الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم


عمرو الخياط يكتب: مصــــــر العميقــــــــة

عمرو الخياط

الجمعة، 27 ديسمبر 2019 - 08:44 م

عامًا بعد عام تثبت ثورة ٣٠ يونيو أنها ثورة إنقاذ الدولة المصرية، هي أول ثورة وجودية انطلقت بكامل مخزون الوعي والغريزة والفطرة المصرية، ساعتها انتفضت مصر من أعماق كل مصري استقرت بداخله فطرة حب الوطن وإدراك قيمته فانطلقت الجموع في لحظة توحد مذهلة أعادت إثبات إدراك ما الذي تريد مرة أخرى يوم الجمعة ٢٦ يوليو بدعوة من وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي.

التوحد الناشئة أزعجت أطرافاً عديدة بعدما أنتجت حالة وعى بقدر قيمة الدولة العميقة مثلت درعا واقية ضد الحملات المنظمة تجاه مصر، ومنذ تلك اللحظة فإن كتلة الوعي العام مستهدفة بشكل مستدام لإعادة تشكيك هذا الوعي على قاعدة من الشك اللانهائي.

في مواجهة حالة الوعي التي أنتجتها ثورة ٣٠ يونيو بدأت عملية منظمة لبناء منظومة تشكيك ضخمة ترتكز على عملية ضخ إعلامي مكثف ومتنوع يتخذ من اسطنبول قاعدة له بينما تتدفق الأموال من الدوحة لضمان استمرار التأثير التراكمى لتلك الحملات.

منذ انطلاق الحملات وهى تدرك طريقها إلى قلب مقومات الدولة المصرية العميقة (القوات المسلحة- الشرطة - القضاء- الإعلام)، وهى مقومات حفظ هوية الدولة وكيانها وتجدها تتماهى مع الأنظمة ما دامت هذه الأنظمة على إدراكها بمفاهيم الأمن القومي للدولة، فإذا حدث العكس فلا يجوز الحديث عن مفهوم «الانقلاب» بل الصحيح أن نتحدث عن مفهوم «الاستعدال» لصالح بقاء الدولة.

وبهذا المفهوم استحقت أن تكون ثورة ٣٠ يونيو لقب «ثورة الدولة» لأن من قادها وحافظ عليها الدولة نفسها التى استجابت لوعى وفطرة المواطن.

اللحظة الأولى كان الهدف هو تفكيك الكتلة الصلبة الحاملة لثورة ٣٠ يونيو التي استطاعت أن تخضع نفسها سريعا لمفهوم دولة المؤسسات من أجل السيطرة على عملية المد الثوري والبدء فى عملية البناء الداخلي بالتوازي مع الاتصال الخارجي، ثم استلم الحالة بأكملها المرشح عبدالفتاح السيسى بعد فوزه في الانتخابات محمولا على نفس القاعدة الثورية الذي راح مرارا وتكرار يتحدث عن مرحلة تثبيت الدولة، كان يكرر المصطلح ليقينه بأن حملة التشكيك مستمرة فى مواجهة التثبيت.

تذكر منذ اندلاع أحداث ٢٠١١ وانطلقت الحملات نحو تشويه مصطلح ومفهوم «الدولة العميقة» باعتبارها كيانا سريا قادراً على العمل ضد الشرعية، كما لو كانت هذه المؤسسات ندا للدولة وليست الوسيلة الحقيقية لحفظ وجودها، المدهش أن المضاد اللغوى «للدولة العميقة» هو «الدولة الضحلة» إن جاز التعبير سياسيا، فهل يقبل أى وطنى أن تكون دولته ضحلة ومسطحة؟!.

ما حدث من استهداف لمصطلح «الدولة العميقة» كان مقصودا لتجريدها من أدوات مقاومتها لحالة الاختطاف التى تعرضت لها من تنظيم عصابى لا يمكن أن يستمر إلا على أطلال هذه الدولة.

عملية التفكيك قابلها عبدالفتاح السيسى بحركة بناء متشعبة كان هدفها إضافة عناصر قوة لمقومات مصر العميقة التى أثبتت التجربة أن صلابتها هو الخيار الحتمى لبقاء الدولة، وليس مخططا خفيا بل عملية بناء معلنة وواجب قومي على كل من قبل أن يتصدى للمسئولية.

تذكر خلال العام الذي حكم فيه التنظيم الإخوانى حالة التحرش بتلك المؤسسات التي من المفترض أنها أهم أدوات النظام الذي كان إخوانيا ساعتها، لكن العلاقة تحولت من عملية إدارة إلى حالة تحرش ليس لحالة عداء نمطيه داخل تلك المؤسسات بل لأن مستهدفات التنظيم ساعتها كانت ضد مفاهيم الأمن القومي، فبدت تلك المؤسسات كما لو كانت ندا للنظام بينما كانت تحافظ على الدولة فى مواجهة تنظيم لم يستطع أن يتحول إلى نظام واعتقد أن بإمكانه إعادة اختراع الدولة.

نجاح ثورة ٣٠ يونيو التي أحدثت حالة وجد درامي غير مسبوق ، عاد الثائرون إلى بيوتهم آمنين مطمئنين، فبدأت موجة جديدة من المواجهة انطلقت في اتجاهين، الأول نحو  وعى المواطن من خلال الشاشات الإخوانية ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والثاني نحو عناصر الدولة العميقة من أجل فصلها عن المواطن بالتشويه والتشكيك لإعادة صياغة صورتها الذهنية في الوعي العام باعتبارها مؤسسات للسيطرة وليست الحماية، فارتكزت عملية التشويه على الطعن فى السمعة والنزاهة من جهة وعلى إعادة صياغة العلاقة بين تلك المؤسسات والمواطن على أساس أنها تنافسه فى كل المجالات وتمارس ضده تضييقا متعمدا.

إذن كانت الحرب الدائرة تعرف طريقها منذ البداية نحو أعماق الدولة وتدرجت مراحلها استغلالا لحالة الاسترخاء التلقائية التي حدثت للمواطن بعد زخم ثوري استمر أكثر من ثلاثة أعوام متصلة، آثر بعدها أن يجنح للهدوء بعد أن سلم وديعته وأمانته الثورية لدولته العميقة، فكانت مراحل الاستهداف متدرجة على النحو التالي : 

> عزل المواطن عن مؤسسات دولته العميقة
> زرع حالة من الإحباط 
> استعداء المواطن نحو المؤسسات 
> استخدام المواطن المملوء بالغضب المصطنع ضد دولته.

تخيل أن المواطن الغاضب أصبح مسوقا رئيسيا لبضاعة مشروع الاستهداف بل وممولا لها من خلال ما ينفقه على باقات التواصل الاجتماعي. الحملة الدائرة كانت تريد أن تجرد الدولة من عناصر قوتها التى تفقد فاعليتها دون التفاف شعبي، وبالتالي فإن الهدف هو الانفراد بتلك المؤسسات في معزل عن ظهيرها الاجتماعي والشعبي لتحقيق هزيمتها قبل بدء المعركة.

إلى ما نحن مقبلون عليه فى ليبيا، وما نواجهه في منابع النيل، وما نقابله في شرق المتوسط وفِى السودان وفِى سيناء، انجز جولتك حول وطنك واترك هاتفك الذكي وارجع إلى ذكائك الفطري وتيقن من موضع وطنك في وجدانك، ولا تنخدع بأن المعركة قد انتهت وتأكد أنها قد بدأت.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة