د.محمد غنيم
د.محمد غنيم


هجرنا مكارم الأخلاق وانشغلنا بفتاوى إرضاع الكبير ونكاح الوداع

حوار| د.محمد غنيم: البرادعي منظر يفتقد مقومات الزعامة.. وفرص عودة الإخوان «معدومة»

حازم بدر

الأربعاء، 08 يناير 2020 - 03:50 ص

- سياسة «الاسترضاء» أضرت بالجامعة.. وقضت على التعليم الفنى

- مشروع علاج فيروس سى «ممتاز».. والتأمين الشامل فكرة رائعة

 

ربما إذا سألت أحد أبناء المنصورة عن مكان مبنى المحافظة، قد يخطئ الوصف، لكنك إذا سألت أين مركز الكلى، يكون الرد « تقصد مركز الدكتور محمد غنيم، ثم يشرع فى تحديد المكان بدقة»..لم أكن أتوقع أن يصل ارتباط الناس بمكان أصبح ملتصقا باسم شخص لهذه الدرجة، وربما ذلك هو ما دفعه لابداء دهشة، لم أفهم مغزاها إلا عند وطأت قدماى أرض المنصورة، عندما سألته وأنا أتصل به لتحديد موعد للحوار: كيف أصل للمركز؟. كنت حريصا على الوصول فى الموعد المحدد، لأن المعروف عنه دقته الشديدة فى المواعيد، ولكنى ظننت للوهلة الأولى عندما وصلت للمكان أننى أخطأت الطريق، فالصورة المطبوعة فى الذهن عن المستشفيات الحكومية، وجدت نفسى أمام مشهد ينافيها تماما،..بتردد سألت موظف الأمن: هل يوجد مكتب الدكتور غنيم فى هذا المبنى؟.. فرد: حضرتك الصحفى بالأخبار؟ فقلت نعم، فقال: الدكتور فى انتظارك بمكتبه فى الطابق الثاني.. دقائق معدودة فصلت بين دخول المكتب، وبدء الحوار لإصراره على تقديم واجب الضيافة، ومع انطلاق الحوار تجولنا بين قضايا التعليم والصحة والبحث العلمي، مع اطلالة سريعة على قضايا سياسية.

 

تستطيع مع حديثه، الذى يصاحبه سيجارة لا تكاد تفارقه، اكتشاف سر نجاح المكان الذى خطف انتباهى منذ البداية، فرائد زراعة الكلى وعضو الهيئة الاستشارية العلمية لرئيس الجمهورية، والذى يحتفل فى مارس القادم بعيد ميلاده الواحد والثمانين، لم ينل الزمن من دقته، لدرجة دفعته فى بعض الأحيان إلى قطع الاسترسال فى الحديث لتصحيح خطأ نحوى وقع فيه بجملة سابقة، كما أنه موضوعى فى آرائه وأفكاره، فكما أن عينه تلتقط السلبيات، فإنها ترى أيضا الإيجابيات وتصفق لها.. وإلى نص الحوار.

 

> بداية دعنى أنقل لك انبهارى بنظافة ونظام مركز الكلى، منذ الوهلة الأولى لدخولى المكان، وهو مشهد يبدو مغايرا للصورة المطبوعة فى الأذهان عن المستشفيات الحكومية، لذلك فإن بداية الحوار ستكون مختلفة عما خططت له، وسيكون سؤالى الأول: هل هناك ما يمنع من أن تكون لدينا مستشفيات حكومية على نفس هذه الدرجة من النظافة والنظام؟
ترتسم على وجهه ابتسامة هادئة تعكس سعادته بانطباعي، قبل أن يقول: هذا المستشفى عطية ربانية يرجع الفضل فيها لدافع الضرائب المصري، ودافع الضرائب الهولندي، حيث حظينا بمنحة هولندية سخية شملت التصميمات والإنشاءات والتجهيزات والمعدات من المطابخ إلى غرف العمليات، والحفاظ على هذه العطية كان يستوجب فرض حالة من التنظيم والنظافة، ومن الملاحظ أن الانسان المصرى عندما يجد مكانا يتسم بهذين الأمرين، فإنه يحافظ عليه، وقد لمسنا ذلك بداية من العاملين فى المكان، مرورا بالمرضى وانتهاء بالزائرين، وهذا النموذج يمكن تكراره، فتصميم المستشفى العلاجى له أصول معروفة، لكن الأهم من ذلك هو العنصر البشري، فأى مستشفى جامعى له ثلاثة أغراض، الأول علاج المرضى، ثم تدريب الاطباء، وأخيرا البحث العلمي، وللقيام بهذه المهام الثلاث يجب أن يتفرغ اعضاء هيئة التدريس للمستشفى، ولكن لأن قانون الجامعة لا يلزمهم بالتفرغ، فإن أغلب وقتهم مخصص للعمل الخاص، مما يؤثر على دور المستشفى الجامعى فى خدمة المجتمع عبرهذه العناصر الثلاثة، وهذه نقطة مهمة تؤثر سلبيا على التعليم الجامعى بشكل عام والطبى بشكل خاص.


تطبيق القانون
> وكيف عالجتم هذه المشكلة فى مركز الكلى؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة، قائلا: طبقنا قانون الجامعة بصرامة، والذى يلزم أعضاء هيئة التدريس الحاصلين على الدكتوراة بالتفرغ وجوبا لمدة ثلاث سنوات، ولكن بعد هذه الفترة فإن مواد القانون غير ملزمة، ولا أخفيك سرا اننا نواجه حاليا مشكلة فى وجود نزيف مستمر لهذا العنصر البشري، لأن الأطباء الذين تعلموا وتدربوا فى هذا المركز مطلوبون بشدة للعمل بالخليج، كما أن صغار الأطباء ممن لم يحصلوا على الدكتوراة بعد، أصبحوا يفضلون الآن الهجرة للعمل فى بريطانيا واستراليا ونيوزيلندا وألمانيا.


> ولماذا لم يفكر الدكتور غنيم فى شبابه بالاستمرار بالخارج، فما أعلمه أنك عملت أربع سنوات بين انجلترا وكندا وأمريكا؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: السفر للخارج أفادنى فى معرفة كيف يعمل أستاذ الجامعة فى هذه الدول، ثم إننى كنت محظوظا بإقامة مركز الكلى، والذى كان يحتاج لمن يعتنى به ويضمن نجاحه، وثالثا فإننى شخص يسارى النزعة، مهموم بأمر الفقراء، ولا يخفى على أحد أن فقراء المصريين بحاجة لمن يساعدهم، حيث إنهم لا يستطيعون تحمل المتطلبات المادية للعلاج الحديث.


نظرية التعادلية
> كثير من العلماء الذين ألتقيهم تميل آراؤهم دائما إلى اتجاه انهم لم يحصلوا على التقدير الملائم، ولذلك كنت أتوقع انك قد تشعر بتقصير الدولة فى منحك التكريم الذى تستحقه بعد قرارك تكريس كل جهدك للعمل الحكومي، ولكنى وجدتك على العكس تقول فى حوار بمجلة «صباح الخير» أنك «حصلت على حقك وزيادة»، من أين جاءك هذا الشعور؟
يبتسم قبل أن يقول: صحيح انا حصلت على حقى وزيادة.


> كيف؟
هناك عناصر كثيرة لشعورى بأنى حصلت على حقى وزيادة، منها أننى حققت النجاح فى العمل، واستطعت تحقيق الذات من خلال منشأة طبية ممتازة موجودة على ارض خارج القاهرة، كما أننى سافرت اغلب بلاد العالم مدعوا لمؤتمرات علمية، وحصلت على كافة جوائز الدولة، وكذلك الجوائز التى تمنحها الهيئات العلمية المتخصصة.


> ولكن ربما لم يصب كل ذلك فى اتجاه زيادة رصيدك البنكي؟
يضحك قبل أن يقول: المسألة وجهات نظر، وأنا الحمد لله لم أندم على اختياراتي، لأنه لا ينقصنى شيء، فأولادى تعلموا جيدا فى مدارس حكومية، ولدى سيارة، وأملك متطلبات الحياة من مأكل وملبس، وأسافر كل عام لقضاء إجازة الصيف فى الغردقة، وفوق كل ذلك «مزاجى رايق»، وهذه هى نظرية «التعادلية» التى تحدث عنها الكاتب الكبير توفيق الحكيم، فحياة الإنسان وفق هذه النظرية محصلة جبرية لعدة عوامل تتضافر معا، فهناك من تكون سعادته فى المال بالإضافة إلى الشهرة وتقلد المناصب، وهناك من تكون سعادته فى تحقيق الذات والصحة والتقدير المعنوي.


ويضيف وقد كست وجهه ابتسامة تعكس حالة من الرضا: الحمد لله أنا سعيد بالطريق الذى اخترته، فالإنسان موقف، كما يقول الفيلسوف والكاتب الفرنسى الكبير جان بول سارتر، وهذا الموقف يتم بناؤه وفق قناعات نفسية وعقائدية واجتماعية، وقد هدتنى قناعاتى لهذا الطريق.


اليسار والدين
> ألمس فى حديثك هذا مسحة دينية، ستقودنى إلى سؤال لا يفضله البعض، وأرجو أن تتقبله بصدر رحب، ويتعلق بأسباب اتهامكم بأنكم أشخاص بلا أى نزعة دينية، بل قد تتهمون بـ « الإلحاد»؟
طمأنتنى إيماءات وجهه بأنه لن يغضب من السؤال، وقال بعد أن أشعل سيجارته وأخذ نفسا عميقا: السلفيون والانتهازيون الرأسماليون هم من ألصقوا بنا هذه التهمة، مع انك لو قرأت عن اليسار جيدا، ستجد أنه لا تعارض بين الدين وقضيتنا الأساسية وهى العدالة الاجتماعية، وسأعيدك إلى أبيات أمير الشعراء أحمد شوقى عندما قال مادحا الرسول صلى الله عليه وسلم : « الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء»، كما أن أحد الصحابة المبشرين بالجنة، وهو أبو ذر الغفارى عاش حياته مدافعا عن قضية العدالة الاجتماعية.


> وهل العزوف عن المناصب من سمات أصحاب هذا الفكر؟
لماذا تسأل هذا السؤال.


> نشرت الصحف انك تقدمت باستقالتك من المنصب الإدارى قبل بلوغك السن القانونية؟
تظهر علامات الدهشة على وجهه قبل أن يقول: أنا لم استقيل «أقصد استقل» بل على النقيض فقد تم المد لى ثلاث سنوات.


> ربما كانوا يقصدون أنك لم تكمل الثلاث السنوات التى مدت لك؟
أظنهم يقصدون ذلك.


> ولماذا أقدمت على هذه الخطوة؟
يقول على الفور: لا أحد لديه القدرة على الاستمرار فى الإدارة طيلة حياته، فلابد أن تتوالى الأجيال وجيل يسلم الآخر، وهذه سنة الحياة، ثم إننى تركت الإدارة منذ 15 عاما، والمركز يسير بشكل جيد.. وتظهر ابتسامة ساخرة على وجهه قبل أن يضيف: «مش كده أحسن ما أقعد 30 سنة « فى إشارة لفترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك».


زيارة الرؤساء
> على ذكر الرئيس الذى حكم 30 عاما، هل كنتم محظوظين بزيارته لكم فى المركز؟
زارنا مبارك، كما زارنا كل رؤساء وزراء مصر فى عصور متعاقبة، وسفراء من دول أجنبية ووزراء أفارقة، وكلها زيارات احتفالية.


> يعنى لم تستفد شخصيا من هذه الزيارات؟
يقول متسائلا: وما طبيعة الاستفادة التى يمكن أن أحصل عليها.


> الرئيس الراحل أنور السادات مثلا قام بتعيينك مستشارا طبيا له؟
قصة تعيينى مستشارا طبيا للسادات ليس لها علاقة بعملى فى مركز الكلى؟


> ألم يزر السادات المركز؟
السادات زار المنصورة، وأثناء وجوده فى مستشفى الجامعة زار قسم المسالك البولية، وسمع حينها عن قيامى بإجراء أول عملية زراعة كلى، فكان قراره بتعيينى مستشارا طبيا نوع من التكريم على هذا الإنجاز، ولكن لم يزر المركز رغم وعده لنا بذلك، لأنه لم يكن وقت زيارته للمنصورة قد افتتح بعد.


> وأين التقطت الصورة التى تجمعك بالسادات، والتى تتصدر الصور التى تضعها أمامك كما أرى؟
التقطت هذه الصورة فى القناطر الخيرية، حيث ذهبت إليه فى استراحته هناك، مستفسرا عن المهام الوظيفية لوظيفة المستشار الطبى للرئيس التى كلفنى بها، فقال لى : يا ابنى أن لدى الكثير من المستشارين الطبيين، وانصحك بعد صدور هذا القرار بطباعة كارت تكتب عليه هذا المسمى الوظيفي، فهذا سيساعدك كثيرا فى بلد مثل مصر يحكمها الروتين والبيروقراطية.


> وهل عملت بهذه النصيحة؟
يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: عملت بها طبعا، وعمل بها موظف كان يعمل معي، حيث طبع كارت كتب عليه « مدير مكتب المستشار الطبى لرئيس الجمهورية».


الروتين المصري
> ولكن ألم يكن غريبا أن يكون رئيس الجمهورية نفسه مدركا لطبيعة مشكلة البلد مع الروتين ويطلب منك التحايل بالكارت الشخصى لمواجهتها؟
ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: روح أسأله هذا السؤال، ثم تتبدل ملامحه لتصبح أكثر جدية قبل أن يضيف: طبعا هو يعلم أن الروتين فى مصر مسألة ضاربة فى عمق التاريخ المصري، وبالمناسبة ليس بالضرورة أن يكون الروتين أمرا رديئا.


> هل من الممكن أن يكون الروتين مفيدا؟
يقول على الفور: عندما يكون منضبطا، لا تشوبه شبهة فساد أو جهالة.


> كيف؟
باختصار يكفى القول أن ألمانيا من أكثر الدول بيروقراطية، ولكنها بيروقراطية منضبطة.


نجاح استراتيجي
> كان لك تصريح فى 18 فبراير من عام 2008 بجريدة « العالم اليوم»، قلت فيه إن نجاح مركز الكلى هو نجاح تكتيكي، يمكن تحويله لنجاح استراتيجي.. كيف؟
لم ينتظر إكمال السؤال وقال: إذا استفاد صاحب القرار من التجربة وتفصيلاتها وتم تعميمها تتحول لنجاح استراتيجي، لأن هناك فرقا بين دور الفرد للتاريخ وبين التحول لنظام مؤسسي.


> فى مركز الكلى كانوا محظوظين بوجود الفرد الذى يضع الأسس التى تتحول لنظام مؤسسي، فهل المشكلة فى عدم وجود أشخاص بنفس توجه د.غنيم؟
النظام المؤسسى يصلح نفسه تلقائيا، ولا يهم حينها من يدير.


> وما الذى يمنع من تنفيذ نفس هذا النظام المؤسسى فى أماكن أخرى؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: منذ الخمسينيات ترفع مصر شعار « لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ومع هذا الشعار لا يكون الإنفاق على التعليم والصحة من الأولويات، فتقام مستشفيات، ولكن نسهو عن أهم عنصر يكون سببا لنجاحها وهو العنصر البشرى من أطباء مدربين تدريبا جيدا، كما لا يتم توفير موارد لتوفير المستلزمات الطبية والأدوية، فيصبح المشهد كما نرى فى أغلب المستشفيات الحكومية.


> ولكنكم نجحتم فى نفس هذا المناخ الذى قمت بتوصيفه؟
يصمت فترة أطول من سابقتها قبل أن يقول: « نجحنا لأنه منذ البداية كان هناك تصميم على أن يكون العلاج مجانيا، وحققنا نجاحا، أكسبنا سمعة، وهذا جعل التبرعات تتدفق علينا بدون إعلان، وهذا أمر مهم جدا، لأن المؤسسة الحكومية عندما تلجأ لإعلان يصبح الموضوع أشبه بالتسول.. ولكن مع تقديرى لدور التبرعات التى دعمت الميزانية المخصصة للمركز من الدولة، فإنها تمثل ما يعرف باسم «الاشتراكية الفابية»، والوضع الصحيح هو أن الدولة هى المسئولة المسئولية الكاملة عن طريق إحكام الجباية الضريبية، وتوظيف هذه الأموال للإنفاق على التعليم والصحة.


> أليست محكمة؟
يجيب على الفور: طبعا ليست محكمة


> كيف؟
نسبة 40 إلى 50 % من الاقتصاد المصرى غير معلن، بالإضافة إلى التهرب الضريبى فى الاقتصاد المعلن.


> لماذا سميتها بـ «الجباية»؟
لأنها فرض على المواطن تجاه الدولة


> وما المفترض فعله لإحكام فرضها؟
يمكن إحكامها عن طريق «رقمنة العملية» من ناحية، وتحويل الاقتصاد الخفى إلى اقتصاد معلن من ناحية أخرى.

 


> وإلى أى مدى يمكن أن يضيف علاج هذه المشكلة ؟
بكل ثقة يقول: إذا عالجنا هذه المشكلة يمكن أن نوفر الكثير من الموارد المهدرة للإنفاق على الصحة والتعليم.


منصب الوزير
> من الأشياء التى استوقفتنى عند دخولى مكتبكم هو الصورة التى تتسلم فيها جائزة مبارك، فلماذا لم تتنازل عنها، مثلما فعل بعض المعارضين بعد ثورة 25 يناير؟
لم ينتظر إكمال السؤال، وقال بنبرة صوت مرتفعة: «اللى يتنازل براحته»، فهذه الجائزة وإن كانت تحمل اسم مبارك، إلا أنها جائزة من جوائز الدولة المصرية، ومبارك لم يعطها لى من جيبه الخاص، فهذه مسئولية البرلمان الذى أنشأها، وأسماها بهذا الاسم، وليست مسئولية من حصل على الجائزة.


> على ذكر ثورة 25 يناير، نشرت الصحف انه عرض عليك وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بعد الثورة لكنك لم تقبل.. فلماذا رفضت المنصب الذى يساعدك على تطبيق أفكار تطوير التعليم والبحث العلمى التى تتحدث عنها دائما فى حواراتك الصحفية والتليفزيونية؟
من قال لك انه عرض على وزارة التعليم العالى والبحث العلمي، فهذه معلومة غير صحيحة.


> أغلب الصحف نشرت ذلك؟
كانت وزارة من الوزارات لكنها ليست التعليم العالي، وكانت فى إطار ما يعرف بحكومة تسيير الأعمال، وبالتالى لم تكن حكومة قادرة على تغيير سياسات، فكان القرار الصحيح هو الرفض.


> كانت وزارة الصحة مثلا؟
أيا كان اسم الوزارة، فالفكرة كانت مرفوضة، ثم ان مسئولية تطوير التعليم أكبر من أن يتم حصرها فى وزير، فقرار تطوير التعليم قرار سيادي، يتعلق بحجم الأموال التى تخصصها لهذا الهدف، ويأتى بعد ذلك مهمة التنظيم والإدارة لتلك الموارد، وآليات التطوير معروفة فى كل الدنيا، وليست اختراعا.


> حدثنا عن هذه الآليات إذا أمكن؟
المفترض توجد موارد تخصصها الحكومة، وموارد يخصصها القطاع الخاص لحل مشكلة ما، وتدير هذه الموارد إدارة مركزية نسميها فى مصر أكاديمية البحث العلمي، ومن المفترض أن يتشكل مجلس إدارتها من كبار العلماء وليس كبار الموظفين، ليضعوا أولويات الإنفاق، ولكن المشكلة ان المخصص للبحث العلمى فى مصر من الناتج القومى أقل من 1 %، وهو مبلغ ضئيل جدا.


الإنفاق على التعليم والصحة
> ولهذا السبب قلت فى حوار تليفزيونى ظهرت فيه مؤخرا إن الدولة يجب أن تقصر النفقات فى المرحلة الحالية على التعليم والصحة؟
رأيى الذى لا أمل تكراره هو ان مصر دولة محدودة الموارد، وفى هذه المرحلة يجب تحديد الأولويات، التى يجب أن يكون التعليم فى مقدمتها.. والتعليم يتكون من أربع مراحل وهى: تعليم أساسى وفنى وجامعى ثم البحث العلمي، وفى اطار الأولويات يجب أن نولى فى هذه المرحلة اهتماما خاصا بالتعليم الأساسي، من حيث الكفاءة المهنية للمدرس، وذلك بالعودة إلى الاعتماد على خريجى كليات العلوم والآداب ودار العلوم كمدرسين، بعد إلحاقهم ببرنامج تربوي، لأن المادة العلمية لديهم أفضل بكثير من خريجى كليات التربية، وأن نجزل العطاء لهذا المدرس، حتى يتفرغ لعمله المدرسي، كما يجب أن يتم علاج مشكلة تكدس الفصول، فالصورة التى انتشرت لطلاب يجلسون على الأرض لعدم وجود مقاعد دراسية كانت مخزية، ولتحقيق ذلك أعود إلى ما سبق وقلته من ضرورة إحكام الجباية الضريبية لتوفير موارد، مع ضرورة فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، وان تؤول كافة الرسوم للخزانة العامة للدولة، ويخصص الريع الناجم عن بيع أصول الدولة فى المدن الجديدة للتعليم، ولاسيما الأساسي.


> ركزت حديثك على التعليم الأساسى، فهل مخرجاته السيئة التى تحتاج لإصلاح، هى التى دفعتك لوصف التعليم الجامعى فى احد تصريحاتك بأنه إهدار للمال العام؟
يشعل سيجارة جديدة ويأخذ نفسا عميقا قبل أن يقول: صحيح انا استخدمت هذا الوصف، فالتعليم الجامعى يحتاج لإعادة «فرمتة»، كما يقوم الانسان بإعادة فرمتة جهاز الكمبيوتر، ومشكلة هذا التعليم انه يشكو من التكدس، لأننا أهملنا حلقة مهمة من حلقات التعليم، وهى التعليم الفني، رغم أهميته، فهو أساس النمو الصناعى فى ألمانيا واليابان، وسبب إهمال هذا النوع من التعليم هو السياسة الشعبوية الاسترضائية، والتى تقوم على إدخال كل من يحصل على الثانوية العامة إلى الجامعة، مع أن الأصل أن الجامعة لا يدخلها إلا النابهون.


ويشير إلى بوابة مستشفيات جامعة المنصورة، ويقول بنبرة حزينة: أشعر بالأسى فأغلب من يقفون عليها خريجو كليات الحقوق والتجارة، ويتساءل: هل كنا نعلمهم فى الجامعة ليعملوا بهذه المهنة، «طب ما كان من الأول وبلاش يدخلوا الجامعة»؟


الكتلة الحرجة
> وكيف أخرج هذا المناخ التعليمى السييء د.محمد غنيم ود.أحمد زويل ود.مجدى يعقوب وغيرهم من المشاهير؟
تظهر على وجهه ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: التعليم فى زمننا لم يكن بهذا السوء، كانت الكثافات محدودة ولدينا معلمون أجلاء، ثم ان الامور لا تقاس بهذا الشكل فمن المفترض ان يكون الاهتمام مركزا على الكتلة الحرجة التى تمثل «95%»، ولا أركز على نسبة الـ5% من الفائقين الذين استطاعوا تحقيق نجاح رغم المناخ السييء، وذلك لأن هذه الكتلة الحرجة هى التى يمكن أن تأخذ البلد إلى الأمام.


> ولكن هذا النظام الذى لا يعجبك أخرج 55 ألف طالب حاصلين على ما يزيد على 95%؟
يكتسى وجهه بمشاعر غاضبة قبل ان يقول بنبرة صوت مرتفعة: هذه نتائج مصطنعة، وقد أعددت دراسة احصائية أثبت فيها ذلك، وسبب هذه النتائج اما غش أو تسيب فى تصحيح الأوراق أو طالب ممنهج على الإجابات فى الدروس الخصوصية.


> وما رأيك فى منظومة التعليم الجديدة التى وضعها الوزير د.طارق شوقي؟
ترتفع نبرة صوته أكثر وأكثر ليقول غاضبا: كل وزير يأتى بمشروع جديد، فالوزير الهلالى الشربينى الذى سبق طارق شوقى جاء بالبوكليت، ثم جاء الوزير الحالى بالتابلت، وفى رأيى ان التعليم ليس حقل تجارب نتركه لكل وزير يأتى بأفكار جديدة، وحتى نتلافى ذلك أقترح وجود مفوضية للتعليم، تكون بمثابة كيان فوقى يضع الاستراتيجيات وتتابع التنفيذ.


> بعيدا عن المطلب الذى تنادى به، ما هى مشكلتك مع التابلت؟
يطرق على مكتبه قبل ان يقول بلهجة بدت أكثر عصبية: الأول نوفر فصولا تستوعب الطلاب بكثافات معقولة، ونوفر مدرسا مؤهلا بشكل جيد، ونجزل لهذا المدرس العطاء ثم بعد ذلك نرى موضوع التابلت هذا، ولكننا فعلنا مثل الذى يبنى الدور العلوى قبل البدروم.


مشروع التأمين الصحي
> دعنا ننتقل من التعليم سريعا لبعض القضايا الصحية، ويهمنى فى البداية معرفة رأيك فى مشروع التأمين الصحى الشامل؟
الفكرة ممتازة، ولكن هناك شروط لنجاحها، أولها ألا يتبع وزارة الصحة، فالطب العلاجى لا يجب أن يتبع وزارة الصحة، لانها مكبلة بمسئوليات أخرى من طب الأسرة وطب وقائى وإشراف على الأغذية والأدوية.


والطب العلاجى هذا له عدة عناصر من أطباء يجزل لهم العطاء، ومستشفيات تجهز تجهيزا مناسبا، وتمول لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية، فإذا فعلنا ذلك يبقى مشروع ممتاز.


> ما تقوله من شروط تحقق فى تجربة بورسعيد؟
لا يكفى الحكم على المنظومة كاملة من تجربة بورسعيد، نحتاج لتقييمها فى أكثر من محافظة للحكم عليها؟


> قلت فى حوار مع مجلة «صباح الخير» فى 15 إبريل 2003 انك تخشى من أن مرضى الفشل الكبدى سيفوق عددهم مرضى الفشل الكلوي، هل مازلت تشعر بهذا التخوف؟
تعود الابتسامة إلى وجهه قبل أن يقول: ربما ستساعد مبادرة علاج فيروس سى التى يتبناها الرئيس السيسى على التقليل من مخاوفى السابقة، ففى رأيى أن هذا المشروع من أحسن المشروعات التى تم تنفيذها، وإن كنت أتمنى أن يكون علاج السوفالدى مصريا، وليس مستوردا من الهند.


تجديد الخطاب الديني
> بما اننا فى حضرة د.غنيم، يجب ألا نغفل بعض الجوانب الفكرية والسياسية، ويهمنى فى هذا الاطار ان أسأل : هل مازلت ترى ان مصر تحتاج إلى ثورة دينية؟
ثورة دينية؟!.. من قال هذا.


> قلت ذلك فى حوار مع المصرى اليوم بتاريخ 5 مايو 2015؟
المصطلح صعب شوية، ولكن إن كنت تقصد به ما هو معروف بـ « تجديد الخطاب الديني»، فالإجابة : نعم مصر فى حاجة إلى تجديد للخطاب الديني، لأن مشكلتنا اننا أهملنا ما جاء به الإسلام من مكارم الأخلاق، وتم دفعنا إلى الغوص فى أعماق كتب الفقه، التى تحمل اختلافات فى الرؤى، وبعضها يتضمن رؤى لا تنسحب على الحياة الحديثة، فصارت القضايا المطروحة على الساحة من نوعية « إرضاع الكبير» و» نكاح الوداع»، ولم نجد من يحدثنا عن مكارم الأخلاق من إتقان العمل وأداء الزكاة والصدق وغيرها.


> وكيف يتم تجديد الخطاب من وجهة نظرك.. هل هذه مسئولية الأزهر وحده؟
الأزهر لم يقدم حتى الآن ما هو كاف فى هذا الاتجاه، ولكن احب ان اؤكد انها ليست مسئوليته وحده، فتجديد الخطاب الدينى قضية ثقافية فى الأساس، والثقافة لها روافد علي التعليم والإعلام، فتضافر هذه العناصر جميعا يعيد الخطاب الدينى إلى طريقه الصحيح، وهذا الأمر ليس مستحيلا.


مستقبل الإخوان
> كنت من أوائل الواصفين لسلوك جماعة الإخوان بانه يركز على المصلحة الشخصية على حساب مصلحة الوطن، وذلك فى حوار مع الأحرار بتاريخ 27 أكتوبر عام 2010، هل ترى أن هذا السلوك هو من عجل بنهايتهم بعد أن آلت لهم السلطة؟
يطلق تنهيدة عميقة تكشف كم الغضب المكتوم فى نفسه، قبل أن يقول: هذا الوصف جاء تعليقا على مخالفتهم لقرارات الجمعية الوطنية للتغيير التى كانوا اعضاء بها، حيث تم التصويت بالإجماع على عدم خوض انتخابات مجلس الشعب فى 2010، لكنهم خالفوا القرار ودخلوا الانتخابات.


> وهل هذا المسلك المفضل للمصلحة الشخصية هو من عجل بنهايتهم؟
كتبوا نهايتهم بمساعيهم نحو « التمكين « للجماعة من ناحية، وسعيهم من ناحية أخرى إلى « التحصين» من خلال الإعلان الدستورى الذى تم اصداره، وهو ما أدى لاندلاع أحداث الإتحادية التى كانت مسمارا فى نعش الإخوان.


> وهل مازلت تخشى عودتهم من خلال الانتخابات البرلمانية كما قلت فى حوار مع جريدة الشروق بتاريخ 16 أكتوبر 2015؟
لا أعتقد أن الأحداث التى تعايش معها المصريون فى السنوات الأخيرة ستجعل لهم دورا، فهم افتقدوا إلى الحصافة، وكان أولى بهم بعد أن لفظهم المصريون فى 30 يونيو أن ينصاعوا لإرادة الشعب، ويبدأون فى ترتيب أوراقهم من جديد، لكنهم اختاروا طريقا آخر.


> وأخيرا بما اننا تطرقنا للماضي، يهمني معرفة رأيك في قول الكاتب د.جلال أمين عن د.محمد البرادعي في حوار أجريته معه قبل شهرين من وفاته، حيث قال إنه شخص محدود الفكر ومحدود القدرة على التعبير؟
يبدى حالة من الدهشة قبل ان يقول: تستطيع القول أنه مُنظر سياسي، وهذا مناف تماما لوصفه بأنه محدود الفكرة، ولكن استطيع القول أنه ليس زعيما سياسيا، لأن الزعامة لها ثمن، حيث تتطلب تضحيات، وبذل الجهد والعرق، وهو لم يكن لديه استعداد لذلك.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة