؛ حيث رفعت السفن المصرية القديمة «صارى» للعلم، ويميز قمته نموذج لأبى قردان IBIS وأسفله قطع من القماش.
كما ذكرت الأعلام فى العهد القديم من الكتاب المقدس.
وكان صارى العلم يرمز للقوة والانتصار، والعلامة على قمته هى نوع من التعاويذ.
ورفعت القوات الفرنسية أيام نابليون الأول علماً زينت قمة صاريه بنسر ذهبى، أما اليونانيون فوضعوا كرة وأسفلها قضيب أفقى، والرومان كللوا القمة بتنين حيث يمر الهواء بين فكيه، ويصدر صوتاً يلقى الرعب فى قلوب الأعداء.
أما الأعلام الحقيقية بصورتها الحالية، فقد بدأت فى القرن السادس عشر، حيث كان العلم الفرنسى باللونين الأزرق والأبيض، والعلم الإنجليزى باللونين الأحمر والأبيض، والعلم البرتغالى بالأخضر والأبيض. وقد بدأ التعلق الوطنى والعاطفى للعلم عندما أصبح العلم رمزاً للشعب والدولة. وخصوصاً فى الصراعات الدولية فى أوروبا، وكذلك الثورات مثل الثورة الفرنسية والأمريكية-وأصبح من البديهى أن تنعكس الاتجاهات الفكرية لأى دولة على شكل العلم وأصبح من الممكن تتبع التطور الإيديولوجى والسياسى لأى دولة من دراسة أعلامها على مر السنين. وإذا نظرنا إلى أعلام الدول عامة فسنجد أن الغالبية الكبرى تتمتع بثلاثة خطوط، بثلاثة ألوان طولية أو عرضية، فمثلاً الثلاثة خطوط الطولية تميز أعلام إيطاليا، وفرنسا، وكندا، والمكسيك، وغينيا، وساحل العاج.. الخ.
أما الخطوط العرضية فنجد مثال ذلك فى بوليفيا، والأرجنتين، وبلغاريا، واليمن، وهولندا، والنمسا، وكذلك أعلام مصر، وسوريا، وليبيا، والعراق، ولبنان، وإيران، والكويت.
ووسط كل هذه الأشكال والألوان المتقاربة لا يمتاز إلا علمان بمحتوى يعبر عن شعار الدولة؛ وهما لبنان بشجرة الأرز.. وإسرائيل بنجمة داود.
وعلى العموم، لكى يكون علم أى دولة مؤثراً ومميزاً لابد أن يكون بسيط التكوين مع ألوان حادة.
وإذا احتوى هذا العلم على رمز يشير إلى تاريخ هذه الدولة أو أحد معالمها الجغرافية، أو العمرانية الخارقة، أو الطبيعية، فإن هذا العلم سيصرخ ليقول: « أنا علم دولة كذا ».
وبالنسبة لمصر، فبعد الثورة فى عام 1952 استبدل العلم القديم بالعلم الجديد بألوانه الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود مع نسر ذهبى فى الوسط وأصبح علماً لمصر وسوريا وليبيا عام 1972. وفى هذا الصدد، وحيث إن مصر تملك وتعتز بواحد من أعاجيب ومعجزات العالم، وهى الأهرامات الثلاثة؛ فأرجو السماح لى باقتراح أضعه أمام المسئولين وأمام الشعب؛ وهو وضع الأهرامات الثلاثة فى الركن العلوى الأيمن للعلم لتكون إضافة وعلامة مميزة لمصر، بحيث إذا رفع العلم فى أى بقعة من العالم فى أى مناسبة، ووسط مئات الأعلام؛ فسيكون من السهل على أى رجل أو امرأة أو طفل مهما كانت جنسيتهم أن يقول: إن هذا علم مصر، وإن مصر موجودة فى هذا المضمار؛ لأن حضارة مصر القديمة هى أول الدروس التى تعطى للأطفال فى مدارس العالم وسيكون أيضاً تذكرةً بآثار مصر، ويمكن أن يشجع السياحة.
تمثال ديليسبس
يعد المصريون القدماء أول من شق قناة لربط البحر المتوسط بالبحر الأبيض عن طريق نهر النيل وفروعه. وكانت أول قناة قد أنشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 قبل الميلاد... ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات أيام سيتى الأول 1310 ق م ثم قناة دارا الأول عام 510 ق م ثم قناة بطليموس الثانى عام 285 ق م وقناة الرومان فى عهد الأمبراطور تراجان عام 117 م وقناة أمير المؤمنين بعد الفتح الإسلامى لمصر وظلت 150 عاماً حتى أمر الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور بردمها وكانت تصل ما بين الفسطاط والسويس وسدها من ناحية السويس منعأ لأى إمدادات من مصر لأهالى مكة والمدينة الثائرين على الحكم العباسى. وفتحت أيضآ أيام هارون الرشيد ثم أغلقت حتى عام 1820.
وجاء محمد على باشا واقترح شق القناة بين البحرين الأبيض والأحمر لكن الدراسات الخاطئة حالت دون ذلك فقد جاء فيها أن مستوى البحر الأحمر أعلى من مثيله فى البحر الأبيض مما يعرض الدلتا للغرق. لكن مع حضور الحملة الفرنسية إلى مصر تمت الدراسات الصحيحة لكن أخفق نابليون فى إتمام المشروع. وفى عام 1854 استطاع ديليسبس إقناع محمد سعيد باشا بالمشروع وحصل على موافقة الباب العالى.
كان لديليسبس تأثيراً قوياً ومعنوياً على سعيد باشا لأنه كان له مربٍ ومعلم لذلك توطدت الصداقة بين الأمير والدبلوماسى قنصل فرنسا فى الإسكندرية فبعد أن أصبح سعيد خديوى مصر عرض عليه ديليسبس المشروع فوافق عليه فورآ. وكان محمد على باشا غير راض عن ابنه سعيد لأنه كان مفرطا فى السمنة وأكولا... لكن ديليسبس كان يقدم له الطعام الذى حرمه منه والده سراً.
تم حفر القناة بسواعد نحو مليون فلاح مصرى ممن أجبروا على ترك قراهم وحقولهم مسخرين لشق الصحراء فى أجواء من الجوع والعطش والمرض والإهانة مات خلالها أكثر من 120 ألف مصرى بسبب الأوبئة والمعاملة السيئة ومعظمهم لم يستدل على جثمانه ودفن فى الصحراء أو تحت مياه القناة.
انفرد ديليسبس وحده بوضع لائحة العمال التى ضمنت لشركة قناة السويس البحرية (الفرنسية ذلك الوقت) الموارد البشرية الهائلة من خلال تسخير المصريين لحفر القناة. كان أجر الفلاح يتراوح بين نصف قرش وثلاثة قروش فى اليوم... وتم وضع عقوبات قاسية على العمال الهاربين.
كانت مدينة الزقازيق هى منطقة تجمع وفرز العمال... فيختار منهم الأقوياء... ثم يرسلون إلى منطقة القناة سيراً على الأقدام فى أربعة أيام مقيدين بالحبال يحمل كل منهم قلة ماء وكيساً من الخبز الجاف، ويتبع وصولهم تسريح العمال الذين أمضوا المدة المقررة لعملهم وهى شهر وقد أطاح وباء الكوليرا بالعمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالآ يرفعون جثث الموتى لدفنهم فى الصحراء كما ألم بهم مرض غامض نتيجة تسلل مادة الفوسفور فى الأرض الطينية. تم الحفر وافتتاح القناة بعد عشر سنوات فى عهد الخديو إسماعيل...
هل بعد هذه التذكرة وعرض هذا التاريخ الدامى لحفر القناة، هل يستحق من خان الأمانة ووصايا محمد على وأفسد ابنه سعيد أن يقام له تمثال؟.. هل يستحق هذا الرجل التاجر السمسار الألعبان الذى تسبب بأسلوبه فى الإدارة قتل المصريين وتعذيبهم وإذلالهم، هل يستحق هذا الرجل أن يرفع تمثاله فى أهم نقطة على مدخل مصر عند مدخل القناة فى بور سعيد لتخليد اسمه وليراه ويتذكره كل عابر للقناة كأنه البطل المغوار الذى حرر مصر أو فداها أو مات من أجلها؟، هو الرجل الذى حتى لم يبتكر الفكرة فقد كانت قبل أن يكون.
أليس أجدر من ديليسبس أن يقام للفلاح المصرى وهو الجندى المجهول هذا التمثال تخليداً له.
رامى وأم كلثوم
فى ليالى الخميس وحول المصابيح الخافتة يحلو السهر... ومع الصوت الشجى نسمع ونطرب حتى السحر... نغم يتردد فى رقة وتستقبله القلوب فى لهفة. نعايش دنيا نغم يتردد وعالم حب يتجدد.... نسعد بنفحات من الصوت الذى منحها الله لتقدم آيات من الفن زاداً يكفى حتى يحين اللقاء القادم.
لوعة وحب واشتياق وفراق ووصال كل ذلك كان يرسم حياة أحمد رامى مع أم كلثوم يهديها للعشاق والمحرومين.
قدم رامى لأم كلثوم مائة وعشرة من الأغنيات أولها مع بداية عام 1935 حين غنت له أغنية على بلد المحبوب ودينى حتى عام 1972 حين عاتبها بعد أن ظل مريضآ لفترة طويلة ولم تكلف نفسها بزيارته فكتب بقلمه الدامى «ما خطرتش على بالك يوم تسأل عنى وعينيا مجافيها النوم... يا مسهرنى».
تنعم وتحرم... جملة عبقرية تعبر بدقة شديدة عن معاناته الشديدة فى حبه الطاغى لثومة فهى تستطيع بلفتة أن ترفعه للسماء وبكلمة أو موقف ترديه أرضاً... مع البداية ومع الأمل عام 1937 تخرج من داخله الفرحة مترجمة بكلمات «افرح يا قلبى لك نصيب تبلغ مناك ويا الحبيب والنوم يداعب جفون حبيبى»... لكن نجده بعد ذلك بعدة سنوات عام 1940 تبكى كلماته حين يختنق كمن يصرخ «يا طول عذابى واشتياقى ما بين بعادك والتلاقى.... سكت عن شكوى الهجران وحيرة القلب الولهان وقلت أصور له هناى ساعة ما اشوفه وياى جيت اتكلم قلبى اتألم». وفى عام 1946 سطر أحلى أغنياته غلبت أصالح فى روحى عشان ما ترضى عليك يقول فيها «صبحت اشكى منك لروحى وفضلت اخبى عنك جروحى... وبعدت عنك والفكر كان دايماً وياك.. والقلب منك غضبان فى دنيا الحب معاك... مجروح وضامم جناحه على الجراح اللى فيه.. والليل يردد نواحه طول ما أليفه مجافيه». ثم فى عام 1950 يكتب «سهران لوحدى اناجى طيفك السارى سابح فى وجدى ودمعى ع الخدود جارى..... ياللى رضاك أوهام والسهد فيك أحلام حتى الجفا محروم منه ياريتها دامت أيامه».
وعندما قرر رامى الزواج ذهب إلى أم كلثوم... وافقت وطلبت أن تحضر حفل زواجه وتغنى وأهددته خاتماً منقوشاً عليه حرفا ok ظل هذا الخاتم فى أصبعه أربعين عاماً. وكان رامى قد قص لعروسه قبل الزواج قصة حبه لأم كلثوم بكل التفاصيل وصارت بين السيدتين علاقة وثيقة. وكان استياء الزوجة الوحيد بعد عشرين عاماً حين شدت أم كلثوم من كلمات رامى «جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح.. حرام عليك خليه غافل عن اللى راح»... ومضى قائلاً «انت النعيم والهنا وانت العذاب والضنا والعمر ايه غير دول.. ان فات على حبنا سنة وراها سنة حبك شباب على طول... ان مر ع الخاطر ذكراك تنزل من الوجد دموعى.. ياللى قضيت العمر معاك ارضى جفاك واتمنى رضاك». ثم يحاول النسيان دون فائدة... «هجرتك يمكن انسى هواك وأودع قلبك القاسى.. وقلت اقدر فى يوم أسلاك وافضى م الهوى كاسى لقيت روحى فى عز جفاك.. بافكر فيك وانا ناسى». ثم تأتى أغنية «حيرت قلبى معاك وانا بدارى واخبى... قل اعمل ايه وياك ولا اعمل ويا قلبى.... يا قاسى بص فى عينيا وشوف ايه انكتب فيها... دى نظرة شوق وحنية ودى دمعة بداريها... واقول ما شافش الحيرة على لما باسلم.. ولا شافش يوم الشوق ف عينيه راح يتكلم... وأرجع وأسامحك تانى وأحن لك وألقانى باشكيلك من نار حبى».
ظلت صورة أم كلثوم معلقة فى حجرة نومه خمسين عاماً وعندما توفيت كسر قلمه وهجر الشعر ورثاها قائلاً:
ما جال فى خاطرى أنى سأرثيها بعد الذى صغت من أشجى أغانيها.
وبى من الشجو من تغريد ملهمتى ما قد نسيت به الدنيا وما فيها.
قد كنت أسمعها تشدو فتطربنى واليوم أسمعنى أبكى وأبكيها
وأصيب أحمد رامى بالاكتئاب بعد يونيو 1967 وتفاقم بعد موت أم كلثوم وتوفى عام 1981. ولا ننسى أنه درس اللغة الفارسية فى جامعة السوربون فى فرنسا من أجل ترجمة رباعيات الخيام.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة