إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

مصر والثقافة والعالم العربى

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 21 ديسمبر 2019 - 07:52 م

نحن نعيش على الماضى. أكبر أمة فى العالم تعيش على ماضيها هى نحن. ولقد أصبح الماضى أغنيات وكلام حلو يقال فى المناسبات بينما الحقيقة حولنا مرعبة. مصر أم الدنيا لكن لا أحد يعرف المعنى الخفى لأم الدنيا. المعنى المباشر والسريع هو أن الحضارة المصرية القديمة هى أقدم الحضارات. لكن المعنى الخفى هو كيف كانت مصر جاذبة للعالم كله. يأتون من كل الدنيا لنهبها وبعضهم يترك فيها أثرا طيبا ويذوب فيها وبعضهم يخربها وهؤلاء كانوا أكثر. كان موقعها هو الجاذب فبه يتم التحكم فى طرق التجارة العالمية. وآخرمظاهر الغزو لمصر لهذا السبب كانت الحملة الفرنسية. وهذه من الحملات التى تركت أثرا طيبا رغم ما ارتكبته الجيوش الفرنسية من قتل. فبعدها بدأ النظر إلى تاريخ مصر القديم نظرة أخرى خاصة بعد أن تم فك شفرة اللغة المصرية القديمة، رغم أن هذا الفك للغة تم بعد أكثر من عشرين سنة من خروج الفرنسيين. وكتب علماء الحملة كتابهم العظيم «وصف مصر». وأضيئت الشوارع وصارت النظافة فيها وفى البيوت ومُنع الدفن فى المنازل الذى لم تعرفه مصر أيام الفراعنة أبدا فانتهى الطاعون الذى فتك بالبلاد مئات السنين ولم يعد غير مرة واحدة فى أربعينات القرن التاسع عشر ومضى بسرعة. عرفت مصر أن طريق النهضة هو البحر المتوسط فذهبت البعثات إلى أوربا والحديث طويل عما قدمه العلماء من أبحاث فى اللغة والقانون والعمارة وظهر المعنى الثانى لأم الدنيا فجاء كل الكتاب والفنانين والعلماء من العالم بعضهم هربا من المذابح مثل الأرمن واليهود وبعضهم هربا من الديكتاتورية العثمانية مثل الشوام وبعضهم تحقيقا لطموحه فى بلد ناهض. انتهى كل ذلك مع سياسة عبد الناصر وانتهى تماما مع سياسة السادات التى جعلت الأقباط غرباء فمابالك بالأجانب. انتهى تماما حتى أن الدولة المسكينة أقرت قانونا للجنسية بفلوس ولم تفكر كيف كان الغرباء يحصلون على الجنسية ذلك الوقت بعد أن يقدموا كثيرا من العمل والتفانى فى كل نواحى الحياة المصرية. ماعلينا من هذا كله يحتاج كتبا. المهم الآن هو حالنا الثقافى. الجوائز الكبرى للآداب والفنون والعلوم والدراسات بأنواعها كله فى العالم العربى. وأكثر من دولة مثل السعودية تقوم بدعم الترجمات لإنتاج كتابها من المبدعين والنقاد فى اللغات الأخرى. والجوائز العربية صارت مدخلا للترجمة وخاصة جائزة كتارا والأكثر جائزة البوكر. لن أناقش الجوائز فكل الجوائز لها مالها ولها ماعليها لكن أين مصر من ذلك. كيف حقا لم توجد فى مصر غير جوائز الدولة وهى طبعا الأحق بها هم المصريون لكن ماذا بعد جوائز الدولة. مبلغ مالى لا بأس به لكن يعود الدفتر إلى الإغلاق. لايقبل الناشرون ولا المترجمون على أعمال الفائزين ولا تشجع الدولة ذلك. يوما ما حاول الدكتور ناصر الانصارى عمل مشروع ترجمة عن طريق هيئة الكتاب وكان من الذكاء أنه جعل النشر فى الدول التى يُترجم إليها الكتاب لكن توفاه الله بعد قليل وتوقف المشروع ولم يفز بالترجمة غير ثلاثة أو أربعة كتب وكتاب. فى مصر جائزة أدبية وحيدة من المجتمع المدنى فى القصة والرواية والشعر والنقد والسنياريو هى جائزة ساويرس لكن بقية رجال المال غائبون عن حقل الثقافة تماما بينما باشوات قبل يوليو 1952 هم الذين أقاموا الثقافة وهم من أصدر المجلات والصحف وهم من قدم الجوائز. كانت مصر هى أكبر دولة عربية بها ثقافة بتجلياتها كلها، مسرح وسينما وغناء وأدب وفنون تشكيلية ثم تم تأميم كل لذك. انتهى زمن التأميم ولم يعد ذلك إلى ماكان عليه ولن أتحدث عن الكساد فى وزارة الثقافة فأنا لا أنتظر منها أن تعيد شيئا إلى ماكان عليه لأنى أعرف أنه لا ميزانيات تكفى ولا حرية فى العمل. أنا فقط أنظرحولى إلى تقدم العالم العربى فى الفنون والأداب وخدمتها وأنظر حولى فى مصر لأرى نحتا فى الصخور، وكل مايفوز به الكاتب أو الفنان هو متعة الإبداع. لا أنتظر من الدولة شيئا ولا يبدو أن المجتمع المدنى سيتحرك فى هذا الاتجاه لأنه أصلا لايستطيع الحركة وجائزة ساويرس استثناء وحيد. ألم تكن مصر أولى بتدشين جوائز أكبر من هذه الجوائز التى يقبل عليها الكتاب العرب والمصريون ثم دور النشر الكبرى لترجمة أعمال أصحاب هذه الجوائز ؟ إلى متى تخفى مصر وجهها المشرق الحقيقى ؟

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة