أسامة عجاج
أسامة عجاج


فواصل

أمريكا.. الحصاد المر!!

أسامة عجاج

السبت، 04 يناير 2020 - 07:51 م

إذًا هى المواجهة بين ايران وأمريكا، ولكنها - للأسف الشديد - ليست داخل حدود الاولى، أو فى جغرافية الثانية، بل تم اختيار بغداد لتكون الساحة المتوقعة، والضحية الاولى فى هذا الصراع العبثى بين الطرفين، العراق الشعب والدولة والدور والتاريخ، ويبدو أن هناك اصرارا من الادارة الامريكية على التصعيد، عندما قررت القيام بغارة من طائرة مسيرة لتستهدف رجل ايران القوي، والمتحكم فى عدد من الساحات العربية، فى العراق وسوريا ولبنان واليمن قاسم سليمانى قائد فيلق القدس، مهندس حروب إيران فى المنطقة، ومعه أبو مهدى المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبى العراقية الموالية لطهران، ومعهما ثمانية أشخاص آخرين، الصيد والهدف هذه المرة كبير، مما يؤشر ان الامر لن يمر بسلام، وان التصعيد قادم، ولكن - وهذه هى المفارقة - فى ساحات عربية، فقد يتحرك حزب الله فى لبنان باتجاه اسرائيل، او تهاجم قوات الحشد الشعبى القواعد الامريكية فى العراق، او ستحاول طهران استهداف المصالح الامريكية، فى اي من دول الخليج العربى.
العراق يدفع ثمن كوارث امريكا، وغياب استراتيجية واضحة، فمنذ حوالى ثلاثين عاما، وتحديدا منذ اغسطس ١٩٩٠، بعد نهاية عملية عاصفة الصحراء وتحرير الكويت، يومها كانت المهمة واضحة والهدف لا غبار عليه، فالامر يتعلق بتحرير دولة من احتلال جارة لها أقوى، ولهذا نجحت فى تشكيل تحالف دولى كبير، أنجز المهمة فى فبراير ١٩٩١، وحاولت واشنطن إكمال المهمة والذهاب بها إلى احتلال بغداد، وهو ما رفضته دول عديدة، وفِى مقدمتها مصر، على أساس ان مشاركتها فى قوات التحالف كانت بغرض تحرير الكويت وليس احتلال العراق، وعدلت واشنطن من استراتيجيتها بفرض حصار اقتصادى، وحملة دولية حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل، ولما لم تُجدِ تلك السياسية، واستطاع النظام التعامل مع العقوبات والحصار الاقتصادي، قررت ادارة بوش الابن غزو العراق، وإسقاط صدام عسكريا فى ابريل ٢٠٠٣، دون مشاركة أى من دول العالم فى تلك العملية، بل لاقت معارضة شديدة عربيا ودوليا، على قناعة ان تغيير الأنظمة بالغزو الخارجى هى وصفة للفوضى وبداية نزاعات.
وروجت امريكا يومها - كذبا وبهتانا - انها تسعى إلى تقديم العراق كنموذج يحتذى به لدول المنطقة، وحقيقة الامر انها هى من خلقت الفوضي، عن طريق زرع بذور الطائفية والمحاصصة السياسية فى دستور ٢٠٠٥، وكانت النتيجة ان عاش العراق اجواء حرب أهلية فى عامى ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، بعد حادث تفجيرات المرقدين فى سامراء فى فبراير ٢٠٠٦، وبعدها تم شن هجمات على أهل السنة فى الأحياء والمدن المشتركة، وتمت عمليات تهجير قسرى واغتيال على الهوية، ومداهمة منازل السنة وإصدار فتوى بقتلهم على أساس انهم «تكفيريون»، ولم يتوقف الامر عند ذلك، فلجأت المناطق الكردية إلى السعى إلى اجراء استفتاء على الانفصال سبتمبر ٢٠١٧، ولكن عوامل إقليمية ودولية تدخلت لمنع ذلك الإجراء، الاخطر فى سياسات واشنطن ان «الوحش الايراني» الساعى إلى قضم العراق، والسيطرة على مقدراته، تربى على يديها، وفِى ظل وجودها، وتحت أعينها، ووقع العراق فريسة لتخبط امريكي، وصل إلى قرار اوباما بالانسحاب من العراق فى عام ٢٠١١، وبين النفوذ الايرانى المتنامي، اكتفت واشنطن بالتواجد المحدود فى قواعد عسكرية، منها قاعدة التاجى وقاعدة «النصر». وهناك عشرات القواعد السّرية فى شمال العراق لأغراض التجسس على إيران، وهو ما كشفته ادارة ترامب، وتركت الشارع ساحة فسيحة لأذرع ايران، تعيث فيها فسادا، عن طريق قوات الحشد الشعبي، والذى يقوده رجال سليماني، يعين رئيس الوزراء، ويتوسط لحل خلافات الحلفاء من جماعات الشيعة، ويعطل قرارات عادل عبدالمهدي، بحل الحشد الشعبي، وضم عناصره إلى القوات الأمنية، ويعرقل محاولاته تطبيع علاقات العراق العربية.
الخاسر الأكبر من التطورات الاخيرة، من استهداف عناصر امريكية، وقذف واشنطن لمعسكرات حزب الله فى العراق وسوريا، ومحاصرة السفارة، وعملية قاسم سليمانى هو العراق، وشعبه المنتفض منذ اكتوبر الماضي، الرافض للوجود الايراني، والطائفية والمحاصصة والفساد المستشري، الذى دفعته إلى حشره بالزاوية، وتغييبه عن تصدر المشهد، والاتجاه الآن إلى اتخاذ قرار وقع عليه ١٠٠ نائب عراقي، على ادراج مسألة طرد القوات الأجنبية من العراق، فى جدول أعمال البرلمان، والغاء الاتفاقية الأمنية بين الطرفين فى عام ٢٠٠٨، واذا تم اتخاذ القرار فمعناه تقديم العراق على «طبق من ذهب» إلى ايران.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة