د. محمود عطية
د. محمود عطية


من باب العتب

استعمار العقل .. !

د.محمود عطية

الخميس، 26 ديسمبر 2019 - 07:08 م

تغيرت وتبدلت الدنيا بالتقدم العلمى والتكنولوجى الذى نحياه وتشهده الإنسانية.. ومع هذا التغير والتقدم العلمى تغيرت بالتبعية سلوكياتنا وطريقتنا فى الحياة وفهمنا لما حولنا.. وبالمستحدثات العلمية اكتسبنا عادات لم تخطر على بال بشر من قبل.. وتذكر معى فقط ما أحدثته الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة وخاصة الموبايل فى سلوكياتنا.. وبداهة لابد من فهم واستيعاب أن الحياة لم ولن تكف عن التغير والتطور.. حقائق تتغير وتتبدل فى كل فروع المعرفة والعلوم وبالتالى سلوكياتنا ونظرتنا للأمور حتما فى تغير..!
علوم تزهد قديمها بجديدها.. وحقائق الأمس تصبح خرافات اليوم.. فلا إطلاقات ولا حتميات أو بديهيات غير التغير والتبدل.. حتى الذكاء الإنسانى لم يعد ثابتا فهناك دراسات تشير إلى أنه فى ازدياد وتطور ربما لتحديث مقاييس الذكاء والتركيز على بناء العقل الناقد.. وعليه أطفال الغد سيكونون أكثر ذكاء.. ورغم ذلك مازلنا نربى أبناءنا على أن الحقائق ثابتة لا تتغير ولا تقبل الجدل ولا المناقشة السؤال له إجابة واحدة!.. وكل شىء يتغير فينا.. وتاريخنا وتاريخ العالم نعلمه وندرسه كأنه كتاب مقدس وننسى أن كاتب التاريخ إنسان وربما صاحب هوى.. وهكذا نستعمر عقول أبنائنا بما نبثه فيهم صغارا ونجنى منه الأمرين كبارا.. ونردد ما نطلقه عليه ثوابت.. والثوابت الوحيدة هى تغير الثوابت رضينا أم أبينا!
فكما يتم استعمار القارات والدول وتجميدها ومنعها من التطور يتم استعمار العقل الإنسانى وتجميده ومنعه من التفكير والنمو والتطور.. واستعمار العقل يتم بعدة أشكال أهمها إلغاء مهمته فى النقد وكبت الرأى الحر وبغضه.. وأخيب ما نفعله هو تربية العقل على حقائق نهائية والتأكيد على أنها ثابتة ثبات الأيام والليالى.
وما نراه حولنا يؤكد استعمار عقولنا واستعبادها بأفكار نتصور أنها ثابتة لا تتبدل، من هنا لا نفرز علماء ولا مخترعين أو مبدعين لأن عقليتنا ترعرعت على حقائق لا تقبل المناقشة.. والكون علميا من حولنا يتغير ويتسع ويتمدد يوما بعد يوم.. انظر لنفسك كيف تحولت من طفل إلى شاب ثم كهل، وقل لى من ظل طفلا ولم يمر بمراحل التغير السابقة..! وتذكر معى كيف ترى طفولتك وما كنت تتخيله وتراه حاليا أوهاما وبصرك اليوم حديد.
من كان يتخيل أننا يمكن أن نتواصل مع من هم فى أقاصى الأرض بالصوت والصورة ونحن جلوس فى مقاعدنا هنا وبيدنا موبايل.. وتجرى حاليا أعقد العمليات الجراحية عن طريق النت بين طرفى الأرض.. العالم من حولنا يسرع ويتقدم ونحن يا سادة عقولنا فى إجازة مفتوحة.. نتناحر باسم الدين ونقتل بعضنا بعضا ونتهم الغرب ونحن نقدم له كل مسوغات قتلنا.. نتقاعس عن الفهم والتفكير وكأن الفكر بدعة وضلالة والعياذ بالله.. نحفظ العلم الغربى ونتفوق فى حفظه وفى حياتنا خشب مسندة لا نتقبل غير ما حفظناه وإن تبدل وتغير.. وانظر لتلك الجماعة التى تنكل بنا يوميا وترفع شعارات تدغدغ عقول شبابنا.. طلابنا ينخدعون بها ويتخيلون أنهم يجاهدون كفارا وهم فاقدو القدرة على التفكير لأنه تم استعمار عقولهم.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة