أمنية طلعت
أمنية طلعت


حبوا بعض

الدومينو

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 27 نوفمبر 2019 - 06:35 م

كثيراً ما أغرق فى تأملات طويلة تخص مفهوم «الجدوى» أو «القيمة». ما قيمة أو جدوى أى فعل أو رد فعل يتخذه الإنسان فى مواجهة شيء أو للحصول على شيء؟ نحن غالباً ما نتحرك فى حياتناً مدفوعين بنظرية «الدومينو» فإن سقطت أول قطعة انهارت وراءها باقى القطع وفى نفس الاتجاه. أغلبنا وإن لم يكن كلنا، قد تعثر فى موقف أو اثنين يتبعان نظرية «الدومينو»، وكثيرون لا يخرجون أبداً من مضمارها القاتل ولا يعون ضرورة الانسحاب بعيداً عن صف القطع المتساقطة، فيكررون السقوط مرة بعد مرة وإلى النهاية.
فى رحلاتى اليومية للقراءة، وقع بصرى على هذه الجملة: «الملك الفارسى زركسيس الأول الذى شيد عام 480 ق م جسراً من السفن فوق البحر، بحيث يعبر جنوده البحر سيراً على الأقدام والجياد». توقفت عن القراءة وأنا أحاول استيعاب حجم وكمية السفن التى احتاج أن يبنيها هذا الملك ليكوِن جسراً من السفن بعرض البحر؟! وكيف يتأتى له ذلك من الأساس؟!
دونت اسم الملك الفارسى فى ورقة جانبية وقررت القراءة عنه بشكل خاص. زركسيس أو خشايارشا الأول، هو ابن الملك داريوس الأول، قاد حملة عسكرية ضخمة لغزو بلاد اليونان للمرة الثانية بعد أن فشلت محاولة والده فى الأولى، وكان عليه من أجل الوصول إلى البر الأوروبى لليونان أن يبنى جسراً ضخماً عبر مضيق اسمه «هيليسبونت»، فبناه من السفن الضخمة وربطها ببعضها البعض، بحيث يعبر جيشه على الجياد أو راجلين عبر هذه السفن!
رغم أن زركسيس نجح فى تحقيق هدف والده التوسعى بغزو اليونان ببداية الأمر، إلا أنه مُنى بالهزيمة بعد ذلك وتم تشتيت وتدمير أسطوله الضخم الذى دفع شعبه ثمن إنشائه، فعاد إلى بلاده عازفاً عن حلم أبيه ومحاولاً نسيان هزيمته باللهو، فنسى أمر شعبه تماماً حتى تم اغتياله.
أثارت حكاية هذا الملك الفارسى أسئلتى بشأن «الجدوى» أو «القيمة» من جديد، فها هو ووالده يتركان شأنهما الحقيقى داخل بلادهما ويحاولان التوسع خارج حدود وطنهما، مهلكين شعبهما فى حروب لا جدوى حقيقية من ورائها سوى التظاهر بالبطولة وفرض القوة، فى حين أن قوتهما الحقيقية تكمن فعلياً داخل حدودهما الوطنية وبين أفراد شعبهما.
تغرقنى مثل هذه الحكايات فى تأملات طويلة لحال عالمنا اليوم المليء بالصراعات والثورات، وكيف تشتعل الدعاوى التدميرية للأوطان تحت غطاء القيم والمعانى الكبرى، وما هى سوى أسطول يستنزف مواردنا عبر البحر مثل جيش زركسيس، بينما من الأفضل لنا أن نراعى شأننا الشخصى، فهو قوة وإن بدا لكثيرين ضعف وانغلاق.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة