هشام مبارك
هشام مبارك


يوميات الأخبار

فى حضرة العالمة أمانى أبو زيد

هشام مبارك

الأحد، 15 ديسمبر 2019 - 07:35 م

أن نصمت ويشك البعض أننا جهلاء ليس لدينا مانقوله خير من أن نتكلم فنقطع الشك باليقين!

الخميس:
سمعت كثيرا عن الدكتورة أمانى أبوزيد مفوض البنية التحتية والمعلوماتية والطاقة والسياحة فى الاتحاد الافريقي، لكنها المرة الاولى التى أراها وأستمع منها وجها لوجه. كنت أتحين أية فرصة للقائها خاصة عندما اختيرت كواحدة من أكثر مائة شخصية نسائية مؤثرة فى العالم، لذا لم أتردد عندما دعانى الصديق العزيز محمود القيسى رئيس الغرفة الفرنسية فى مصر لحضور ذلك اللقاء الذى استضافت فيه الغرفة هذه العالمة المصرية التى يحق لنا جميعا كمصريين أن نفخر بها، الحقيقة أن الرؤية المباشرة تختلف كثيرا عن الرؤية غير المباشرة حتى لو كانت أحاديث تليفزيونية، فالشاشة تحجب عنا الكثير من الانطباعات التى نلمسها من اللقاء المباشر، حتى الملامح الشكلية تختلف تماما إذا قابلت الشخص وجها لوجه عمل لو كنت شاهدته وسمعت صوته فى التليفزيون يتحدث أو رأيت صورته منشورة فى مجلة أو جريدة.
وصلت مبكرا جدا على غير عادتى لمقر المؤتمر.. كنت طامعا من الوصول المبكر فى أن أفوز بلقاء خاص للجريدة مع الدكتورة أمانى أبو زيد قبيل إلقاء محاضرتها لأنى أعلم أن جدول أعمال مثل هذه الشخصيات يكون مزدحما ولا يدع فرصة عقب اللقاء لحوار صحفى أو مقابلة تليفزيونية، لكن يبدو أن الطامعين كثر حيث سبقنى الكثيرون أيضا على غير عادتهم،  ووجدت القاعة ممتلئة وكل الضيوف قد أحاطوا بالضيفة العزيزة يتجاذبون معها أطراف الحديث فى محاولة للتعرف عن قرب على هذه الشخصية الرائعة.قدمنى لها الصديق محمود القيسى فصافحتنى بحرارة مؤكدة أنها مندهشة مما يقال عن الصعوبات التى تواجه الصحافة الورقية فى مصر. الدكتورة أمانى لاتزال من المؤمنين بأن الصحافة الورقية أبدا لن تندثر وأنها مهما واجهت من منافسة وسائل اخرى إلا أنها ستسترد عافيتها وستعود يوما لتزدهر من جديد.
استمتعت أيما استمتاع بالمحاضرة التى ألقتها الدكتورة أمانى بذلك الحضور الطاغى الآخاذ وقدرتها على التحليق بالحضور لآفاق لم تكن معروفة من قبل عن القارة الإفريقية حيث قالت أن أفريقيا التى فى أذهاننا من الماضى غير أفريقيا الحديثة التى نجهل عنها كثيرا مما وصلت إليه وحققته فى السنوات الأخيرة. كيف استطاعت الدكتورة أمانى وهى التى لم يمر على استلامها لمنصبها فترة طويلة أن تكون تلك الرؤية الشاملة فى تخصصها الذى يعد من وجهة نظرى يعالج أخطر ماتواجهه القارة السمراء من تحديات. لفت نظرى قدرتها على تطويع اللغة الفرنسية الراقية التى تتقنها تماما لتبسيط المعلومات المتدفقة التى شملتها محاضرتها، ولعل أهم مالفت نظرى وهى تتحدث لحضور يغلب عليه طابع رجال الأعمال هى التأكيد على أنه لا يوجد فى العالم كله بيزنس سهل، يتساوى فى الصعوبة أن تؤسس «كشك صغير» على ناصية حارة بمشروع كبير جدا. طبعا لو حاولت استعراض الخبرات والمناصب التى تولتها الدكتورة امانى قبل وصولها لهذا المنصب لاحتجت لعشرات الصفحات حتى يمكن حصر المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية التى عملت بها اضافة لخبرتها المصرفية الواسعة وإدارتها للمركز الافريقى للموارد الطبيعية التابع للبنك الافريقى للتنمية، غير الدراسات العلمية المتميزة التى حصلت عليها.
شكرا للدكتورة امانى وشكرا لمحمود القيسى على هذا اللقاء المتميز فقد قضيت حوالى ساعتين كاملتين استمع لحديثها المتدفق ثم حوارها الثرى مع الحضور وربما لولا أن المؤتمر محكوم بتوقيت لامتد اللقاء حتى بقية اليوم.كما كانت فرصة طيبة لمقابلة عدد كبير من الأصدقاء لم ألتقهم منذ فترة طويلة وعلى رأسهم الصديق الكبير فؤاد يونس رئيس مجلس الأعمال المصرى الفرنسى وهارفى مادجيه رئيس الغرفة الفرنسية فى مصر عن الجانب الفرنسى وغيرهما الكثير من الأصدقاء الأعزاء. بقى أن أقول أن لقاءات الغرفة الفرنسية فى مصر تحظى دائما باقبال كبير على حضورها نظرا لقيمة ضيوفها وأهميتهم.والشكر مجددا للصديق العزيز محمود القيسى ولإدارة الغرفة الفرنسية التى تعرف كيف تختار الضيف المتحدث للحظة المناسبة، ولا أعتقد أنه كان هناك من هو أنسب من الدكتورة أمانى أبو زيد لتحدثنا فى هذه اللحظة بالذات عن الاتحاد الإفريقى وعن أهمية مصر لهذه القارة وأهمية أن ندرك ماذا يمكن أن نقدم لها وماذا يمكن ان  نستفيده منها خاصة فى مجالات تخصص وظيفة الدكتورة امانى باعتبارها مفوضا للاتحاد الافريقى فى البنية الأساسية وتكنولوجيا المعلومات والسياحة وكلها قضايا مصيرية ونحن نبنى مصر الجديدة.
إيه قصده الحليوة ؟
الأربعاء:
رغم أننى أود الكتابة فى هذه الفقرة عن واحدة من أشهر الإغنيات المصرية القديمة وهى أغنية عنابى للمطرب الجميل كارم محمود إلا أننى اخترت للفقرة عنوان المقطع الذى يقول فيه «إيه قصده الحليوة» لأنى اعتبر هذه الكلمات الثلاث القليلة هى محور السحر فى الأغنية التى تضمنت ثلاث مراحل تمثلت فى الشكوى والغزل والمناجاة التى كتبها الشاعر كمال الإسناوى ولحنها الملحن حلمى أمين.
تبدأ الأغنية بمذهب واستهلال لافت للنظر يتضمن غزلا عفيفا تقول كلماته: عنانى عنابى ياخدود الحليوة..أحبابى أحبابى يارموش الحليوة ثم يدخل الحبيب فى الموضوع مباشرة وينتقل لمحور الشكوى عندما يشركنا نحن المستمعين كطرف أصيل يريد أن يشكو لنا مافعله به محبوبه وهو يسأل خدود الحليوة ورموش الحليوة ويسألنا نحن كمستمعين مستمتعين سؤالين مهمين هما:يرضيكوا الحليوة يسيبنى للنار إللى بتدوبنى إيه قصده الحليوة؟ ورغم أننا جميعا لدينا إجابة واضحة على السؤال الأول وهى بالطبع رفض مايفعله الحليوة إلا اننا بالتأكيد لا نملك إجابة على السؤال الثانى فلا يعرف أحد منا بالتأكيد « إيه قصده الحليوة».
ثم ينتقل بنا الشاعر والملحن والمطرب إلى الغزل من جديد فى حبيبه: بتميل العيون على خده.. بتشاهد جناينه وورده.. ونسايم عبير بيعدوا.. لو فات الحليوة.. بتهل الروايح منه.. وبيتقل علينا إكمنه.. متأكد وعارف إنه.. أمورة وحليوة.. لاحظ هنا أن الحبيب بدأ يستنتج تقريبا سبب مايفعله به المحبوب من تقل ودلع فقط لأنه متأكد أنه امورة وحليوة. لكنه مع ذلك يعود ليجبرنا على استمرار التعاطف معه بترديد أسئلة الاستعطاف من جديد:يرضيكوا الحليوة يسيبنى للنار إللى بتدوبنى..إيه قصده الحليوة؟. وحتى لا يقع داخل أحدنا ولو مجرد تساؤل لماذا يبهدل الحبيب نفسه مع محبوب لا يشعر به يعود من جديد ليصف لنا محاسن المحبوب قائلا: وعيونه ياناس آه يانا.. بتصحى قلوب نعسانة.. يامصبح عليها أمانة لتوصى الحليوة.. وتقول له أن فيه أحباب.. فاتحين للمحبة الباب.. من شوق الهوى الغلاب.. ولا جاش الحليوة.. لاحظ هنا أن الملحن بدأ الكوبليه بمقام الحجاز حتى جاءت عبارة: وتقوله إن فيه أحباب فاتحين للمحبة الباب لينتقل من مقام الحجاز الملىء بمشاعر الأسى والشفقة وهو الوحيد الذى يعتبر مقاما شرقيا وغربيا فى وقت واحد إلى مقام الراست المشهور بسيد المقامات الشرقية وهو من أكثر المقامات وضوحا فى شخصية الموسيقى الشرقية ويحبذه المطربون الحقيقيون لإثبات تمكنهم ولا أعتقد أن مطربا آخر غير كارم محمود كان سيتمكن من هذه النقلة الصعبة والتحول البديع بين المقامات دون أن تهتز قوة الصوت ولا تقل حلاوته.
فى آخر كوبيله يمزج الشاعر معانى الشكوى والغزل والمناجاة مضيفا إليها الرثاء الذى يستجلب الاستعطاف أيضا عندما يقول: يا عينى عليك ياقلبي.. يا كاتم هواك ومخبي.. لتبوح للحليوة بحبي.. ولا مال الحليوة..ولأمتى البعاد متقدر.. انا باسأل عليه وبادور.. مش ليلة ده شهر وأكتر.. ولا جاش الحليوة. ثم ينهى الأغنية بنفس السؤالين: يرضيكوا الحليوة يسيبنى للنار إللى بتدوبنى..إيه قصد الحليوة؟ مر على هذه الأغنية الرائعة أكثر من 47 عاما ولاتزال نابضة بالحياة ولايزال السؤال الذى تحمله حائرا بلا إجابه: إيه قصده الحليوة؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة