ياسر رزق
ياسر رزق


ورقة وقلم

الجيش.. والأحزاب.. والإصلاح السياسى

ياسر رزق

السبت، 28 ديسمبر 2019 - 07:18 م

القوات المسلحة لن تسمح بأن يقفز الإخوان مجدداً على السلطة ولن تقبل بأن تتغلغل فى الحكم تيارات تعصف بمدنية الدولة

إنها النهاية لعام صعب، فى ختام عقد أصعب، لعله الأشد صعوبة ودموية وتأثيراً على مستقبل مصر والمنطقة والعالم، منذ سبعين عاماً مضت على أقل تقدير..!
مناسبة لا تتكرر إلا فى آخر كل عام، أن تجلس ـ إن استطعت ـ فى هدوء عند حافة الزمن، ترقب الأيام ترمح كالعاديات ضبحاً، تجرجر من ورائها العمر، تتساقط منه السنون، وتتبعثر، تذهب  ولا تعود..!
ميزة نهايات الأعوام أنها فرصة للتفكر والتدبر واستخلاص العبر، يستوى فى هذا الأفراد والجماعات والدول.
السنة السعيدة تبشر بعام آت مشرق، والسنة التعيسة تستفزك وتحرضك على أن تقاتل من أجل عام مقبل مغاير.
هذا العام 2019، كان صعبا، لكنه لم يكن تعساً، بل أظنه الجسر إلى سنوات ألمع بريقاً وأعرض أملاً، وأكثر استقرارا.
إذا ألقيت نظرة إلى الوراء، نحو مجريات العام المنصرف على أرض مصر، ستجد كثيراً من العلامات والمعالم، لكن الأبرز منها ـ فى رأىى ـ ليس الاقتصاد الذى تضىء مؤشراته باللون الأخضر فى معدلات النمو والتشغيل وسعر الصرف والسيطرة على التضخم والدين وعجز الموازنة.
ليس الأبرز ـ فى تقديرى ـ المشروعات الكبرى فى مجالات البناء والتشييد والعمران كالمدن الجديدة والطرق وأنفاق القناة فى الاسماعيلية وبورسعيد، ومجالات الغذاء كالزراعة والمزارع السمكية والحيوانية، ولا هو ـ فى نظرى ـ مبادرات الصحة العديدة فى مجال القضاء على ڤيروس سى، وعلاج الأمراض السارية والأطفال ضعاف البصر والسمع، برغم ما لها وغيرها من تأثير إيجابى هائل فى المجتمع.
لكن الأبرز والأهم والأكثر تأثيرا على مستقبل التنمية والاستقرار على أرض مصر، هو المادة (200) من الدستور، التى جرى تعديلها فى عام 2019، لتضيف إلى القوات المسلحة مهامَّ جديدة لم تعرفها الدساتير السابقة.
< < <
يوم الأربعاء الماضى، كان الرئيس السيسى يتحدث خلال زيارته للفيوم عن إسهام القوات المسلحة فى مشروعات الأمن الغذائى وغيرها، ثم قال إن هناك مهمة أخرى للجيش هى الحفاظ على المسار الدستورى ومدنية الدولة وديمقراطيتها ومنع سقوطها.
ووجه الرئيس الشكر إلى الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب ـ الذى كان يجلس إلى جواره ـ على التعديلات الدستورية التى اقترحها البرلمان ووافق عليها الشعب فى الاستفتاء وقال: «سواء كنا موجودين أو غير موجودين، تظل مسئولية القوات المسلحة الحفاظ على هذه الدولة من السقوط مرة أخرى».
المادة (٢٠٠) من الدستور، صارت منذ استفتاء ابريل الماضى تنص على أن القوات المسلحة مهمتها «حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد».
ربما لم يلتفت كثيرون إلى أن كل كلمة وعبارة من هذه المادة، موزونة بميزان الذهب، وربما لم تدرك الغالبية مغزى كل جملة وفلسفة التعديل الذى أدخل على هذه المادة.
لذا أشار الرئيس إلى أن الأضواء لم تسلط بما يكفى إعلاميا على المهمة الجديدة للقوات المسلحة وفقا للتعديلات الدستورية.
ولقد كانت المادة (٢٠٠) بنصها الجديد، على رأس المواد التى دعوت إلى أن تشملها تعديلات دستورية اقترحت إجراءها منذ عام بالضبط يوم ٢٨ ديسمبر العام الماضى، فى أول مقال كتبته عن الإصلاح السياسى، وهذا هو المقال التاسع الذى أكتبه فى هذه السلسلة عن هذه القضية التى أعتبرها مفتاح التحول من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة استقرار النظام السياسى.
ولا أخفى سعادتى حين أقول إن رأى نواب الشعب قد ذهب إلى نفس رأيى - تقريبا بالنص - فيما يتعلق بتعديل المادة (٢٠٠) بالذات.
< < <
الجديد فى كلام الرئيس السيسى، أنه كان يتحدث عن المهمة الدستورية الجديدة التى أضيفت إلى مهام الجيش المصرى، بينما كان يجلس بجواره فى اليمين واليسار، وينصت إلى كلامه ويُؤمِّن على فحواه، كل من الفريق أول محمد زكى القائد العام والفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة.
ربما هناك من يرى أن الجيش المصرى ليس بحاجة إلى نص دستورى أو تقنين لمهمته المقدسة فى حماية إرادة الشعب المصرى، لكن النص هنا يحول دون أن يأتى أناس فى زمن ما، يتحججون بغياب نص، أو يفسرون هذه المهمة وفقا لمصالح أو أهواء أو أغراض..!
< < <
المادة (٢٠٠) تقول بوضوح إن الجيش المصرى لن يسمح بانتهاك الدستور، لأنه الحامى للدستور المصرى.
الجيش المصرى لن يسمح أبدا بأن يقفز الإخوان مجددا على السلطة.
الجيش المصرى لن يسمح بأن تتغلغل فى الحكم قيادات تتدثر بالسياسة لتعصف بمدنية الدولة المصرية.
الجيش المصرى هو الحامى لإرادة الجماهير المصرية، ولن يسمح أبدا، أو يتسامح مع من يريد أن يحكم أو يتحكم على غير إرادة الشعب، أو على غير ما يقضى به الدستور.
الجيش المصرى هو حارس الديمقراطية التى تتحقق بالتعددية الحزبية والانتخابات الحرة النزيهة، وهو المدافع عن حقوق وحريات الأفراد.
إذن لا خوف على البلاد من أن تندس فى حياتها السياسية جماعات معادية للديمقراطية كجماعة الإخوان وحلفائها.
لا خوف على البلاد من أن تسقط فى شباك جماعات الفوضى أو التحريض على تشظى الوطن وتفتيت مكوناته.
لا خوف على البلاد من عودة إلى الاستبداد وقمع الحريات ومن رجوع إلى عام الاستحواذ والإقصاء وتغيير الهوية الوطنية تحت حكم المرشد.
لا خوف على الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، ولا توجس من الافتئات على إرادة الشعب، ما دامت قواتنا المسلحة باقية بإذن الله تحرس وتحمى وتباشر مهامها المقدسة.
< < <
أهم ما فى المادة (٢٠٠) إذن، أنها تكفل وترعى استقرار النظام السياسى فى البلاد، والحيلولة دون تكرار كابوس الحكم الإخوانى، بغض النظر عن وجود الرئيس السيسى فى الحكم أم لا.
فضلا عن أنها تقطع الطريق على دعاوى هؤلاء الذين يريدون قصقصة ريش العملية الديمقراطية، بذريعة الخطر الإخوانى، وحجج أولئك الذين يرغبون فى تكميم الصحافة والإعلام بزعم أنها كانت الغطاء الذى نفذت منه السموم الاخوانية..!
واقع الأمر أن هؤلاء وأولئك هم الطابور الخامس للجماعة وعونها وعضدها، وهم بالقطع أعداء نظام 30 يونيو..!
< < <
فى نفس ذلك اليوم، وفى ختام زيارته للفيوم، سألت الرئيس السيسى أثناء لقائه مع كبار الصحفيين والاعلاميين، عن الاصلاح السياسى، والانطلاقة المتوقعة له خلال العام الجديد، لتواكب الخطوات التى تمت على صعيد الركائز الأخيرة للدولة المصرية الحديثة، وهى الاصلاح الاقتصادى والاصلاح الادارى والاصلاح الاجتماعى.
وأجاب الرئيس باستفاضة، مؤكدا عزمه على المضى فى الاصلاح السياسى، ومنوها إلى ان عملية الانتقال تتطلب سنوات ومشيرا إلى أن الدولة دفعت لأول مرة، ودون ان يطلب أحد، بالشباب اعضاء تنسيقية الأحزاب إلى مواقع نواب المحافظين ونواب الوزراء.
قاطرة الإصلاح السياسى فى رأى الرئيس السيسى هى الأحزاب السياسية.
ولا يشعر الرئيس حين يطالب الأحزاب متشابهة الأفكار والاتجاهات والبرامج بالاندماج أو التكتل، بأى حرج، فهو لا ينتمى إلى حزب، ولم يؤسس حزبا، وغير معروف عنه الميل إلى حزب أو تيار سياسى على حساب تيار سياسى آخر.
وأظن أن انخراط الأحزاب السياسية فى حوار وطنى حول قضايا الاصلاح السياسى، سوف يختصر الطريق فى رحلة الانتقال نحو استقرار النظام السياسى وترسيخ دعائمه، بعدما تهيأت له خطوة البداية بالتعديلات الدستورية، ثم سبل الانطلاق إلى الأمام فى مطلع العام الجديد.
ولقد أخذ منتدى أخبار اليوم للسياسات العامة منذ أسابيع زمام المبادرة بالدعوة إلى اجراء حوار وطنى للأحزاب تحت مظلته ومن المقرر أن يبدأ رئيس مجلس أمناء المنتدى الدكتور مصطفى الفقى بتوجيه الدعوة إلى مجموعات من الأحزاب للقاءات متتالية للحوار فى الأسبوع الثانى من يناير المقبل.
وأحسب أن جدول أعمال الحوار حافل بالموضوعات، بدءا من الانتخابات المقبلة فى العام الجديد لمجلسى النواب والشيوخ  والمحتمل اجراؤها فى وقت واحد، ثم انتخابات المحليات المتوقع اجراؤها فى عام 2021.
وتبقى قضية تعزيز التعددية وتقوية الأحزاب وتهيئة المجال لظهور تكتلات سياسية كبرى قادرة على خوض الانتخابات وفرز كوادر مؤهلة لتولى المناصب العليا، على رأس قضايا الحوار فى منتدى أخبار اليوم للسياسات.
قلت من قبل إن عام 2020 سيكون عام الانطلاق فى الإصلاح السياسى، وكانت عندى أسبابى، واليوم أقول إن الإصلاح سوف يمضى فى مساره المرسوم والمأمول، برعاية من الرئيس السيسى، وبضمانة من الجيش حامى الدستور والديمقراطية ومدنية الدولة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة