إبراهيم المنيسى
إبراهيم المنيسى


يوميات الأخبار

القنبلة المدفونة فى الهرم!

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 02 يناير 2020 - 04:52 م

 

 يكتبها اليوم :  إبراهيم المنيسى

الابتذال مصير كل شىء.. وأى شىء يتم تداوله بإسفاف وتناوله دون تدقيق، وفى الوقت نفسه إهمال ما هو حقيقى ومؤثر.

الثلاثاء:
التأمل من العبادات الغائبة، والفضائل الضامنة للتغير بعد التدبر والتفكير وصولا للحقائق، واستجلاء للمخفى، ودرءا للمخاطر.
نظرة واحدة، وأنت نازل من على الطريق الدائرى.. نزلة الرماية.. تكفى لأن تشعر بقيمة الإنجاز الكبير وحجم ما يتم إنجازه فى المشروع الحضارى التاريخي:المتحف القومى الكبير.. هدية مصر الجديدة للإنسانية.
إزالة كل ما يحول دون طلة كاشفة لزوار المتحف الكبير على الأهرامات والمنطقة الأثرية كاملة، بكل ما فيها من كنوز ومتاحف وفنادق شاهدة على انطلاقة كبيرة واعدة ونهضة مصرية عملاقة للمستقبل تخرج من أعماق التاريخ الانسانى وذلك الإرث الحضارى العظيم.. لكن ثمة نظرة أخرى.. وبعد أمتار قليلة من هذا الشاهد الحى على المنطقة الملاصقة للمشروع العملاق.. فى حدائق الأهرام.. أو هضبة الأهرامات تكفى للتحول الخاطف من الانبهار إلى الفزع ومن الفرحة إلى الهلع والاستياء.. والقلق الشديد.
هذه المنطقة السكنية التى يحتضنها سور واحد ممتد ما بين طريقى الواحات والفيوم تضم نحو خمسة آلاف قطعة أرض أو عمارة سكنية، تحولت وخلال بضع سنوات إلى مملكة الفوضى والعشوائيات.. الحاكم الآمر فيها «البيه البواب».. يدير العمارة وأولاده يقودون التوك توك.. وهو يقوم بتأجير الشقق الشاغرة لمن يرغب أو يدفع..
العشوائية سيدة الموقف.. التوك توك جريمة متحركة.. الصحف والمواقع الاليكترونية تتناقل تفاصيل خطف الفنانة منة فضالى داخل توك توك بمنطقة حدائق الأهرام.. والخبر السابق عليه يحدثك عن عملية قتل فى محل جواهرجى بحدائق الأهرام بعد سرقته.. وجرائم السطو والسرقة والآداب تملأ المواقع..
لا مجال للحديث عن غياب سلطة الجمعية التى تدير الحدائق،  وكل منافع المقاولين، والشوارع المفزعة.. ظلام ومطبات وحفر وتكسير وأكوام الرمال والقمامة، فالهاجس الأمنى هنا أخطر.. بحكم الموقع الملاصق للمتحف الكبير.. والمواجه للأهرامات ومدخل المنطقة الأثرية الجديد.. وعلى مسافة أمتار قليلة المشروع السياحى الضخم: العاصمة السياحية.. وكله على طريقى الفيوم والواحات.. وفى هذا من القلق ما يكفى ويفيض خوفا على مشروعاتنا السياحية الكبيرة.
الأمر جد خطير.. هذه القنبلة المدفونة فى الهرم حذر من خطورتها الكثيرون.. وقد بلغ اليأس أشده بكل شاكٍ وباكٍ.. لكن ومع طبيعة المكان وقيمة الحدث الحضارى المرتقب، تقودك فضيلة التأمل المشفوع بالقلق لحلول سهلة، وميسرة، ومتاحة وضامنة وغير مكلفة للدولة بأى شىء.. اجلاء البيه البواب وما يعنيه هذا من لوازمه: التوك توك وتسهيل المخالفات دون رقابة.. وفرض التعاقد مع شركة أمن خاصة وأخرى للنظافة، على أن تتولى الجمعية إن رغبت فى تفعيل دورها والتنازل عن منافع أعضائها، جمع اشتراك سنوى من أصحاب هذه الشقق وملاك العمارات كرسوم صيانة يمكن جمعها مع فواتير المياه أو الغاز، وهى تكفى تماما لتحمل أعباء التعاقد مع شركات الأمن والنظافة وانجاز أعمال الرصف والاضاءة والتشجير.. وإنقاذ الموقف الخطير.. بحيث تنتشر أكشاك الأمن بالشوارع، وهذا يكفى للسيطرة الأمنية والمتابعة الدقيقة وصون المكان والانسان.. والقيمة الحضارية.
التربية السياحية
الاربعاء:
المرور فى شارع الهرم لا يطاق، فما بالك أيام الدراسة، اضطرت الزحام الشديد للنزول من السيارة طلبا لزجاجة مياه معدنية من أحد الأكشاك المجاورة لأحد الفنادق.. أوتوبيس سياحى يقف أمام الفندق.. سائحة أجنبية شقراء تطلب هى الأخرى زجاجة مياه، لكن حالة من الهلع تهز حركتها.. نظرت نحوها فإذا بها ترتاب وتكاد تستغيث من شابين صغيرين.. ربما فى العشرين من عمرهما.. اكتفت بالاشارة لى بإصبعها نحوهما.. أحدهما تبدو على وجهه آثار بشلة على خده الأسمر، والآخر لفت نظرى قميصه المفتوح لما تحت السرة، وواضح أنهما مارسا من الغلاسة على هذه الفتاة، ما يكفى لاستغاثتها بلهفة.. ساعدتها فى طلب ما تريد وانصرفت، ونظرت إلى الشابين بغضب وتهديد.. تعرف علىَّ أحدهما.. فشعر بالخجل، لكن زميله  قال: البنت زى القشطة بصراحة.. خواجاية بصحيح.. لاحظا غضبى الشديد فانصرفا سريعا بعد أن اشترى كل منهما سيجارتين من الكشك.. وتركانى فى تساؤل: هل علم أحد مثل هؤلاء الشباب قيمة ومعنى السياحة.. وما تقدمه مثل هذه  السائحة وغيرها من أموال ومكاسب للبلد.. هل علمنا أبناءنا أثر وجود هذه الشقراء على لقمة العيش المطلوب توفيرها لهم والانفاق على صحتهم وتعليمهم؟.. ألم تضطرنا المتغيرات السياسية والاجتماعية والتحولات القومية لتدريس مواد التربية القومية والتربية الوطنية وأيضا التربية الدينية.. ألا نحتاج اليوم لفرض مادة التربية السياحية، وفيها نعلم أبناءنا فى الابتدائى والاعدادى أهمية السياحة.. وقيمة ما تملكه مصرنا من كنوز سياحية متنوعة..وكيفية التخاطب مع السائح وأهمية الحفاظ عليه.. وكيف يمكن أن يتعلم الطفل الصغير عندنا كتابة رسالة أو بالحديث: بوست أو تويتة إلى صديق أجنبى عبر الوسائط الاليكترونية يدعوه لزيارة مصر وما فيها.. هل يمكننا تنمية وعى شبابنا بقيمة السياحة ومردودها وأثرها على الدخل القومى العام وتوفير فرص عمل كافية.. وتثقيف اولادنا بما تحويه بلادنا ومتاحفها من كنوز شاهدة على حضارتنا الفرعونية.. والقبطية.. والإسلامية أليس الأجدى والأهم الآن فرض التربية السياحية  بالمدارس، لخلق شباب واع سياحيا يدرك قيمة كنوز بلاده وأهمية الترحيب بضيوفها.. أليس هذان الشابان ضحية الإهمال لسنوات طويلة مضت ضربت فيها الحياة فكرهم وأخلاقهم وسلوكياتهم قبل وجوههم ببشلة غائرة؟!
الرغيف المبارك
الخميس:
الابتذال مصير كل شىء.. وأى شىء يتم تداوله بإسفاف وتناوله دون تدقيق، وفى الوقت نفسه إهمال ما هو حقيقى ومؤثر.. خذ لك مثالا فى الحديث عن أهمية تطوير أو تغيير الخطاب الدينى هذا الهدف المطلوب بإلحاح والضارب فى عمق المكون النفسى لنا بتأثير بالغ: تنشر «الأخبار» نقلا عن مراسلها الزميل سليمان محمد بالقليوبية أن صاحب مخبز فى قرية «عرب الحارث» وجد رغيف عيش منقوشاً عليه لفظ الجلالة «الله»، وأن «صاحب الطابونة» واحتفالا بظهور هذا الرغيف المبارك فى فرنه قام بإنتاج ألف رغيف عيش يوميا وتوزيعها مجانا على الغلابة والأيتام، بعد أن تمكن الرجل من تدبير جوال دقيق خارج الحصة التموينية.. الأمر قد يبدو لطيفا وخيريا، لكن من قال بأن تأثير حرق الرغيف على نحو يشكل معه ما يمكن اعتباره حروف لفظ الجلالة، تجعل هذا الرغيف طيبا، وهذه الطابونة مباركة، وكأن أى مخالفات تموينية فيها غير موجودة، وكأن حق الأيتام والفقراء فى لقمة عيش حاف لم يكن سيؤدى من دون ظهور هذا الرغيف المبارك.. مع أن المولى سبحانه وتعالى. وبعيدا عن شكل الحروف المرسـومة بفعل حرق النار للرغيف جعل فى أموالهم حقا معلوما للسـائل والمحروم.. الرغيف المبارك.. والتجلى المقدس.. والنخلة الطيبة وكثير من الخرافات الشعبية التى تسكن الوجدان الجمعى وتجعل من مجرد نخلة وجدوا فيها رسما من السـعف يمكن قراءته على أنه لفظ الجلالة.. تبارك وتعالى.. هى نخلة مقدـسة فى سـعفها.. فما بالك وبلحها الرطب!
«الودودة»!
الأحد:
أتذكر «لمبة حمراء» أوقدها منذ قريب الصديق العزيز حازم الحديدى فى زاويته بالأخبار لافتا إلى خطورة الودودة.. «كل واحد حاطط ودنه فى بؤ اللى جنبه وهات يا وشوشة».. وكما يقول الحديدى وهو أحد صناع الميديا المهرة: هذه الودودة هى البيئة المثلى لنشر السموم وتربية ونمو الشائعات فى ظل غزوات الفيديوهات عبر اليوتيوب والتى تداهم الناس ليل نهار.. ولا نجاة من مخاطر هذا غير بمنصات إعلامية جادة وجاذبة ومسئولة تجفف بئر اليوتيوب وتبطل مفعول الودودة.
صابرين يا عم ياسين!
الأثنين:
فيما يشبه المياه المخزونة خلف سد كبير؛ يبدو تدفق البعض من أساتذة الإخراج الصحفى حين راحوا يخطون أفكارهم بالقلم الحبر ويعبرون عن مخزون فكرى ثرى.. تراكم بفعل السنين الطويلة والتجارب الكثيرة وقراءة كل كلمة قبل نشرها بالصحيفة.. واحد من هؤلاء الكاتب الساخر الكبير عبد القادر محمد على الذى يصبح على قراء الأخبار يوميا بـ "صباح النعناع".. ويا له من منعش..
أثار أستاذنا الساخر انشغال البعض بمسخرة حجاب الفنانات.. ارتداء وخلعا.. ليذكرنى بالراحل الطيب الجميل "عم ياسين" والد الفنانة صابرين الذى طالما جمعتنا سهرات بمقاهى الهرم وكان بيننا من المودة والتلاقى ما يجعله يحكى الكثير والكثير لكنه لم يكن أبدا مشغولا بقضية انشغل فيها الناس بارتداء ابنته للحجاب ثم تخففها منه قبل خلعه مؤخرا..
عم ياسين قال لى ذات مرة الناس دى فاضية كده ليه.. مش كل إنسان هيلاقى ربه لوحده.. هم مالهم..
متى يدرك الناس أن لكل فرد حياته الشخصية ولا أحد رقيب على أحد.. وكل من يلوم فنانة على خلع الحجاب تقريبا هو من خلع برقع الإنسانية فى كل تعاملاته.. لكنه فقط التدين الشكلى الذى تجده كل لحظة على وجه سائق التاكسى بلحيته المتدلية على وجهه دون تهذيب ومشغل لك إذاعة القرآن الكريم.. ولا يشغل عداد التاكسى!.
صحيح كل واحد سيلقى ربه لوحده وكل نفس بما كسبت رهينة.. لكن ماذا تقول يا عم ياسين.. أدينا صابرين!.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة