أسامة عجاج
أسامة عجاج


فواصل

السلطان قابوس... رجل صنع تاريخا

أسامة عجاج

السبت، 11 يناير 2020 - 08:01 م

 

قليلون هم القادة والزعماء الذين سيتوقف التاريخ الإنسانى والسياسى عندهم، ستكتب أسماؤهم بأحرف من نور، هم الذين يمثلون اضافة حقيقية لدولهم، وتمثل فترة حكمهم علامة فاصلة تختلف جذريا عما قبلها، فى مقدمتهم السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان رحمه الله، خمسون عاما من الحكم والقيادة، اثمر بناء حقيقيا للسلطنة، إحياء حقيقيا لها، والخروج من حالة العزلة، التى طرأت على السلطنة قبل توليه السلطة فى عام ١٩٧٠،حيث نجح فى استعادة الدور التاريخى للسلطنة، فى بناء مقومات دولة عصرية حديثة، قائمة على مبادئ وقيم المساواة، والمواطنة وحكم القانون، وعلى تعاون وتكامل المؤسسات، ومشاركة المواطنين فى صياغة أهداف التنمية الوطنية. جاء السلطان قابوس إلى الحكم فى لحظة فاصلة، وكانت اول إنجازاته انه اخرج السلطنة من ان تكون ساحة للتنافس والصراع بين الشرق وكان يقوده الاتحاد السوفيتي، والغرب بقيادة امريكا، والذى اتخذ طابعا ايديولوجيا، ونجح فى إتمام مصالحة تاريخية، استطاع من خلالها تجاوز الخلافات وإتمام الوحدة الوطنية، وبعدها تفرغ لبناء السلطنة الحديثة، بدأب شديد وهمة ملحوظة، مستنفرا قدرات الانسان العُمانى،دون الاتكال على ثروة مفاجئة، فإمكانيات السلطنة وقدراتها المالية محدودة بالقياس بدول الجوار، ولكنه رفع شعار الإنسان هو الهدف، وهو الوسيلة.
نجح السلطان قابوس وبامتياز، فى اتباع سياسة «تصفير المشاكل» مع الجوار والعالم، فقد تكون من الدول القليلة على مستوى العالم، التى ليس لها اى مشاكل او خلافات مع غيرها، معتمدا على سياسة الاهتمام بالمصالح الوطنية، وعدم إغفال البعد الخليجى والعربى والدولى فى أولوياتها، وعدم الزج بنفسها فى الشؤون الداخلية لأى من دول العالم، وتبنى مبدأ حل الصراعات السياسية فى المنطقة بالطرق السلمية، والنأى بالسلطنة عن سياسة الأحلاف والمحاور، مع الأخذ فى الاعتبار تمسك الدولة بهذا المنحى السياسى مهما كانت المتغيرات الإقليمية، وتم ترجمة ذلك فى مواقف السلطنة من ازمات المنطقة، فالمصريون لن ينسوا للسلطان قابوس انه الزعيم العربى الوحيد الذى لم يرضخ للضغوط، ورفض قطع علاقات بلاده مع مصر، كما كانت مسقط قبلة لكل الأطراف المتصارعة فى أزمات الخليج، مما أكسبها مكانة متميزة فى كل من الساحتين الإقليمية، وسمح لها ان تكون لاعبا أساسيا فاعلا، فى حلحلة كثير من المشكلات على الساحات العربية والدولية، عندما احتاجت ايران وواشنطن ان يلتقيا للحوار، كانت السلطنة هى المقر والمبتغى، ومازالت همزة وصل بين الطرفين لحل كثير من الأزمات الطارئة، وعندما رغبت دول التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن فى جس نبض جماعة الحوثى، وإمكانية التعاطى معها، كانت مسقط جاهزة، مادام ان مثل هذا التحرك سيصب فى صالح استقرار وأمن المنطقة.
السلطان قابوس رحمه الله نجح فى بناء دولة من الصفر، ويحسب له كل الإنجازات التى تحققت، والأرقام والتقارير هنا لا تكذب، فقد احرزت السلطنة وفقاً لمؤشرات دليل التنمية البشرية للعام الماضى الصادر عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، تقدما بمركز واحد عن العام الماضي، لتكون فى المركز الـ٤٧ عالميا من بين ١٨٩ دولة،والخامس عربيا وخليجيا ، كما حافظت السلطنة على تصنيفها ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا. ترك السلطان قابوس بلاده على أعتاب مرحلة جديدة تستعد للدخول إليها بآفاق وأهداف وآمال أكبر لتحقيق الرؤية المستقبلية «عمان ٢٠٤٠».
ويكفى ان السلطان قابوس ترك السلطنة مستقرة وخيبت كل التوقعات والتقارير والتى تحدثت عن خلافات متوقعة فى اختيار خليفة للسلطان فكان الانتقال السلس والسريع للسلطة، واختيار السلطان هيثم بن سعيد دليلا مضافا، على واحد من اهم إنجازات السلطان الراحل والسلطنة،خاصة فى دولة بحجم عمان.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة