إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

نجيب محفوظ وكيف يعبر الأدب الزمن ؟

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 14 ديسمبر 2019 - 07:47 م

فى حياتى التى امتلأت بالضجيج من الأدباء فى جلساتهم الحرة بعيدا عن الندوات أو بالمقولات الشمولية فى الندوات كثيرا ما كنت اسمع أحاديث من نوع كتابة جديدة منذ الستينات وكتابة جديدة فى الثمانينات وملامح جديدة فى أدب السبعينات والتسعينات الخ الخ. لم أكن أحب أن أدخل فى النقاش لأنى كنت أرى وراء هذا الكلام أحيانا نفوس طيبة تجد فى هذه القسمة تسهيلا لها لدراسة الأعمال وأحيانا نفوس غير طيبة تريد أن تنفى ما قبلها. والقاعدة فى الفنون والآداب أنه لا يوجد نفى لكن يوجد نَسْخ. المدارس الأدبية على اختلافها عبر التاريخ منذ المدرسة الكلاسيكية ثم الواقعية ثم الرومانتيكية ثم الطبيعية والواقعية الاشتراكية والواقعية الجديدة والعجائبية ومابعدها كلها لم تأتِ بمدرسة لتنهى وجود الأخرى. بل عادة تكون المدرسة الجديدة مضادة للقديمة أو تطويرا لها أو هروبا منها وفى كل الأحوال تكون الأولى سببا ومصدر استلهام حتى لو لغيرها وهذا هو معنى النسخ فالجديد ابن للقديم حتى لو كان مضادا. وفى كل مدرسة هناك أدب تافه وهناك أدب عظيم. والأدب العظيم عابر للزمن. هل أوقفت رومانتيكية فيكتور هوجو مثلا قراءة واقعية تشارلز ديكينز وهل أوقفت مدرسة اللاشعور فى الكتابة جيمس جويس ومارسيل بروست وفرجينينا وولف مثلا قراءة من سبقوهم أو أتوا بعدهم من العظماء من المدارس الأخرى حتى البعيد عنهم جدا مثل مكسيم جوركى. لا. لأن فى الأدب العظيم سمة العبور بالإنسانية وبالتجديد غير المتكلف. التجديد الذى لايكون لذاته ولكن مرتكزا على مفاهيم فلسفية. سمة العبور هذه للأسف فى مصر وخاصة منذ الستينات لا يلتفت إليها أحد وكل جماعة اعتبرت نفسها البداية الحقيقية والمُنْتَهَى فى بعض الأحيان. فكتاب الستينات لايتميزون بالتجديد عن يوسف الشارونى الأسبق ولا يوسف إدريس ولا بدر الديب لكنهم نجحوا أن يرسوا فى الوجدان أو العقل أنهم بداية التجيد فى القصة القصيرة وكأن جهود يحى حقى منذ الثلاثينات من القرن الماضى كانت فى مالطا. فقط هم نجحوا أن يصنعوا سياجا حولهم لايدخله أحد بينما فيهم الغث والسمين وفى كل واحد منهم الغث والسمين والأخيرة هذه عادية وطبيعية جدا فمهما كتب الكاتب لن تكون كل أعماله على نفس الدرجة من العظمة أو الاتقان وهذه لا تقلل من أحد. بعد ذلك نقرا عن الثمانينات والتسعينات انهم اهتموا بالمهمشين وكسروا التابوهات كأن ما انتجه يحى حقى كان بعيدا عن المهمشين. ولماذا نذهب بعيدا ؟ كأن ما كتبه خيرى شلبى كان بعيدا عن المهمشين. لن أتحدث عن نفسى مثلا. أما كسر التابوهات فهو أمر قديم أيضا منذ يحيى حقى الذى كتب عن الشواذ ومنذ يوسف إدريس الذى كتب قصصا مثل «أكان لابد ياليلى أن تضيئى النور» أو « طبلية من السما» أو غيرها كثير. كسر التابوهات ليس جديدا لكن المهم كيف تكتب. لماذا ابتعدت عن نجيب محفوظ بينما عنوان المقال عنه ؟ السبب أن الحديث العظيم عنه لا يعنى أنه يقف أمام أحد. لم يقف لاعمليا ولا كتابة أمام أحد وهو حى. وفى نفس الوقت لا يمكن نفى أعماله وليس معنى عبورها للزمن أنه يقف أمام أحد. العالم فى الفنون متسع فهى فى النهاية سلع تقدم إلى الناس فيهم من يتسلى وفيهم من يفهم ومحاولة البعض أن يرى أنه لا قيمة لمن قبلهم محاولة ساذجة ولا تصمد فى الواقع. هذه كلها اسئلة طرأت على ذهنى ونحن نمدح فى نجيب محفوظ وما فعله فينا فى ندوة عنه أقامتها دار صفصافة فى قصر السحيمى أنا والدكتور صلاح فضل والروائية والمترجمة اليوناينة بيرسا كوموتسى التى لها دور عظيم فى ترجمة الأدب المصرى إلى اليونانية والروائى والصحفى أحمد شوقى على. ليس مدحنا فى محفوظ سدا أمام أحد لكن أقوله بمناسبة من يتحدثون بلا فهم كيف يعبر الأدب الأجيال عن تميزهم عن السابقين متصورين أنهم يضعون سدودا أمامهم. الأدب يعبر السدود. المهم أن يكون أدبا وفنا. ومن يقدم أدبا وفنا يعرف قيمة السابقين واللاحقين.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة