أمنية طلعت
أمنية طلعت


حبوا بعض

بقة زيوس

أمنية طلعت

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019 - 06:56 م

هناك حشرة أسترالية صغيرة تدعى (بقة زيوس). يذكر العلماء أن ذكور بقة زيوس أصغر حجماً من الإناث، وأنها تركب فوق ظهور رفيقاتها مثل فرسان سباقات الخيل، حيث تفرز الأنثى مادة تشبه الشمع على ظهورها يأكلها الذكر، ولا يذكر لها غرض آخر عدا تغذيته.
لحظات طويلة من التأمل أعقبت قراءة هذا المقطع من كتاب «قدحة النار» لريتشارد رانجهام، العالم الذى تتبع تطور العلاقات بين البشر بعد اختراع النار ومن ثم اختراع الطهى. كتاب رائع ومليء بالمعلومات المفيدة والممتعة، لكن ربما كان أطرف ما احتوى عليه، هذا الجزء الذى يؤصل فيه رانجهام لأن العلاقة الزوجية أو اختراع الزواج بين الذكر والمرأة قام فى الأساس على قيام المرأة بعملية الطهى، فبرغم أن الرجل فى العصور السحيقة وحتى الآن يستطيع أن يطبخ، لكنه فى النهاية أكثر مهارة فى الصيد، فلذلك وقع على عاتقه مسألة توفير اللحم، أما المرأة الأضعف جسدياً فقد استقرت فى التجمعات البشرية واستطاعت أن تجمع أنواع الغذاء الأخرى من فاكهة وخضراوات، ومن ثم طهيها، حيث تمضى أجزاء طويلة من اليوم فى إعداد الطعام الذى يتكون مما جمعته من نباتات ولحوم منحها إياها الرجل، ومن هنا قامت العلاقة الاقتصادية التبادلية، أن يعطى الرجل للمرأة اللحم فى مقابل أن تطهوه له مع ما جمعته من نباتات. الأمر فى الأصل ليس جنسيا، فالجنس فى هذه العصور كان متاحاً دون ضوابط.
أجمل ما فى الأمر أن ريتشارد رانجهام بعد أن أسهب فى سرد هذه العلاقة الاقتصادية فى الزواج داخل المجتمعات البدائية التى رصدها، أكد أن الطريق إلى قلب الرجل معدته بداية من بقة زيوس ومروراً على الحيوانات الرئيسية ووصولاً إلى الإنسان، فالاحتياج الجنسى لم يخلق الزواج، ولكن الاحتياج إلى الطعام هو الذى أسس له وكرس للعواطف والمشاعر الملتهبة.
الطريق إلى قلب الرجل معدته، ليس مثلاً شعبياً عربياً سطحياً، بل هو مثل عالمى ذو مغزى عميق منذ قديم الأزل، فالمرأة منذ بداية الحياة تستطيع أن تستحوذ على لب الرجل وتجعله يتزوجها إذا كانت طباخة ماهرة، فرجال البونيريف فى غينيا يكتسبون مكانتهم الاجتماعية بالزواج من امرأة تعرف كيف تطهو وجبة (الساجو)، وليس مهماً أن تكون شابة أم عجوزا، فالنساء فى هذه القبيلة يوفرن الطعام المطهو لأزواجهن، بينما يوفر الأزواج لهن اللحم والحماية، وهذا هو ما أعتقد أنه قمة الرومانسية التى تبنى بيوتاً صلبة لا تنفصم عراها، مهما حدثنا من معطيات العلاقة وأضفنا عليها نكهات معاصرة. حماية وطعاما!.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة