الديانات السماوية تتعانق بمصر
الديانات السماوية تتعانق بمصر


الديانات السماوية تتعانق بمصر| مسيحية متخصصة في ترميم المساجد: أشعر بالروحانيات في بيوت الله

زكريا عبدالجواد

السبت، 11 يناير 2020 - 04:41 ص

- أعشق جلال الدين الرومى وشمس التبريزى وأمارس طقوسى الصوفية بمسجد السيدة نفيسة

على أرض هذه البلاد.. نبت الاتفاقُ على الاختلاف، فصنع المصريون ملحمة من التآخي، قوامها قبول الآخر بمعتقده، وعدم التضييق عليه فى ممارسة شعائره.  

ورغم أن التاريخ الأسود للفكر الظلامى والاستعمارى غَيَّر بعض ملامح جغرافيا دور العبادة فى مصر.. لكن اليقين الذى يسكن ضمائر أبناء هذا الوطن بأن الدين لله والوطن للجميع أعاد بناءها، بفكر ثاقب، واستراتيجية إنسانية سطرت رقيا أخلاقيا ممتدا عبر قرون. وكانت أرض الكنانة محظوظة بأن حباها الله لتكون موطئا للديانات السماوية الثلاث.. فعليها  كانت رحلة العائلة المقدسة، ومن فوق جبل طور سيناء كلم الله نبيه موسى، وتشهد المآذن على زمن دخول الإسلام إليها وفتحها بقيادة الصحابى الجليل عمرو بن العاص.  

ومنذ توليه الحكم حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على إعلاء صوت التعايش مع الآخر، واهتم بدور العبادة للديانات الثلاث، فتم ترميم عدد كبير من المساجد والكنائس الأثرية، وكذلك الانتهاء من ترميم المعبد اليهودى بالإسكندرية. ولازال العمل مستمرا بالترميم وإعادة البناء فى العديد من دور العبادة توثيقا لقوة نسيج مصر الوطنى الذى سيظل عصيا على الخرق من دعاة الفتنة، وهادمى الأوطان. بحكمة ورعاية القيادة السياسية الواعية.كنا واثقين بأن الملك لن يأتي، بعد أن ركضت أصوات الحرية خلف زمانه حتى ولى، فاستبحنا الجلوس بالممر الخاص به، أسفل حوائط التاريخ، فى ظلال الدهشة، نتأمل فن العمارة الإسلامية بمسجد «الفتح الملكي» بقصر عابدين.

لفت انتباهنا نجوم رأيناها تتلألأ فى وضح النهار، دون الحاجة لليل ولا سماء، كانت تزين نوافذ رائعة، صنعتها مهارة فنان فى عصره، وشهدت بعبقريته حوائط.. تؤكد نقوشها أن هذا الوطن سيظل تاجًا للتاريخ، ودرة للجغرافيا، والمتحدث الرسمى باسم الشموخ.  

المهندسة كارولين سمير عزيز، المشرفة على المشروع، هى ابنة شبرا وذات جذور صعيدية، استضافتنا -بشهامة الجنوبيين- وأصرت على أن نتناول حلوى عيد الميلاد وقالت: أنا مسيحية، وصوفية، وأحب جلال الدين الرومى وشمس التبريزي، وأؤمن بأن ترميم الأفكار أهم من ترميم الآثار وأعشق الروحانيات التى تفوح من جنبات بيوت الله، وأمارس طقوسى الصوفية بمسجد السيدة نفيسة، وقضيت عيد الميلاد المجيد هنا.. فى هذا المسجد العتيق، حتى نستكمل ترميمه فى الموعد المحدد.     

ابتسمتْ.. حين سألتها عن كيفية اختيارها لرئاسة مشروع ترميم مسجد رغم أنها مسيحية فقالت.. الأمر ليس بجديد، وكان من الصدفة حين تم تعيينى فى شركة المقاولون قادمة من مركز البحوث الأمريكى كانت أولى مهامى الإشراف على ترميم مجموعة المساجد الأثرية الخمسة بشارع المعز.

وحاليا أدير العمل بمساجد الأوقاف الأثرية وهى أحد عشر مسجدا، وكنت أحد المسئولين عن تنفيذ أعلى مئذنة بمسجد الفتح برمسيس بارتفاع  130 مترا، وكان بناؤها تحديا كبيرا لى ولفريق العمل.  إذ تطلب تصميم السقالات وحدها ستة أشهر.

< ومتى جاءت فكرة ترميم هذا المسجد؟ 

- بصدفة غريبة.. حيث كنت أقوم مع مجموعة من المهندسين المهرة بترميم واجهات قصر عابدين، بعد ثورة 25 يناير وأثناء العمل وجدت فوجًا أجنبيا، مبهورا بالمبانى الأثرية، وتصادف وقوف اثنين منه بجوار موقع العمل يتحدثان بصوت عال، عن جماليات بناء المسجد فتجاذبت معهما أطراف الحديث، ووضحت لهما أن أعمال الترميم والاهتمام بالتراث الدينى تتم على أعلى المستويات، وفى جميع ربوع مصر، وضربت لهم أكثر من مثل، ودعوتهم لزيارة الأماكن التاريخية الاخرى. 

بعدها خاطبت الجهات الرسمية ووزارتى الآثار والأوقاف باعتبار الأخيرة هى المكفلة بالإنفاق على ترميم المساجد الأثرية، وبالفعل استجابت جميع الجهات ورحبت بالفكرة خاصة د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والذى أبدى استعدادا كبيرا لترميم المسجد.

< وما الذى أثار دهشتك أثناء الترميم؟ 

- فوجئت بأن هناك قاعة مخصصة للأميرات ملحقة به، يصلين فيها ويحضرن المناسبات، ومزينة بمشربيات خشبية واكتشفنا أن هذه القاعة مغلقة منذ زمن بعيد، ونحن من فتحها للترميم لأول مرة. ومما أثار دهشتنا أيضا.. أن النجف كان منحة من الحكومة اليابانية وقتها وموثق عليه أن اليابان بلد الصناعة باللغة الإنجليزية، ولازال يعمل بكفاءة عالية.

< وما أكثر المراحل صعوبة واجهتموها أثناء الإحلال والتجديد؟ 

- الأرضيات.. حيث كانت سميكة جدا ومرصوفة برخام يسمى خردة على هيئة مكعبات « الفسيفساء» وأعدنا تركيبها كما كانت بعد تدعيم القديم بالحديث  وتم إزالة الأرضية واعادتها كما كانت وتم عمل خرسانة مسلحة، وتعتبر أكبر مساحة أرضيات معمولة بالرخام الخردة إذ بلغت مساحتها 360 مترا. واستمر العمل فيها وحدها  لمدة عامين ونصف العام.

< وهل لك مساهمات فى ترميم منشآت إسلامية فى الخارج؟ 

- نعم..  لم تقتصر ثقة وزير الأوقاف - التى أعتز بها - على مشروعات ترميم بالداخل فقط.. إذ أشرفت على ترميم المركز الإسلامى بتنزانيا « المرحلة الأولى» والتى سيتم افتتاحها آخر الشهر الجارى. وهى على مساحة تزيد علـى 2 فدان بالإضافة إلى تفقده المرحلة الثانية، وكان الأمر يثير استغراب كثير ممن قابلتهم من التنزانيين، ولكنى أواجه ذلك بتوعية وكلمة طيبة لأنى أعتبر نفسى سفيرة لبلدى.

تمثلين حالة رائعة من التسامح، وتجسدين وحدة وطنية حقيقية، فبم تردين على مروجى الفتنة بين المسلم والمسيحى على أرض الوطن؟   

الفتنة.. لعبة سياسية، يروج لها أعداء هذه البلاد الذين تم تغييب فكرهم عن عمد،  ويكذبها الشعب المصرى بأفعال عظيمة بين المسلمين والمسيحيين، وبتصرفات رائعة نلمسها ونعرفها جميعا.. وما يقال خلاف ذلك كذب وافتراء.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة