قصف إيران قاعدة عين الأسد الأمريكية
قصف إيران قاعدة عين الأسد الأمريكية


مستقبل الصدام بين إيران والولايات المتحدة| العراق.. ساحة «تبادل اللكمات»

بوابة أخبار اليوم

السبت، 11 يناير 2020 - 01:29 ص

دراسة - أحمد عليبة

تتأهل الآلة العسكرية الإيرانية، ووكلاء طهران عبر الإقليم للقيام بهجمات مضادة على أهداف أمريكية فى إطار الأوامر التى أصدرها المرشد الأعلى الإيرانى على خامنئ انتقاماً لاغتيال الولايات المتحدة قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الإيرانى، بما ينذر باحتمالات اندلاع حرب ربما لن تقتصر على المسرح العراقى، بل قد تمتد لتشمل دائرة أوسع فى الاقليم وأهدافا أخرى فى مواقع متفرقة من العالم، وفى المقابل رفعت الولايات المتحدة درجة التأهب الدفاعى لأقصى درجة ممكنة، حيث يسود الاعتقاد بأن قواعد الاشتباك بين طهران وواشنطن خرجت عن السيطرة مع تجاوزهما سقف «الخطوط الحمراء» الذى يمكن توقعه، كما أن محاولات العودة خطوة إلى الخلف يبدو احتمالاً ضعيفاً. فلا شك أن تاريخ العلاقات الايرانية-الأمريكية سيؤرخ له من الان فصاعدا بعملية «البراق الأزرق» كتاريخ فاصل.


كذلك، فإنه لا يجب اهمال باقى الشخصيات الأخرى الذين جرى اغتيالهم مع سليمانى، من حسابات المواجهة، لاسيما أبو مهدى المهندس، الشخصية الأقوى بين قادة الحشد، بعد أيام قليلة من استهداف أكثر من 25 من عناصر الحشد أبرزهم أبو على الخزعلى القيادى فى ميليشا حزب الله العراقى، وهو من أقرب الشخصيات لكل من سليمانى والمهندس إضافة لكونه أحد أبرز الكوادر الفنية التى تعتمد عليها إيران فى العراق فى تأمين الامدادات العسكرية إلى العراق وسوريا، وبالتالى ستدفع الرغبة فى الثأر العديد من مليشيات الحشد لاسيما حزب الله العراقى المدرج على قائمة الارهاب الامريكي، وعصائب أهل الحق التى تم إدراجها يوم العملية-3 يناير 2020-كحركة إرهابية، إضافة إلى الارتباط الهيكلى والعقائدى مع ايران إلى الانتقام من الولايات المتحدة، فضلاً عن انضمام قوى شيعية أخرى فى المواجهة المحتملة فى العراق أبرزهم «سرايا المهدى» التى أعاد إحياءها رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر لـ «حماية العراق».


فى هذا السياق من المتصور أن الضربة الرابعة فى مسار الضربات التبادلية بين الطرفين هى التى سترسم ملامح وطبيعة سيناريو المواجهة القادم-(الضربة الأولى شنها حزب الله العراقى على قاعدة K1 قرب كركوك، وردت واشنطن باستهداف قواعده فى العراق وسوريا، فردت طهران على الرد بدفع الحشد إلى اقتحام السفارة الأمريكية)-لكن مع الوضع فى الاعتبار فى أن الضربة الرابعة ستعتمد على نتائج الرسائل المتبادلة على الجانبين عبر الخارجية السويسرية، فربما يكون احد الاحتمالات هو أن تلجأ إيران إلى القيام بضربة « انتقامية» فقط ضد هدف أمريكي، فى حال ما إذا كان هناك رد أمريكى إيجابى ثم تذهب إلى «صفقة» جيدة لصالحها، لاسيما فى ضوء مقولة الرئيس ترامب بأن ايران يمكن أن تكسب بالمفاوضات-كالعادة-بينما لن تكسب الحرب. كما أن ايران ستبقى على المليشيات العراقية لضمان هذا المسار لاحقاً فى حال تعثر. لكن فى المقابل أيضا ربما تغامر إيران بعملية تشكل كلفة غير محسوبة تضع الرئيس أمريكى أمام قرار الحرب.


حرب الإطاحة برءوس الهرم:


ربما يكون التفكير الإيرانى فى ضوء ما سبق هو شن ضربة كبيرة تطيح بالرئيس الأمريكي، لتكرر سيناريو عام 1979 حيث اطاحت أزمة الرهائن بالرئيس جيمى كارتر، بينما أفرجت عنهم بمجرد اعلان فوز الرئيس رونالد ريجان. وفى المقابل فإن الادارة الأمريكية التى تكرر أنها لا تفكر فى تغيير النظام الايرنى، لكن من المؤكد أنها ستستمر فى حصد الرءوس التى تشكل لها تهديداً. وستمرر هذه الاتجاه كنوع من الضربات الاستباقية والردع الدفاعى.


الحشد وتحصين الجبهات : لا شك أن كلاً من الطرفين يسعيان إلى تحصين وتعزيز الجبهات التى يقف عليها كل منهم، لاسيما الجبهات المشتركة التى تجمعهما معاً، فالولايات المتحدة التى كانت فى مسار تخفيبض تواجدها العسكرى فى الشرق الأوسط، أصبحت فى مسار معاكس بحاجة لتعزيز تلك القوات، حيث قررت ارسال 3 آلاف جندى اضافى إلى الشرق الأوسط فى أعقاب العملية، لتأمين تواجدها ومصالحها، ولم تذكر إلى أين ستتجه تحديداً لكن من المتصور أن العراق سيكون له النصيب الأكبر من تلك القوات، وهو ما يمثل تحدياً جديداً لأى حكومة عراقية خاصة فى ظل الضغوط السياسية التى ستمارسها الميليشيات عبر الكتل البرلمانية لإنهاء اتفاق التحالف الدولى ضد الارهاب المبرم عام 2014 .


وعلى الجانب الآخر فإن طهران بصدد إعادة تأهيل البنية العسكرية لمليشيات الحشد التى تضررت فى العراق، فضلا عن حشد باقى الوكلاء فى سوريا ولبنان واليمن، وربما أيضا خلاياها النائمة فى مواقع أخرى من العالم. وفى هذا السياق أصبح لدينا معطى آخر، وهو أن نظرية الردع الايرانية تعرضت لضربة قاضية، من ابعاد عديدة، فهناك انكشاف فى تأمين دفاعات لحماية بنية الوكلاء فى الخارج، فبعد شهور من انتهاء حملة القصف الاسرائيلية على قواعد الحشد الشعبى، كان هناك حديث متواتر عن وضع دفاعات لتأمين تلك القواعد، إضافة وربما هو الأهم إلى الضربة القاضية التى تعرضت لها الاستخبارات الايرانية فى عملية تأمين الرجل القوى فى المنظومة الأمنية الايرانية.


العراق لا يحتمل القوتين:


لفترة طويلة، ومنذ سقوط النظام العراقى السابق فى 2003، لم يكن التنسيق الأمريكى-الايرانى خفياً بل على العكس يسود الاعتقاد بان واشنطن هى من سلمت العراق لايران بدون أى تحديات تذكر، وبالتالى فإن واشنطن تدفع ثمن ذلك الآن، لكن وبخلاف هذه المعطيات، فإن المرونة التى ظل الطرفان يظهرانها فى التعامل معاً فى العراق، بشكل مباشر، أو عبر الحكومة العراقية كوسيط، لم تعد تلك الآليه ذات جدوى حالياً، ومن المتصور أن كلا الطرفين يفكران الآن فى أن بقاء الآخر على النحو السابق لم يعد محتملاً، فإيران تفكر فى إنهاء التواجد الأمريكى فى العراق، وفى المقابل تفكر الولايات المتحدة فى ابعاد ايران عن العراق، لاسيما وأن وجودها فى العراق يشكل مصدر قوة رئيسى فى المواجهة مع واشنطن.


فى الأخير، هناك ضربة مرتقبة من طهران تجاه واشنطن فى إطار «تبادل اللكمات» على حلبة المصارعة العراقية، سترسم مسار العلاقة بين ايران والولايات المتحدة من الآن فصاعداً، وستحدد طبيعة قواعد الاشتباك بين الطرفين، على مسرح الشرق الأوسط، وما إذا كانت تلك التطورات ستقود إلى حرب اقليمية جديدة أم أن دورة الصراعات وصلت إلى ذروتها، فلا يزال من الصعوبة التكهن بمستقبل المغامرات التى تشهدها المنطقة ولا توجد ضمانات للقدرة على التحكم فيها وعدم خروجها عن السيطرة.


كذلك من أحد المعطيات فى الدروس المستفادة من هذه التطورات، هو أن مفتاح التحولات فى مصير مساحة كبيرة من المنطقة العربية ليس بيد العرب، وإنما بيد الطامحين لفرض مشاريعهم الإقليمية على تلك المنطقة، وفى الأخير يدفع بلد عربى مثل العراق كلفة ذلك، حيث أصبح مجرد حلبة للصراع بين مختلف القوى الطامعة فيه. وبالتالى يمكن القول أن المسار الحالى لن يحدد فقط مسار العلاقة بين ايران والولايات المتحدة ولكن مسار تفاعلات كبيره فى الشرق الأوسط.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة