عزت مصطفى
عزت مصطفى


«ست الحبايب»

عزت مصطفى

الأربعاء، 08 يناير 2020 - 09:52 م

وداعًا يا ست الحبايب.. وداعًا يا أمى التى لم تلدنى.. وداعًا يا من علمتنى سر مهنة الصحافة القضائية.. وداعًا يا أستاذتى وصديقتى وأختى الكبرى.. وداعًا يا من خففت عنى هموم الدنيا.. وداعًا يا منارة الأمل والحب والإخلاص والتفانى.. وداعا أستاذتى وأستاذة أجيال عديدة فى بلاط صاحبة الجلالة أمى خديجة عفيفى.
منذ أن لعب القدر لعبته ورشحنى الأستاذ محمد حسن البنا رئيس تحرير الأخبار الأسبق حينما كان يشغل منصب مدير التحرير آنذاك للعمل بالقسم القضائى قائلا للفقيدة الآتى «الواد ده زيك يا خديجة بتاع شغل.. خدى بالك منه ومن شغله وقيميه أول باول».. وكان القدر قد قرر أن يربطنى بالأستاذة خديجة عفيفى منذ تلك اللحظة منذ عام 2006 إلى لحظة كتابتى رثاء لها.
فمنذ لحظة عملى بالقسم القضائى بجريدة الأخبار كانت دائما تسألنى عن عملى وكنت دائما أبشرها بالانفرادات التى كنت أحصل عليها من خلال نشرى لأحكام محاكم الجنح على مستوى محافظة القاهرة كاملا.. إلى أن تجمعنا معا فى عمل واحد وهو تغطية قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم التى كان متهما فيها رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى.. ومنذ تلك القضية ارتبط اسمى باسم أستاذتى ومعلمتى خديجة عفيفى فى تغطية القضايا المهمة والكبرى وكانت المعاملة بيننا كأم وابن وليس رئيس ومرءوس فهى إنسانة من الدرجة الرفيعة والأولى بمعنى الكلمة.. ومرت بيننا السنوات فى العمل وصولا لثورة 25 يناير حيث قمنا بتغطية أحداث عنف شارع محمد محمود وسط طلقات الخرطوش وقنابل الغاز التى أحاطت بنا من كل جانب وكانت لا تخشى سوى أن تغطى الأحداث ومعاينة النيابة العامة لها أولا بأول وكنا نجلس على الرصيف بشارع البستان بباب اللوق لنتولى مهمة كتابة التقرير وإرساله للجريدة.. ومحاكمة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك ورموز نظامه سواء كانت المحاكمات بأكاديمية الشرطة أو مجمع المحاكم بالتجمع الخامس منذ الساعة السادسة صباحا إلى الساعة السابعة مساء بصفة يومية.. رغم أن المرض اللعين كان قد بدأ يصيب جسدها إلا أنها كانت كالمحارب الصامد العنيد الذى لا يقهر بل كانت مؤمنة بقضاء الله عز وجل.
ووصلت بنا الأيام لثورة 30 يونيو حيث كلفنا بتغطية كافة محاكمات قيادات جماعة الإخوان الإرهابية والرئيس المعزول محمد مرسى بأكاديمية الشرطة حيث كانت تحرص على أن نتوجه يوميا للتجمع الأول منذ الساعة 7 صباحا لندخل قاعة المحكمة قبل أى شخص آخر لنجلس فى المقاعد الأمامية لكى تتمكن من رصد ومتابعة تصرفات المتهمين وما يدور بداخل قفص الاتهام لرصده لقراء الأخبار أولا بأول.. وكان ضباط الشرطة والقيادات الأمنية بل المستشارون أنفسهم يطلقون علينا لقب الأم والابن لمدى ارتباطى بها دائما.. ومن إنسانيتها كانت تقوم بشراء وجبة الإفطار لكافة الزملاء الصحفيين بالقاعة قبل بدء الجلسة وتكتفى هى فقط بتناول قطعة من البسكويت أو التوست المحمص بناء على توصية طبيبها المعالج.
لقد تملك المرض اللعين منها خلال الآونة الأخيرة بصورة رهيبة وسريعة ورغم ذلك كانت أمامى وأمام كافة زملائى شعلة نشاط وتقوم بأداء عملها وإرساله للجريدة أولا بأول رغما من أنه لو جلست معها لسمعت كلمة «آآآآآآه» النابعة من قلبها بسبب الألم فى الدقيقة الواحدة 100 مرة.
حرصت على أن أزورها بمنزلها خلال الآونة الأخيرة بصفة شبه يومية للإطمئنان على صحتها ولشد أزرها وكنت أحبس دموعى بداخل عينى حتى لا تراها.. إلا أنها كانت تقرأ ما بداخل عينى وترد علىّ بأنها راضية بقضاء الله وبأى شىء سيحدث لها.. ورغم الألم الذى كان يعسر جسدها النحيف الذى نهشه المرض إلا أنها كانت دائمة السؤال عن زملائها بالعمل وعن أحوال الجريدة.. وكانت دائمة الدعاء لى ولأولادى بعد كل زيارة لها وحرصى على إعدادى لها أى وجبة خفيفة لتتناول الإفطار خاصة إنها كانت رافضة الأكل ولا تشرب سوى المياه فقط.
لقد رحلتى يا أمى وها أنا الآن أرثيك بكلمات قليلة.. ولا الدهر كله يكفى أن أعطيك حقك فى الرثاء ولكن أعاهدك بأنك ستظلين فى قلبى وذاكرة عقلى أبد الدهر.. ارقدى فى مثواكى الأخير وأنا كلى ثقة بأن الله عز وجل سيجعل مثواكى الأخير الفردوس الأعلى.
عزت مصطفى


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة