د. فرخندة حسن
د. فرخندة حسن


يوميات الأخبار

ليلة حرق ونهب مكتب جمال عبد الناصر

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 12 ديسمبر 2019 - 07:33 م

 

قمنا بتسجيل كل ذلك عن لسان أحد أفراد أمن المجلس القومى للمرأة الشجاع الذى لم يهرب.

حدث ذلك مساء 28 يناير 2011 حين داهم المتظاهرون مبنى الاتحاد الاشتراكى ظناً منهم خطأ أنه مبنى الحزب الوطنى. كان مبنى الحزب الوطنى مبنى منفصل مكون من طابقين فى الركين الجنوبى من الأرضى التى كانت تحيط بمبنى الاتحاد المكون من أربعة عشر طابقاً والذى بنى فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر ليضم آليات وأنشطة واجتماعات مسئولى الاتحاد الاشتراكى. آلت ملكية المبنى بعد فترة إلى مجلس الشورى وشغل طوابقه عدد من مؤسسات الدولة المرموقة مثل المجالس القومية المتخصصة والمجلس الأعلى للصحافة وبعض البنوك مثل بنك الدلتا وبنك الاستثمار العربى وغيرها، إلا أن الدورين الأخيرين ظلا تحت إدارة رئاسة الجمهورية فقد كان الدور الثالث عشر عبارة عن قاعة الاجتماعات الضخمة التى كان يعقد فيها الرئيس عبد الناصر اجتماعه مع المواطنين والمسئولين ثم بعد ذلك الرئيس محمد أنور السادات ثم الرئيس محمد حسنى مبارك. لم يكن مستغرباً أن يظن المتظاهرون أن المبنى يتبع الحزب الوطنى لكن الغريب أن تتبنى الدولة هذا الاسم وقررت هدمه وهو المبنى العريق الذى بنى بحسب أحدث نظم تكنولوجيا البناء فى ذلك الوقت ويسأل فى ذلك أساطين هندسة فى مصر الذين شاركوا فى إنشائه.
>>>
عندما تولى مجلس الشورى أمر المبنى وبدء إشغاله بالمؤسسات السابق ذكرها تم تخزين كل محتويات المبنى الثمينة فى البدروم فى عام 2000 تم تخصيص أحد أدوار المبنى للمجلس القومى للمرأة حيث كان أحد المجالس القومية المتخصصة والذى تم إنشاؤه فى تلك السنة.
فى مارس عام 2001 توليت منصب أمين عام المجلس وحدث أن تم إخلاء الثلاثة طوابق الأولى ومدخلها كانت واجهة المبنى عندما تركها البنك الذى انتقل إلى مقر آخر، فما كان منى إلا أننى تقدمت لمجلس الشورى وتم استئجار الطوابق الثلاثة والتى كانت تبدأ ببهو هائل وقاعة مؤتمرات فخمة ولجأنا إلى الهيئة الهندسية فى القوات المسلحة التى قامت على تجديد وتحديث الموقع ليخرج فى صورة تليق بجهاز يتبع رئاسة الجمهورية.
>>>
نزلت إلى البدروم فى محاولة للاستفادة من المحتويات القديمة واستعارتها من مجلس الشورى. فوجئت بوجود أثاث فى منتهى الفخامة والدقة وتابلوهات زيتية فنية رائعة بيد أشهر فنانى مصر مثل محمود سعيد وبيكار وغيرهما، وعدد كبير من الملفات يعلم الله سبحانه وتعالى ماذا كان بها ولدهشتى وجدت مكتب الرئيس عبد الناصر وطاقم المكتب والبارافان وكلها من الخشب القيم المطعم بالعله (أرابيسك) فما كان منى إلا أن استعرتها للمجلس القومى للمرأة كعهدة ووضعنا المكتب فى حجرة خاصة فى منتهى الجمال وجعلنا منها متحفاً صغيراً لعبد الناصر ومزاراً لكل من زار المجلس من زوجات الملوك والرؤساء وكبار القوم من كل أنحاء العالم.
>>>
هاجم مقر المجلس فى ليلة 28 يناير 2011 حوالى 700 فرد وقاموا تحت إدارة وتنظيم متقن بالانتشار فى الأدوار الثلاثة وكانوا فى مجموعات لكل منها عمل معين فمجموعة قامت بأخذ قلب الكمبيوترات ومكونات مركز المعلومات الإلكترونية الذى كان يضاهى فى كفاءته مركز معلومات مجلس الوزراء حول تاريخ المرأة المصرية وتم ذلك بحرفية شديدة تدل على أنهم مهندسون وفنيون على مستوى عالٍ. ومجموعة تجمع الأوراق والملفات ومجموعة لفتح الخزن وأخذ محتوياتها من نقود ووثائق هامة...الخ. تم ذلك بسرعة شديدة ثم قيل لهم أن يأخذ كل منهم ما يريد فقام البعض بأخذ قطع الأثاث الخفيفة وخرجوا بها كما رأينا فى التليفزيون ثم صدرت لهم الأوامر بحرق كل شيء.. فحرقوا حجرة مكتب عبد الناصر بما فيها واللوحات الفنية باهظة الثمن وكل أثاث المبنى والخسارة الفادحة كانت حرق متحف تاريخ المرأة المصرية الذى كنا انتهينا من إنشائه بحسب أحدث تكنولوجيات المتاحف العالمية ويروى الحركة النسائية وتطور النهوض بالمرأة المصرية ودورها فى الحياة السياسية منذ الحملة الفرنسية وما قامت به سيدات رشيد ثم فى ثورة عرابى وثورة 1919 وثورة 1952، قمنا بتسجيل كل ذلك عن لسان أحد أفراد أمن المجلس القومى للمرأة الشجاع الذى لم يهرب عند هجوم الثوار بل سارع بخلع الزى الرسمى ليبدو وكأنه واحد منهم ومضى يراقب ويتحدث معهم وحدث أن قال لأحد الثوار لماذا لا نأخذ شيئاً مثل زملائك، فقال له "لا أنا مهمتى جمع المصاحف فقط"، هذه الأحداث، مسجلة على شريط كاسيت تركته فى خزنة حجرة رئيس المجلس عند نهاية عقد عملى فى مارس 2012.
>>>
تم هدم المبنى بأمر الدولة على أنه مبنى الحزب الوطنى وليس المبنى الذى سجل تاريخ جزء مهم من تاريخ ثورة يوليو وتتطور الأحداث السياسية المتعاقبة فى مصر منذ الخمسينات قبل نشأة الحزب الوطنى بما يزيد على عشرين عاماً.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة