عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

اقتصاد الشيخوخة

بوابة أخبار اليوم

السبت، 07 ديسمبر 2019 - 07:16 م

 

عبدالله البقالى

متاعب الاقتصاد العالمى لا تعد ولا تحصى، وكثير منها تحول إلى أمراض مزمنة تنخر بنية هذا الاقتصاد، ولم تعد الانشغالات تنحصر فى الإشكاليات التقليدية الكبرى، التى استقطبت اهتمامات المختصين والساسة والاقتصاديين، من قبيل التحولات المناخية وتداعياتها على مصير الأوضاع فوق البسيطة، ولا فى مستقبل اليد العاملة من بنى البشر أمام غزو التشغيل الآلى، وغير ذلك كثير، بل الواضح أن الاقتصاد العالمى انتقل إلى مرحلة مواجهة جيل جديد من هذه القضايا والإشكاليات ليس أقلها أهمية وتأثيرا ما يمكن أن نسميه بـ (مستقبل اقتصاد الشيخوخة)، حيث سيواجه الاقتصاد العالمى فى المدى المتوسط تقلصا فى الإنتاج، بشكل لافت بسبب التحولات العميقة والقوية، التى ستعرفها البنية الديموغرافية فى العالم، إذ سيتجه مؤشر نسبة السكان النشيطين المنتجين إلى التقلص، فى حين يتجه مؤشر نسبة الشيوخ من السكان إلى الارتفاع، وهذا يعنى أن منظومة الاقتصاد العالمى ستواجه اختلالات عميقة تنذر بصعوبات جمة، تتطلب حلولا ليس من المرجح التمكن منها فى المدى المنظور.
فى هذا السياق، تشير إحصائيات حديثة إلى أن عدد سكان دول الاتحاد الأوروبى سيصل فى سنة 2050 إلى 500 مليون نسمة، وأن هذه الدول ستفقد سنويا حوالى خمسة ملايين من السكان النشيطين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و64 سنة من مجموع لا يتجاوز 233 مليون نسمة، والذين سيصبحون سكانا غير قادرين على الإنتاج، وهذا يعنى أنه فى غضون عشر سنوات قادمة، سينتقل حوالى ربع سكانها من فئة النشيطين إلى فئة الشيوخ، وفى دولة بحجم ألمانيا، مثلا، سيكون المعدل مخيفا لأنه سيرتفع إلى 11 مليون شخص، يتحولون من منتجين إلى عالة على المجتمع.
وعلى المستوى العالمي، فإن الإحصائيات تشير إلى أنه فى غضون سنة 2050 سترتفع نسبة السكان فى العالم، الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة من 9.3 بالمائة حاليا إلى 15.9 بالمائة من مجموع الساكنة، وأن أعلى معدلات هذا الارتفاع المقلق ستسجل فى الدول ذات الدخل المرتفع، التى تعيش شعوبها مظاهر البذخ والترف فى الحياة، حيث يرتقب أن تتراوح النسبة ما بين 18.4 و26.9 بالمائة سنويا، خلال الثلاثين سنة القادمة، بيد أن المعدل سيتراوح فى الدول ذات الدخل المتوسط ما بين 8.2 و16.1 بالمائة. وتزداد حدة الإشكالية بالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التى سيتراجع عدد سكانها من 379 مليون نسمة، حاليا إلى 331 مليون نسمة مع ارتفاع مهول فى نسبة السكان غير النشيطين، فى حين أن كلا من روسيا واليابان ستفقدان ما بين 15 و20 بالمائة من إجمالى السكان، مع توجه مؤشر الشيخوخة نحو الارتفاع. تضاف إلى ظاهرة زحف الشيخوخة على البنية الديموغرافية العالمية، إشكالية أخرى ترتبط بانخفاض معدلات الولادة، ففى دولة مثل فنلندا، سجلت سنة 2016 معدلات الولادة السنوية فيها أدنى مستوياتها منذ سنة 1948، وفى اليابان انخفض معدل الولادة إلى أقل من 70 ألفا سنويا، ونزل المعدل فى ألمانيا إلى أقل من 1.5، وفى فرنسا إلى 1.8 طفل لكل سيدة. ويذكى هذا المنحى المقلق ارتفاع معدلات الأمل فى الحياة، التى تتجاوز فى كثير من الدول المتقدمة 75 سنة، بسبب تطور مستوى الحياة والتحسن المذهل فى خدمات الصحة والرعاية الاجتماعية.
ماذا يعنى كل هذا؟ أول ما يعنيه فى نظر المختصين والباحثين، ارتفاعا مهولا فى تكاليف الرعاية الاجتماعية، خصوصا ما يتعلق بخدمات الصحة.
وليس غريبا القول من الآن إن تداعيات ظاهرة الشيخوخة بدت واضحة منذ أمد ليس بالقصير.
فى ضوء كل ذلك، فإن بنية الموازنات السنوية لكثير من الدول ستعرف تغييرات جوهرية فى المدى المنظور من الزمن، حيث سيفرض ارتفاع تكلفة الرعاية الاجتماعية للأشخاص المسنين زيادات ضخمة، بالنسبة لتمويل تكاليف هذا المتغير الديموغرافى. ومهم أن نسجل بأن هذا المتغير سيكون له تأثير جوهرى وعميق، على مفهوم الهجرة من دول تعيش طفرة فى عدد السكان النشيطين، نحو دول ستعرف خصاصا كبيرا فى هذا الصدد، حيث سيفرض التوازن الاقتصادى للدول الغنية الاستنجاد باليد العاملة المؤهلة وغير المؤهلة من دول العالم الثالث.
إنه الزمن الآتي، الذى يؤشر على نهاية محتملة لبعض الدول، التى تنخفض فيها معدلات الولادة ويرتفع فيها معدل الأمل فى الحياة، ويتجه فيها إجمالى السكان نحو التراجع بشكل يزداد سرعة، إنها ضريبة الأنانية الاقتصادية التى مكنت الدول الاقتصادية من الهيمنة المطلقة على جميع مصادر الثراء العالمي، الذى كان يجب أن يخدم الإنسانية جمعاء.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة