مؤمن خليفة
مؤمن خليفة


أم قلب طيب

مؤمن خليفة

الأربعاء، 08 يناير 2020 - 09:59 م

خديجة عفيفى.. أم قلب طيب.. لا أذكر طوال خدمتى الطويلة أنى لمحتها تسىء إلى أحد.. حتى عندما تغضب من أى شيء لم تكن تسيء لزملائها بل كانت «نرفزتها» السريعة ثم تصفو بسرعة شديدة وكأن شيئا لم يحدث.. كانت صافية القلب والسريرة ولا أذكر أنى لمحتها تتحدث عن أحد فى غيابه.. هذه مكونات الزميلة والأخت العزيزة التى انتقلت إلى رحاب ربها بعد حياة حافلة فى بلاط صاحبة الجلالة.. كانت حتى وفاتها تحرص على عملها رغم كبر سنها وكانت تتميز بانفراداتها الكثيرة من مكتب النائب العام.
كنت أناديها دائما بلقب «سيادة المستشار» لخبرتها الطويلة فى متابعة قضايا وأخبار السلك القضائى.. فى أحد الأيام طلبت منها التوسط لابن صديق حاصل على تقدير إمتياز فى كلية الحقوق بجامعة عين شمس وفوجئت بها تقول: لا توصينى على أحد.. هناك لجان تختار والولد جايب تقدير متفرد وسوف تقبله النيابة لكفاءته ودرجاته وبالفعل تم تعيينه وكيلا للنائب العام بعد عدة شهور فقد كانت مطلعة بشكل كبير على خبايا السلك القضائى وتعرف كل كبيرة وصغيرة فيه.. وكان لها تقدير كبير عند الجميع من صحفيين يعملون فى هذا المجال وكانت تساعد الجميع حتى يشتد عودهم ولم تكن تبخل بخبراتها المتراكمة على أحد مطلقا.. ولم تكن تحمل غلا أو حقدا على أحد.. القسم القضائى فى «الأخبار» يكن حبا شديدا للفقيدة تلمحه فى كتابات الزملاء الذين هزتهم الفاجعة بوفاتها فقد كانت «الأم» للجميع.. وبحكم عملى فى الديسك فقد كنت على اتصال دائم بها لمتابعة بعض القضايا ولم تكن رحمها الله إلا سندا لنا جميعا.
المرة الوحيدة التى أخذت على خاطرى منها كانت لسوء فهم لم أكن طرفا فيه ولم يمر اليوم إلا وكانت تطيب خاطرى وتعتذر عما بدر منها بأدب شديد.. وهكذا كانت خديجة عفيفى رمزا لإنسانية عالية ومهارة صحفية فعندما أصابها المرض قبل فترة.. لم تتأخر عن القيام بمهام عملها ولم تتقاعس بحجة المرض وواجهت مرضها بعزم الصابرين على قضاء الله فلا راد لقضائه.. وظلت تعمل حتى داهمها المرض وانتقلت إلى الرعاية المركزة.
كلنا يعرف قدرات الفقيدة الغالية وكلنا يعلم أننا سوف نفتقد فيها الصحفى المتمكن.
قبل عدة سنوات قليلة.. رحل عنها رفيق عمرها وذهبنا لمواساتها فى سرادق العزاء ووجدتها شديدة البأس راضية بقضاء الله رغم الدموع التى تناثرت من عينيها ورغم لوعة الفراق.. كانت تذكرنا بجيل من الأمهات كن يعرفن أن دورهن الحفاظ على الأسرة بعد فقد عائلها الوحيد ولا يجعلن من الحزن وسيلة لاجترار الذكريات.. كانت بالفعل من هذا الجيل الذى كان يعرف قدر الآخرين ويتوكل على الله وهن يعلمن بأن المصاعب كثيرة لكن قدر الله وقع لا محالة وأن عليهن التدبير.. رجعت من العزاء وأنا أكن لها قدرا كبيرا من الإعجاب كسيدة نادرة فى هذا الزمان.
ابنى الذى عمل تحت رئاستها عدة سنوات يحكى لى الكثير عنها وقلبها الطيب الذى لا يعرف إلا الحب الشديد لعملها والإخلاص النادر والتقدير الذى تحمله لمن يعمل معها وصراحتها الشديدة فى المواجهة والتعامل كأنهم أولادها.. ولذا لم يكن أحد يفكر حتى فى «الزعل» من كلماتها العنيفة أحيانا مادام هذا فى نطاق العمل.
خديجة عفيفى ستظل دوما فى ذاكرة «الأخبار» كواحدة ممن عملن بإخلاص وتفان وظلت تعمل حتى الرمق الأخير مثل صغار المحررين.. وخلال أحداث يناير 2011 وما بعدها.. كانت تتواجد فى ميدان التحرير تغطى الأحداث وكأنها محررة تحت التمرين رغم ترقيتها مديرا للتحرير.. لم تتكبر على عملها وتركن إلى المكاتب بل كانت حريصة على متابعة مصادرها من القضاة الذين عاشت معهم سنوات طويلة حتى أصبحت واحدة منهم.
رحم الله الفقيدة العزيزة صاحبة القلب الطيب.. خديجة عفيفى.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة