نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

تجارة الفقر

نوال مصطفى

الأربعاء، 04 ديسمبر 2019 - 07:16 م

هذا بلاغ لمن يهمه الأمر، يتعلق بموضوع لم يعد من الممكن السكوت عليه أو التغافل عنه أكثر من ذلك. قصة تحدث يوميا عشرات بل مئات المرات فى كل مدينة وقرية، من شمال البلاد حتى جنوبها، ومن شرقها حتى غربها. أى أنها قضية تخص مصر كلها، بكل محافظاتها، لا أستثنى أحدا.
عنوانها «القروض المتناهية الصغر» لمساندة الفئات الأشد فقرا، تشجيعا لكل مواطن بسيط لكسب رزقه عن طريق مشروع بسيط يحقق له دخلا شريفا. لكن وتحت هذه الـ»لكن» عشرة خطوط، تحول الدعم الذى يمنح للجمعيات الأهلية فى صورة إقراض لكى تقوم بدورها بإقراضه للمواطنين البسطاء من نعمة إلى نقمة عن طريق عصابات تخصصت فى أكبر عملية نصب تتم يوميًا نهارًا، جهارًا، دون أن تترك وراءها أية مستندات تدينها، أو تضع مرتكبيها تحت طائلة القانون.
هناك جمعيات أهلية عديدة فى مصر تخصصت فى الإقراض، بعضها يقوم بهذا الهدف النبيل بأسلوب علمى مدروس، يضع المعايير المنضبطة لضمان سير المسألة بشكل سليم، لكن هناك جمعيات أخرى معروفة بالاسم تخصصت فى الاحتيال على الفقراء، ضحاياهم معظمهم من النساء الفقيرات، غير المتعلمات، اللاتى يفتقدن لأى معرفة بالقانون.
تلك العصابات تقوم بجمع هؤلاء النساء حيث يتم إعطاء القروض لخمس منهن كضمان لتسديد القسط الشهرى، وغالبا لا تتم أى دراسة لحالاتهن، ولا تدريب لكيفية عمل مشروع بسيط يدر عليها دخلا يمكنها من سداد القسط الشهرى، بالإضافة إلى نفقات أسرتها.
طبعا لا يحدث شيء من هذا، بل يقوم هؤلاء الأوغاد بأخذ إيصالات أمانة بمبلغ يزيد عما أخذته بنسبة 50%. فإذا أخذت ألفى جنيه مثلا توقع على ثلاثة آلاف. ثم توقع مع زميلاتها الأربع الأخريات على الأقساط الشهرية، وعندما تأتى الجهات الرقابية للتفتيش يخفون إيصالات الأمانة بعيدًا عن مقاراتهم، ويظهرون فقط إيصالات الأقساط الشهرية فيتأكد المراقبون أن العملية تسير بكل نظام وشفافية، والحقيقة بعيدة عن ذلك كل البعد.
حالات عديدة من ضحايا تلك الجمعيات تطرق باب جمعية رعاية أطفال السجينات التى كانت لها فضل الكشف عن قضية الغارمات اللاتى أسميتهن «سجينات الفقر» ونحاول إنقاذهن كما تفعل جمعيات أخرى. لكن الأمر تحول إلى ظاهرة خطيرة، وتجارة بكل أسف من أصحاب الضمائر الميتة، الذين يقومون بتوريط النساء مستغلين حاجاتهن من ناحية، وجهلهن بالقانون من ناحية أخرى. تجد المرأة نفسها مطالبة بتسديد مبلغ أكبر كثيرا مما تسلمته، والذى من المفترض أنه موجه ليكون رأس مال لباب رزق لها وأسرتها، فإذا به يتحول إلى باب للجحيم!
زارنى الأسبوع الماضى محمد جبل الخير، رئيس جمعية تعمل فى إمبابة «جمعية جبل الخير»، وذكر حقائق وحكايات لضحايا معظمهم من النساء، أما أعدادهن فعدة آلاف فى إمبابة وحدها! تورطن جميعا فى تلك العملية وأصبح شبح السجن يتربص بهن.
يقول محمد جبل الخير، الموضوع خطير، عندنا سيدة سكبت الجاز على رأسها وولعت فى نفسها، لأنها تورطت فى أكثر من قرض من أكثر من جمعية من تلك الجمعيات تستدين لكى تسدد قرضاً من قرض ثانٍ وثالث حتى ضاق الخناق عليها من كل جانب، وأيقنت أنها ذاهبة إلى السجن لا محالة.
الحالات موجودة ولدينا شهادات حية لمن يهمه الأمر. أما موضوع القروض فلابد له من مراجعة دقيقة ووضع ضوابط ومعايير على رأسها دراسة كل حالة تتلقى القرض، بالإضافة إلى حملات توعية للمواطنين البسطاء الذين يتم استغلال فقرهم بأبشع الطرق وأحقرها. ومحاكمة أفراد تلك العصابة المنتشرة فى ربوع مصر يعيشون على جثث الفقراء!

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة