الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير «أخبار اليوم»
الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير «أخبار اليوم»


عمرو الخياط يكتب: الاحتلال العثماني

عمرو الخياط

الجمعة، 03 يناير 2020 - 10:58 م

بإصدار البرلمان التركى موافقته على إرسال قوات تركية إلى ليبيا نكون أمام واقع نظرى استخدم مؤسسة السلطة التشريعية التركية كأداة لفعل غير شرعى بعد أن تحول البرلمان بأكمله إلى وسيلة من وسائل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لخرق القانون الدولى، وهو أمر طبيعى ومنطقى بعد أن جرت عملية أخونة لكافة مؤسسات الدولة التركية فحولت الدولة إلى مشروع ايديولوجى إخوانى يعتبر الدولة التركية نفسها جزءا منه.

حتى الآن وبعد صدور القرار لسنا أمام خطوات عملية تظهر وصول قوات تركية إلى الأراضى الليبية، لكن القرار يمنحها الغطاء النظرى كعنوان لحقيقة فايز السراج الذى انتقل من مرحلة الصراع على السلطة فى ليبيا إلى ما هو أبعد وصولا إلى تهديد وجودى للدولة الليبية وإقحامها فى صراع إقليمى موسع لن يدفع أحدا منا ثمنه وإنما سيدفع الشعب الليبي الثمن.

الحقيقة بلا حياد أن القرار يستهدف عقل وأعصاب الدولة المصرية التى صمدت صابتها أمام الاٍرهاب والمنازلات الدبلوماسية والضغوط الإعامية ولم تتأثر فى طريق التنمية والبناء، فلم يعد هناك سبيل سوى الاستدراج المباشر نحو مواجهة مفتوحة مع مجموعات ليبية وعلى أرض ليبية فى اختبار حقيقى للثبات الانفعالى الإقليمى للدولة المصرية وقيادتها.

عسكريا فإن قرار البرلمان التركى يضع الجيش المصرى نصب عينيه ظنا أن تشكيلات هذا الجيش يمكن أن تدير مارشاتها العسكرية على دقات طبول الحرب التركية.

أحد أهم أهداف القرار هو دفع الجيش المصرى نحو سلوك معين تتم من خلاله عملية استكشاف ثم استنزاف لهذا الجيش التى تصطف وحداته على امتداد تأمين جبهات حدود الدولة الشاسعة وفِى ميادين البناء المدنى، ليصبح المطلوب هو عملية كشف لبعض المناطق الحدودية بالتوازى مع تعطيل عملية التنمية التى يساهم فيها الجيش بوضوح.

أربط كل ذلك بالحالة التى حاولت النيل من الجيش المصرى فى الآونة الأخيرة ثم ارتكز مفجرها المقاول الهارب الآن فى إسبانيا.

الحملة كانت تهدف إلى نقل الجيش المصرى فى وجدان شعبه من مرحلة اليقين إلى مرحلة الشك والتشكيك وصولا إلى عزل الجيش عن مصدر قوته الرئيسية المتمثلة فى الظهير الشعبى الملتف أساسا حول مفهوم الشرف والأمانة لدى العسكرية المصرية.

فى مواجهة التحرك التركى من المدهش أن تجد التعامل معه باعتباره تهديداً منفرداً للأمن القومى المصرى رغم أن السياق الكامل لهذا التحرك يكشف بوضوح عن عملية احتلال أجنبى لأراضٍ عربية، وتمدد لنفوذ تركى استنساخا لنفس الدور الإيرانى الذى لعبته طهران على مدار سنوات فاحتلت عواصم عربية سياسيا ثم انتهى الأمر إلى احتلال فعلى كشف عنه مقتل القيادى قاسم سليمانى فى العراق وهو فى طريقه إلى ما يمكن تسميته بغرفة عمليات إدارة الاحتلال الإيرانى.

على نفس المنهج يسير مدير المخابرات التركية هاكان فيدان الذى يدير قواعد تمدد النفوذ التركى فى سوريا والعراق والدوحة امتدادا إلى ليبيا بعد القرار الأخير.

التحرك التركى على هذا النحو لا ينفصل عن سياق قمة كوالالمبور الأخيرة التى تبنتها إسطنبول لتدشين مشروع إسلامى جديد هدفه عزل المملكه العربية السعودية عن محيطها الإسلامى من خلال مشروع تركى ماليزى ممول قطريا لإعادة إنتاج الإسلام بلسان غير عربى.

اليوم تتحرك تركيا نحو اعماق الأمن القومى المصرى فى إعادة لمشهد احتلال عثمانى صريح يعتدى على السيادة الليبية ويصادر حق الشعب الليبى فى تقرير مصيره ويكرس وجود التدخل الأجنبى كمكون فى السياسة الداخلية للدول العربية.

ستتعدد مزاعم إسطنبول لتبرير وجودها فى ليبيا، لكن الأهداف التركية محددة وجميعها ضد مصالح الشعب الليبى حيث تتلخص تلك الأهداف فيما يلى:

● دعم تنظيم الإخوان وتمكينه على أرض ليبيا

● السيطرة على موارد الطاقة الليبية والاستيلاء عليها

● نقل المقاتلين من سوريا للتخلص من أعبائهم

● شرعنة الوجود التركى فى مساحات من المتوسط

● حجز مكان مبكر لتركيا فى خارطة اعادة إعمار ليبيا

جملة من الأهداف تكشف عن حجم الاستخدام التركى لفايز السراج كحصان طروادة لتمكين الاحتلال من بقايا الدولة الليبية. 

بالتوازى مع الحركة التركية المعلنة فإن إسطنبول لا يمكنها أن تخفى نواياها لاستخدام ليبيا حقلاً للتجارب التركية فى تشغيل شركات الأمن الخاصة الناشئة التى تقوم على جمع المقاتلين المرتزقة وإعادة تشغيلهم فى مناطق الصراع التى تخدم خطة تمدد النفوذ الإقليمى التركى، وخاصة بعد أن تم الكشف عن الجسر الجوى التركى لنقل المقاتلين إلى الميدان الليبى.

هنا تناور تركيا أمام شعبها المخدوع فتخترع معركة وهمية تواجه الدولة التركية بينما هى مواجهة اخوانية ليس لها علاقة بالدولة التركية الوطنية، وفِى نفس الوقت تتخذ من الجيش التركى ستاراً لجرائم سترتكبها الميليشيات متعددة الجنسيات والتى ستتلقى تدريباً من خبراء عسكريين أحيلوا للمعاش والآن سيتقاضون رواتبهم من الخزانة العامة القطرية مقابل أدوارهم فى ترتيب صفوف المرتزقة التى ستخوض فى الدماء الليبية.

المفاجأة أن عملية نقل المقاتلين السوريين من اسطنبول إلى ليبيا تتم على متن الطائرات التابعة لشركة الأجنحة الليبية المملوكة لأمير الجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج وهو أحد أهم عملاء قطر فى ليبيا، ومدير المشروع القطرى التخريبى هناك.

ولمن لا يعرف فإن بلحاج هو أحد أهم قيادات تنظيم القاعدة السابقين فى أفغانستان وبالتالى فانه سيعاود إحياء أدبيات هذا التنظيم بالقرب من الحدود المصرية وفِى مواجهة الجيش الوطنى الليبى، وهو من سيكون مسئولاً عن اندماج عسكرى هو الأول من نوعه بين القاعدة وتنظيم الإخوان.

ومع إعلان النوايا التركية لتمرير قرار برلمانى بإرسال قوات إلى ليبيا انطلق الإعلام الإخوانى بألسنة مصرية إخوانية ليبرر عملية الغزو العثمانى لأرض ليبية باستخدام نفس الشعار الإخوانى المرتكز على مشروع أممى لا يعترف بالدولة الوطنية، وليعلن عداءه السافر لمصر التى باتت ايقونة صمود الدولة الوطنية.

لكن تحليل مضمون الخطاب الإخوانى الإعامى يكشف عن حجم الانحطاط السياسى والوطنى الذى وصل إليه التنظيم الإخوانى الذى لم يعد سوى أداة تركية سياسية يستخدمها أردوغان كيفما يشاء تحت ضغط حالة الضرورة بعد أن تحول جميع الإخوان الهاربين إلى تركيا مطلوبين فى قضايا ينظرها القضاء المصرى فأصبحوا كمن باعهم التنظيم فى سوق الرقيق الدولى.

إذن نحن أمام عملية احتلال عثمانى جديد للسيطرة على مصادر الطاقة فى ليبيا واعادة ارتكاز قاعدة تركية على الأرض العربية لا تجد لها مساندا سوى جماعات الإسلام السياسى التى تعتبر الدولة الوطنية عدوها الأول.

أمام هذا التغول التركى على الشرعية الدولية وعلى السيادة العربية تلتزم مصر حتى الآن استراتيجية الردع الصامت التى تؤكد أن ما كانت تفعله القيادة المصرية على مدار سنوات من تطوير منظومة التسليح وتنويع مصادرها كانت مستندة لاستشراف مستقبلى ولم تكن أبدا حركة عشوائية.

وفِى مواجهة العدوان التركى يصبح الوعى المصرى الجمعى سلاح ردع جماعى يضمن تماسك الجبهة الداخلية إذا ما تطورت الأحداث من مرحلة الردع المصرى إلى مرحلة الرد المصرى.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة