القطط احتلت أوشيما
القطط احتلت أوشيما


حكايات| يابانيون أقلية في وطنهم.. أوشيما تحت حكم «القطط»

أحمد الشريف

الجمعة، 06 ديسمبر 2019 - 09:29 م

 

أخذ يجر شباكه نحو مركب الصيد، استعدادا لرحلة في بحيرة بيوا اليابانية على أن تكون وجهته جزيرة أوشيما، التي تشتهر بكونها وجهة للصيد، وذلك سعيا لجلب الرزق داعيا أن تمتلأ شباكه بما يكفي قوت يومه، واستقبل البحر مستنشقا بعد نسماته وكأنها فطور ما قبل تلك الرحلة، وتأمل في أمواجه المتتابعة وكأنها سرايا جيش منظم تحمل ريات السلام، آملا أن تكون رحلة نافعة تمسح عنه الديون وقلة الدخل، كما تمسح أمواج البحر مأثم ومعاصي ودموع كل زائر بمائها الطهور.

 

وما أن وضع قدمه في المركب حتى لاحظ عدد من الفئران ترتع في مركبه، تلك المشكلة التي تواجهه ومختلف الصيادين في ذلك الوقت، لذلك جلب معه إحدى القطط في محاولة للقضاء على تلك الفئران التي قد تضر بصيده، وقد تضر بالمركب أيضا، واتجه الصياد نحو جزيرة أوشيما التي تكاد تكون خالية من السكان، وتقع على بعد 30 دقيقة قبالة منطقة «إهيمه» وكان يقطنها 900 شخص عام 1945، حتى لم يتبقى منهم سوى 15 شخصا في وقتنا الحاضر، وما أن رسى على الجزيرة حتى مكثت القطة فيها وهو ما تكرر مع عدد من الصيادين أيضا..

 

بداية الاحتلال

تكاثرت تلك القطط في الجزيرة حتى وصل عددها إلى ما يعادل 6 أضعاف عدد السكان، لتصبح القطط وكأنها هي صاحبة الجزيرة والسكان هم ضيوفها، وأصبح يطلق على تلك الجزيرة لقب «جزيرة القطط»، بل وأصبحت مزارا سياحيا يأتيها السياح من كل حدب وصوب لرؤية القطط التي تقطن الجزيرة وكأنها هي من تحكمها..

 

ورغم أن جزيرة أوشيما ليست بقعة سياحية، فلا توجد سيارات أو فنادق أو مطاعم في الجزيرة، وأغلب السكان هناك من كبار السن، لذلك فإنهم لم يقوموا بإبعاد الزائرين الذين يرغبون في الاقتراب من القطط، ولكن أعطوا تحذيرات للسياح بعدم إزعاجهم وعدم إطعام القطط لأنه يتم إطعامهم من قبل السكان كل يوم.

 

اقرأ للمحرر| «البغاء» برخصة.. أسرار «العايقة والمقطورة» من سجلات البلدية

 

ساحرة القطط

 

ماكيكو ياماساكي - إحدى زائرات الجزيرة - والبالغة من العمر 27 عاما، قالت: «هنا عدد كبير من القطط ثم تأتي ساحرة القطط لإطعامها.. الأمر ممتع بحق ولذلك أريد أن آتي إلى هنا ثانية». جاذبية ياماساكي وغيرها من زائري الجزيرة ليست أمرا مفاجئا أو غريبا على بلد ظهرت به شخصية الرسوم المتحركة «وهالوكيتي» التي تعتبر رمزا للرقة.

«وهالو كيتي» هي شخصية خيالية خاصة لشركة سانريو اليابانية المنتجة لثقافة «الكاوايي»، والاسم الحقيقيّ للشخصية هو «كيتي وايت»، والشخصية من تأليف الرسامة اليابانية يوكو شيميزو. والقطة كيتي تمّ رسمها نسبةً إلى سلالة نادرة أصلها من اليابان وهو قط ياباني قصير الذيل وهو هناك رمز للحظ السعيد.

 

الاحتلال الثاني

قد تكون أوشيما هي جزيرة القطط الأكثر شهرة في دولة اليابان، ولكنها ليست الوحيدة فهناك أيضا «تشايرو جيما» وهي جزيرة صغيرة قبالة البر الرئيسي لليابان في مدينة إيشينوماكي في محافظة مياجي اليابانية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 100 شخص، وعدد القطط التي تقطنها تزيد عن نفس عدد سكانها، ويرجع ذلك إلى أن سكان الجزيرة اعتادوا على تربية ديدان الحرير مما جذب إليهم الفئران وقد ساعد إدخال القطط على تقليل عدد الفئران في الجزيرة.

السكان المحليون لجزيرة والذين كانوا يعملون بالصيد لسنوات، يعتقدون أيضا أن تربية القطط سوف تجلب الثروة والحظ السعيد، ومعظمهم يعتنون بالقطط بصورة رائعة جدا، بل وأصبحت القطط نوعًا ما وكأنها تميمة حظ الجزيرة، ولهذا السبب، لا يُسمح باصطحاب الكلاب الأليفة في هذه الجزيرة، حفاظا على القطط.

الأمر أكثر إنسانية في تلك الجزيرة وفي تعامل سكانها مع القطط، أنهم أقاموا مزارا في وسط الجزيرة يدعى «نيكو جينجا» والذي يقع بين قريتين، وخصصوه للقطط التي توفت بسبب سقوط الصخور.

 

اقرأ للمحرر| «طاعون الرقص».. حفلات «هز وسط» حتى الموت!

 

الاحتلال الثالث

إلى جانب جزيرتي «أوشيما وتشايرو جيما»، فهناك أيضا جزيرة «أينوشيما»، وتقع في جنوب غرب طوكيو وتعد أقرب جزيرة قطط بالقرب من طوكيو، فهي على بعد 4 كم تقريبًا في محافظة كاناغاوا اليابانية. ويرجع احتلال القطط لتلك الجزيرة إلى عام 1980، حتى تم تركها بمفردها هناك في ظل هجرة كل سكان الجزيرة.

 

لكن برغم ذلك ومع زيادة أعداد القطط هناك، أصبح هناك اهتمام من قبل المسؤولين مؤخرا بهم، خاصة أن الجزيرة تعد مكان ترفيهي شهير لركوب الأمواج والتشمس والسباحة في فصل الصيف، كما أنه يمكن رؤية جبل فوجي من هناك.

 

إعصار «هاجيبيس»

 

يوم السبت الموافق 12 أكتوبر من عام 2019 تعرضت اليابان لأقوى إعصار في تاريخها، بعد أن دعت السلطات المواطنين، لاتخاذ التدابير اللازمة استعدادا للإعصار القوي «هاجيبيس»، والذي تناهز قوته المستوى الأقصى، البالغ الفئة الخامسة.

وراح حصيلة الإعصار ما يزيد عن 36 قتيلا و166 مصابا، وفقدان 16 آخرين، وذلك منذ أن ضرب الإعصار صباح السبت عدد من المحافظات اليابانية مثل كاناجاوا، توتشيجي، جونما، إيوات، ميياجي، فوكوشيما، تشيبو، سيتاما، شيزوكا، ومحافظة إيباراكي، محدثا عشرات الانهيارات الأرضية وتهدم المنازل وهطول الأمطار الغزيرة.

 

إنسانية اليابانيين

في تلك الأثناء، وما يعكس المشاعر الإنسانية لليابانيين وغيرهم من مختلف بلدان العالم، كان رواد موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حول العالم تداولوا صورا لمجموعة قطط بنية اللون، قالوا إنها لا تزال في جزيرة «أوشيما» التي تشتهر باسم «جزيرة القطط»، قبل اقتراب الإعصار الكارثي، وناشدوا السلطات نقلهم إلى مكان آمن.

 

موقع «world of buzz» الياباني، قال – آنذاك - إن القطط في جزيرة أوشيما، تم نقلها إلى مكان آمن مع وصول الإعصار إلى المنطقة، وأن الحكومة اليابانية اتخذت تدابير السلامة والاعتناء بالقطط، بعدما قام سكان الجزيرة بإعداد أماكن مخصصة للإقامة المؤقتة للقطط، في صناديق كارتونية صغيرة، انتشرت صورها عبر «فيسبوك».

في النهاية لم يعد غريبا أن نسمع مصطلح «كوكب اليابان»، لأننا دائما على موعد مع الدهشة لما يقوم به اليابانيون، فهناك قطارات سريعة، ومواعيد دقيقة، وشوارع نظيفة، بخلاف الأدبيات الفريدة في العمل، فتلك الإمبراطورية التي يعني اسمها «منبع الشمس»، ورغم نكباتها الطبيعية والتاريخية، ورغم وزر تاريخها الاستعماري الدموي القاسي في آسيا، ما زالت اليابان، تشرق منها الشمس، وربما أكثر أمورها دهشة تتمثل في أن معجزتها دائما هي «الإنسان».

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة